عواقب خطيرة لحرب السودان على البيئة
عاين- 13 أغسطس 2024
“عواقب منسية” تتركها الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل من العام الماضي على الجوانب المتعلقة بالآثار البيئية في كافة مناحيها وخطورتها البالغة على السكان.
“الحرائق والانفجارات وغازات البارود مع وجود كميات كبيرة من العناصر الكيميائية الثقيلة والشظايا والمقذوفات غير المتفجرة في مناطق الحرب نتج عنه تلوث الماء والهواء والتربة”- وفقا لدراسة أجراها مركز معتصم نمر للثقافة البيئية.
وتشير الدراسة التي اطلعت عليها (عاين)، إلى أن الحروب غالبا ما تكون مصحوبة بتدمير البنية التحتية المدنية والصناعية، مما يؤدي إلى تسرب مواد كيميائية خطرة وزيوت إلى مصادر المياه العذبة؛ مما يؤدي بدوره إلى تلوث المياه وأيضا هناك التلوث الناجم عن الجثث المتحللة غير المدفونة، والذي يتسبب في تدهور نظام الصحة العامة.
وتقول الدراسة إن الأضرار تفاوتت بين الولايات، المقسمة إلى ولايات النزوح وولايات الصراع، ومثلت الخرطوم ولايات الصراع، في حين مثلت ولايات النيل الأبيض القضارف الشمالية ولايات النزوح.
وفي ولايات النزوح، تمثلت الآثار البيئية – بحسب الدراسة- في زيادة إنتاج النفايات والصرف الصحي في مكبات وبرك في الشوارع والأسواق والأحياء والمرافق الصحية؛ مما يؤدي إلى انتشار الأمراض خاصة في فصل الخريف، حيث تشكل منبعاً خصب لتوالد القوارض ونواقل الأمراض كالبعوض والذباب، مما تسبب في انتشار الأمراض مثل حمى الضنك والملاريا والتيفوئيد بصورة كبيرة. كما ازدادت أعداد المرضى بالأمراض التنفسية والصدرية نتيجة للتخلص من النفايات بواسطة الحرق.
وتشير الدراسة إلى انتشار الإسهالات المائية بصورة كبيرة على مستوى مراكز الإيواء بصورة خاصة نسبة لانعدام أبسط مقومات النظافة. ويتفاقم الوضع مع انهيار النظام الصحي مع محدودية الإمدادات الطبية في الولايات.
هذا إلى جانب الضغط على الموارد الطبيعية البيئية في مناطق النزوح والصراع من زيادة في استخدام التوليد الحراري كمصدر للطاقة الكهربائية واستهلاك للغطاء النباتي والغابي لسد فجوة انعدام الطاقة.
وتقول المشاركة في إعداد الدراسة رزان نمر لـ(عاين): “الآثار البيئية قد تضاعفت دون ريب، فالدراسة غطت فترة الستة أشهر الأولى من الحرب بداية من أبريل وحتى سبتمبر 2023م والآن قد توسعت رقعة الحرب ودخلت مدن كثيرة دائرة الصراع كما أصبحت هناك مدن جديدة مصنفة كمدن نزوح”.
تسرب كيميائي
يقول الباحث في البيئة والحياة البرية والمشارك في دراسة عن آثار الحرب البيئية أجرتها الأمم المتحدة، أبوبكر محمد، أن الحرب قد دمرت مناطق صناعية كثيرة داخل وحول العاصمة الخرطوم في بحري وامدرمان وجياد والباقير وهي منشآت صناعية خطورتها أنها بالقرب من المناطق السكنية، وتحتوي في مخازنها على مواد كيميائية ومواد خام تعرضت للتدمير والحرق، وتسربت إلى التربة ومصادر المياه. ويعتقد أبوبكر، إن هذا ما يفسر رصد حالات تسمم بالمياه وسط سكان هذه المناطق بعضهم توفي، إضافة إلى تدمير بعض المصانع العسكرية وتسرب مواد عالية الخطورة يصعب تحديدها الآن، وقد تمتد آثارها إلى سنوات طويلة.
كما أوضح محمد في حديثه لـ (عاين)، أن بعض البيئات النادرة وهي ما تسمى بـالبيئات الرطبة الصناعية؛ الموجودة في العاصمة الخرطوم قد تعرضت للحريق أو الجفاف بسبب عدم وجود مياه كما في مراكز الصرف الصحي في بحري وسوبا وهي بيئات رطبة تكونت بسبب الإنسان ذات أهمية لأنواع كثيرة من الكائنات الحية.
ويشير إلى أن هناك نوعين من الطيور لم تسجل إلا في هذا النوع من البيئات، وهذا يعني نهاية هذه الأنواع بالموت أو الهجرة والتأثير في التنوع الإحيائي والتوازن البيئي.
كما أشار أبوبكر إلى غابات مهمة مثل غابة السنط – الخرطوم- تمثل بيئة ضرورية لكثير من الطيور قد تعرضت للحرق وكثير من الغابات قد تعرضت للقطع الجائر لاستخدامها كفحم لغياب غاز الطبخ وهناك اختفاء لغابات كاملة نتيجة لذلك كغابة الفيل.
ولفت محمد إلى أن كثيراً من دول الجوار كذلك حاولت الاستفادة عدم وجود السلطات المسؤولة عن حماية الغابات، فنشطت تجارة الفحم الحدودية؛ مما يفسر اختفاء غطاء غابي في كثير من ولايات غرب السودان وهو ما يظهر بوضوح من صور الأقمار الصناعية.
كما نبه محمد، إلى ظهور ثعابين في المناطق السكنية وتعرض بعض المواطنين للدغاتها حيث أدى تغير طبيعة هذه المناطق بسبب خلوها من الوجود الإنساني وتكاثف الحشائش فيها إلى انتشار وتوسع بيئة هذه الحيوانات، خصوصا في المناطق القريبة من النيل والغابات والمزارع.
عواقب خطيرة
وفي ذات الاتجاه يؤكد الباحث في مجال الغابات، عماد حسن، أن العواقب البيئية لتدهور الغابات خطيرة، وتؤدي إزالة الغابات وتدهورها إلى فقدان العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، مما يهدد التنوع البيولوجي المحلي. إضافة إلى ذلك فهي قد تزيد خطر التعرض للكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف، وتؤدي إلى اضطراب دورة المياه، فهي تؤدي دوراً رئيسيا في أنماط هطول الأمطار كما تسبب كذلك في تآكل التربة والتأثير في خصوبتها، فضلا عن أن إزالة الغابات يفاقم من تأثير التغيرات المناخية، فهي تعمل كمصارف للكربون الذي يسبب الاحتباس الحراري.
تدمير مؤسسات بحثية
من آثار الحرب على القطاع البيئي، هو تدمير المؤسسات البحثية المتعلقة بالبيئة، ومنها متحف السودان للتاريخ الطبيعي، وفي هذا الصدد تقول مديرة المتحف سارة عبد الله خضر لـ(عاين): أن “المتحف قد تدمر بنسبة 90% حسب شهود عيان كانوا يحتمون بالمباني المحيطة به، نسبة لوجوده بالقرب من المواقع العسكرية في منتصف نقاط الحرب الساخنة في بدايتها”.
ولفتت خضر، إلى أن المتحف يحتوي على عينات محفوظة منذ القرن التاسع عشر من مختلف الأماكن الجغرافية في السودان وجنوب السودان. وعدد العينات يقدر بالآلاف، كما تم فقدان بيانات المتحف والأعمال البحثية بفقدان أجهزة الحاسوب، إضافة إلى عينات وأجهزة مركز أبحاث الكائنات السامة بجامعة الخرطوم كذلك المستضاف بالمتحف.