السودان: شبكات اجتماعية وأعمال طوعية تنقذ آلاف الفارين من الحرب
7 مايو 2023
دفع النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع في السودان سيما العاصمة الخرطوم عشرات الآلاف من المدنيين الى الفرار من القتال الذي خلف 470 قتيلا واصابة أكثر من 2400 شخصا وتدمير منشآت صناعية إلى النزوح داخليا واللجوء إلى دول الجوار. رغم الوضع القاتم استطاعت مجموعات العمل الطوعي واستنفار الاهالي في المدن السودانية ان يقدموا خدمات للناجين من الحرب.
مدينة وادي حلفا الواقعة شمال السودان على الحدود مع مصر تحولت الى “مركز انساني ” منذ ثلاثة أسابيع عقب تدفق نحو 57 ألف شخص فروا الى مصر من العنف المسلح حيث انعدم اليقين عما اذا كان سيتوقف قريبا. المدينة التي تقع على الحدود مع مصر ويوجد بها “معبر أرقين ” الذي يربط بين البلدين في النقل البري بواسطة الحافلات تمكن فيها شبان وفتيات متطوعون من استضافة الآلاف في المدارس والمرافق العامة وحتى المنازل مع العائلات تحولت الى مركز استضافة للفارين من القتال وأغلبهم من الأطفال والنساء.
“أن العمل الطوعي الذي يستمد قوته من شبكات الأمان الاجتماعي المدعومة من المجتمع والسودانيين بالخارج هو الذي أنقذ الموقف الانساني من كارثة محدقة”
عبد الخالق، عامل بمنظمة عون انساني
تقول “صافيناز” التي تعمل ضمن مجموعة طوعية لاستضافة العالقين في المعبر الحدودي إنه “في اليوم الثالث للنزاع المسلح وصل الآلاف الى هذا المعبر ولاحظنا تزايد العالقين وبطء الإجراءات قررنا فتح المدارس وتجهيزها إضافة للمرافق العامة والمنازل ثم أرسلنا الى ربات البيوت بضرورة تجهيز الطعام والمياه والعصائر”. وأضافت في مقابلة مع (عاين) :”نجحنا في إيواء الآلاف ومن لم يتمكن من مغادرة المعبر أرسلنا لهم الطعام والمياه والعصائر والأدوية “.
هذه المدينة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف شخص اليوم تعد نقطة عبور الى مصر للفارين من جحيم القتال في العاصمة و لا يمكن ملاحظة الجهد الحكومي لأنه متوقف عدا إجراءات الهجرة بواسطة وزارة الداخلية السودانية. في تلك القرى الصغيرة شمال السودان الواقعة على طول الطريق بين العاصمة السودانية ومدينة وادي حلفا كان السكان المحليون يقدمون الطعام والمياه لآلاف المسافرين ويستقلون الحافلات باعتراض الطريق وانزالهم أحيانا. قرى لم تحصل على الخدمات الأساسية لسنوات طويلة تعد شبكات الأمان الاجتماعي الطوعي صماما لتوفير الخدمات في الغالب كما يقول سكانها.
إذ يستخدم المتطوعون في هذه القرى وحتى المدن المستضيفة شبكات التواصل الاجتماعي لجمع الطعام والمياه ووضعها على طرق المرور السريع لتقديمها للفارين من القتال. في ظل استمرار العنف المسلح وانتشار عصابات النهب في العاصمة السودانية قرر الآلاف مغادرتها. وأدى هذا التدفق المفاجئ للفارين الى ولاية الجزيرة لتشكيل غرف ميدانية للطعام والمياه وحتى وسائل النقل. يقول “حمدان” يسكن حي جبرة جنوب العاصمة السودانية والذي شهد معارك ضارية لـ(عاين)، “ظللت عالقا مع عائلتي وحينما أعلنت عن حاجتي إلى المساعدة في توفير عربة تقلنا إلى مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، أعلن أحد الاشخاص عبر (فيسبوك) – الأكثر استخداما في السودان – استعداده لنقلنا وجاء في الموعد ورفض أخذ المقابل المالي حتى إنه عرض علينا الإقامة في منزله. شكرناه لأننا ذهبنا الى أحد الأقرباء”.
فيما يقول معتز الذي يقيم في منطقة أركويت شرق العاصمة السودانية لـ(عاين)، إن المتطوعين يوفرون الخبز والمياه لآلاف العالقين في المنازل في العاصمة خاصة من يقضون ساعات اليوم تحت أصوات الضربات الجوية. يضيف :”اذا غادر نحو 300 الف شخص العاصمة فإن حياة 9 ملايين شخص على المحك يجب أن تبقى الأعمال الطوعية الانسانية قائمة لمساعدة من رفضوا أو يواجهون صعوبة في المغادرة”.
لا توجد إحصائية رسمية حول أعداد النازحين داخليا لكن هناك تقديرات لمفوضية العون الانساني الحكومية أن العدد قد يتجاوز 180 ألف شخص نازح داخليا قد يكون نصفهم نزحوا الى ولايات القضارف والجزيرة وكسلا. منذ ثلاثة أسابيع لم تتمكن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الانسانية الدولية من العمل وسط النازحين والمتأثرين بالنزاع المسلح في السودان لعدم وجود “ضمانات أمنية “.
يقول عبد الخالق العامل في وكالة اغاثة دولية لـ(عاين)، أن العمل الطوعي الذي يستمد قوته من شبكات الأمان الاجتماعي المدعومة من المجتمع والسودانيين بالخارج هو الذي أنقذ الموقف الانساني من “كارثة محدقة” بعد اشتعال نزاع منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع . “في العادة عندما تنشب النزاعات المسلحة يفر المدنيون الى الساحات والمناطق الخلوية ويقيمون في العراء لكن في العاصمة السودانية توجهوا الى الولايات لمعرفتهم بوجود شبكات اجتماعية قادرة على تقديم المساعدات”.
وتقدر الأمم المتحدة الاحتياجات الانسانية هذا العام في السودان ب1.5 مليار دولار وبينما قد يطول انتظار هذه الخدمات خاصة في وضع انساني حرج وانعدام الممرات الآمنة الى المستشفيات فإن المتطوعين في سباق مع الزمن للوصول الى العالقين والمرضى في المنازل لنقلهم الى مستشفيات لا تزال في الخدمة.