السودان وإثيوبيا.. دوافع الحرب ومستقبلها
24 ديسمبر 2020
ينطلق على ظهر دراجة نارية أثنين من أفراد الجيش السوداني عند حلول المساء في بلدة حمداييت الحدودية مع إثيوبيا لمراقبة المعبر الرئيسي الذي يدخل منه آلاف اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان فراراً من الحرب المحتدمة باقليم تقراي وتحسباً لأي تطورات عسكرية داخل الأراضي السودانية.
هذه المراقبة بحسب ما أفاد عسكريون في البلدة لـ(عاين)، “ضرورية، وحتمتها ظروف الحرب الإثيوبية في إقليم تقراي المجاور والهجمات المتفرقة التي تشنها عصابات الشفتا الإثيوبية من وقت لآخر على المزارعين السودانيين لا سيما بعد نشر فرق من الجيش السوداني لتأمين الحدود”.
“أعاد الجيش السوداني، انتشاره بعد غياب استمر لنحو 25 عاماُ في منطقة “الفشقة الصغرى” الحدودية مع دولة اثيوبيا والمتنازع عليها بين البلدين والتي تشهد توترات من وقت لآخر جراء نشاط عصابات “الشفتا” الإثيوبية في المنطقة“ |
“عدد العبور اليومي عن طريق نهر ستيت من القرى الاثيوبية المجاورة إلى داخل الأراضي السودانية كبير جدا ولا نعلم إذا كان بين هؤلاء الفارين مسلحون ام لا”، يقول مصدر عسكري في بلدة حمداييت ويضيف لـ(عاين)، “توجيهاتنا وتقاريرنا هي دقة الرصد خصوصا اننا في قلب منطقة عسكرية..أراضي الفشقة التي تشهد توترات مستمرة مع الجانب الإثيوبي قريبة من هنا”.
مخاوف تحول المنطقة بداخل السودان إلى بؤرة نزاع بعد اندلاع حرب التقراي كانت بادية للعيان، السكان المحليون في منطقة الهشابة التي تستضيف فيها القرية (8) مخيم مؤقت لعبور اللاجئين الإثيوبيين، ويقول المزارع في المنطقة عبد الرحمن هاشم، ” تدفق اعداد الاثيوبيين إلى داخل الاراضي السودانية كبيرة جدا، وما تفيد به مفوضية اللاجئين من حصر لا يمثل بالنسبة لنا كل الاعداد التي فرت من الحرب الاثيوبية”. ويضيف هاشم لـ(عاين)، “شاهدت بأم عيني اعداد كبيرة من الإثيوبيين استقروا في مناطق خلوية بعضهم مسلحون”.
الإستعدادات العسكرية السودانية سبقت المواجهات الأخيرة بين مليشيات قومية الأمهرا المسنودة من الحكومة الاثيوبية والجيش الحكومي السوداني الذي حقق تقدماً تاريخياً نحو استعادة أراضي وقرى في منطقة الفشقة الصغرى بولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا خلال مطلع الاسبوع الماضي. ونهاية مارس الماضي، أعاد الجيش السوداني، انتشاره بعد غياب استمر لنحو 25 عاماُ في منطقة “الفشقة الصغرى” الحدودية مع دولة اثيوبيا والمتنازع عليها بين البلدين والتي تشهد توترات من وقت لآخر جراء نشاط عصابات “الشفتا” الإثيوبية في المنطقة.
وتاريخياً، تشن عصابات “الشفتا” هجمات متكررة على الشريط الحدودي بمنطقة الفشقة المُتنازع عليها بين الخرطوم وأديس أبابا، ويعود إحتلال إثيوبيا للفشقة ووفقاً لمصادر سودانية للعام 1957 بتسلل مزارعين إثيوبيين للعمل بطريقة بدائية، وعادوا في العام التالي بصحبة آليات زراعية حديثة، وحينها إعتراض الأهالي ما دفع مسؤولي البلدين لعقد إجتماع إعترف خلاله الإثيوبيين بوجودهم داخل الأراضي السودانية، وبحلول العام 1962 بلغت مساحة التي زرعوها (300) فداناً.
وبدأت المرحلة الثانية للوجود الإثيوبي بالفشقة في العام 1992 حينما دخل أحد المزارعين الإثيوبيين ذوي الإمكانيات الكبرى بآليات ضخمة وتوغل في عمق أراض السودان تحت حماية قوات إثيوبية، وقد تمكن في العام التالي من طرد المزارعين السودانيين والإستيلاء على مزيد من الأراضي، وصلت مساحتها إلى (44) كيلومتراً مربعاً، وفي العام 2013 توصلت لجان ترسيم الحدود المُشتركة بين البلدين إلى اتفاق قضى بإعادة أراضي الفشقة للسودان لكنه لم يُنفذ. النائب عن دائرة الفشقة في البرلمان المحلول ، مبارك النور ، يرى ان الحكومة الانتقالية في السودان لديها إرادة لحل مشكلة الفشقة المتاخمة للحدود الأثيوبية بعكس الحكومات السابقة التي كانت سالبة فى تعاطيها مع القضية، ورجح ان تكون هناك إتفاقات سرية مع الحكومة الإثيوبية.
ويقول النور لـ(عاين)، حالياً الأراضي التي يستولي عليها الأثيوبيين ملك لأشخاص بعض منهم توفوا وبعضم لايزال حياً لكنهم لايستطيعون الإستفادة منها بسبب عصابات الشفتا ولكن نحن نرى أنها قوات اثيوبية وليست عصابات احتلت واغتصبت أراضي المزارعين السودانيين. وأضاف النور، ان قضية الفشقة موضوع قديم متجدد وتوغل الأثيوبيين فى الفشقة الكبرى والصغرى وصل حظيرة الدندر بولاية سنار، فالحدود الاثيوبية (الأمهرا والتقراي ) المتاخمة لولاية القضارف تمتد الى (265) متراً.
تقاطعات إقليمية
“إشارات كثيرة تدل على إمكانية حرب إقليمة وشيكة في القرن الأفريقي الكبير، واندلاعها بين إثيوبيا والسودان وارد جداً لأن بعض معارك تلك الحرب بدأت فعلا في نطاق محدود لكن الأكبر والأكثر أثر لم تبدأ بعد”، يقول الكاتب والخبير في القرن الافريقي، خالد طه لـ(عاين) ويضيف، ” تتوفر العديد من الأسباب لهذه الحرب بالنظر لما يحيط بالمشهد ميدانيا، بينما على المستوى الدبلوماسي تبدو الصورة بشكل مختلف أقرب للتوافق والتنسيق”.
هذا ” التناقض الواضح ” – وفقا لطه، في التعاطي السوداني الرسمي مع قضية الوجود الإثيوبي في أراضي الفشقة السودانية، والمتراوح بين النزوع نحو التصعيد ورفع درجة التوتر والتعبئة، وبين ترجيح الحلول السلمية وتفعيل الدبلوماسية يعطي عبارات درج الجميع على إستخدامها لوصف المستوى القيادي الأعلى في الحكومة السودانية – المكون المدني والمكون العسكري – دلالات تناقض فعلي في الرؤى والتحالفات والنظرة لمستقبل العلاقات في المنطقة، أي أنه ليس مجرد تصنيف.
العسكر ومصر
ويقول خالد، ان موقف المكون العسكري وتقاطعاته مع ” المصالح الإستراتيجية المصرية” يجعل تحول التوترات إلى حرب شاملة ممكن، خصوصا مع الدفع المصري الواضح والداعم، الذي يرجح تغلب خيار فرض الحل بالقوة مقابل خيار الحل السلمي المتفق عليه.
ويشرح طه، من ناحية أخرى لذلك إنعكاس على الواقع السوداني الداخلي باعتباره تعزيزا لمكون خصما على الآخر و انتقاصا من فرص التحول الديمقراطي السلس. وفي المقابل يبدو أن إثيوبيا ليست في وضعا يتيح لها فتح جبهات حرب جديدة بالنظر إلى أوضاعها الداخلية، لذا تسعى إلى إنجاح جهود المكون المدني السوداني، بالقدر الذي لا يضعف موقفها أكثر خصوصا في الملفات الأكثر أهمية مثل ملف ملء بحيرة سد النهضة وتوزيع حصص مياه النيل.
“هذا التوجه محكوم بمدى الضغط المقابل ودرجة تأثيره على مجريات الصراع الإثيوبي- الإثيوبي وحلفاؤها في المنطقة، يقول خالد طه ويتابع ” الدفع السوداني سيقود إلى حربا مباشرة في حال أن تجاوز المطالبة بعودة أراضي الفشقة للسيادة السودانية، لأن ذلك سيعتبر إصطفاف جديدا سيقابل بتحرك حاسم من قبل حكومتي إثيوبيا وإرتريا باعتبارهم حلفاء وشركاء في المصير. ويشير طه، إلى ان عبور الراهن من احداث بالنسبة للحكومة المركزية الاثيوبية مرتبط بوجودها او زوالها، وكذا الحال بالنسبة للحكومة الإرترية، لذا – بلا ادنى شك – سيكون لارتريا دورا في تلك المواجهات أن حدثت، وسيرتد ذلك بشكل مباشر على السودان بإعتباره فاعلا أساسيا في صنع ذلك التأثير .
ولفت الخبير في القرن الافريقي، إلى ان الحرب الداخلية التي بدأت في إثيوبيا وأدت لرفع ملف ” أراضي الفشقة” إلى طاولة المفاوضات في إجتماع الايغاد الأخير، وقبله أحدثت واقعا ميدانيا جديدا على الأرض موضوع النزاع، ومع توفر أسباب عدم التوافق الداخلي في كل من السودان وإثيوبيا وعدد آخر من دول المنطقة، يصبح إندلاع “حرب شاملة” ممكن، لكن الأرجح هو نشوب ” حروب إنشطارية” أو ” حروب بالوكالة” تخوضها قوات محلية في كل بلد، قد تغير موازين القوة في المنطقة وقد تتغير على إثرها الخرائط السياسية، وهو ما يجعل فكرة ” إعادة ترتيب المنطقة ” واجبا دوليا جديدا .
مستقبل الحرب
المحلل السياسي عبد المنعم ابو ادريس، يرى ان البلدين ظروفهما لا تسمح بالتصعيد العسكري، واثيوبيا الأمر مرتبط لديها بإبعاد سياسية ومشاكل داخلية تعمل على حلها، ورئيس الوزراء الأثيوبي، آبي احمد، يتحدث عن التهدئة. ويقول ابو ادريس لـ(عاين)، “الأمر ستتم تهدئته من الصعب ان تجد اثيوبيا حلاً نهائياً فى الوقت الحالي وربما يتأجل الحل الى ان تهدأ الأوضاع داخل اثيوبيا”.