حميات مجهولة و أمراض متوطنة.. صحة السودانيين إلى أين؟
5 نوفمبر 2020
بينما يواجه السودان موجة ثانية من كوفيد-19 تزايدت معها وتيرة الإصابات بصورة ملحوظة فإن السودان كذلك يعاني من ظهور أعداد غير مسبوقة من الإصابة بالحميات النزفية في الولاية الشمالية وولاية غرب دارفور مع ارتفاع حالات الإصابة بالملاريا بصورة غير معتادة في مناطق جديدة كولاية شمال دارفور، هذا بالإضافة إلى عودة صادمة لشلل الأطفال بعد 11 عاما من القضاء عليه وسط نظام صحي مستنزف بشكل كبير ويعاني من مشكلات جوهرية حسب خبراء ومختصين.
وباء وضحايا
أسرة كاملة مكونة من 8 أشخاص بالدبة شمالي السودان توفيت جراء حميات وبائية اجتاحت المنطقة هذا ما ينقله لعاين الناشط الإعلامي المقيم بالمنطقة الواثق محمد، وتعتبر هذه الأسرة المنكوبة من ضمن 63 حالة وفاة تم الإعلان عنها رسميا من قبل وزارة الصحة وسط إصابات بلغت 1497 إصابة تأتي معظمها في منطقتي مروي والدبة بالولاية الشمالية. يقول محمد لـ(عاين)، ان حقيقة الأوضاع أسوأ بكثير مما يعلن حيث يقدر عدد الإصابات بما يفوق الـ1000 حالة في الدبة في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات عن 500 حالة كما يرى محمد أن السلطات الصحية تتكتم على الكثير ولا تملكهم المعلومات الحقيقية.
حميات مجهولة
أعلنت السلطات الصحية في الولاية الشمالية حالة الطوارئ الصحية في شهر سبتمبر الماضي إثر ظهور حميات في منطقتي مروي والدبة كما ظهرت حالات لحميات مشابهة في ولاية غرب دارفور، ومن ذلك الحين والسلطات الصحية بالولايتين تكافح بالتعاون مع وزارة الصحة المركزية في مجابهة هذا الوباء،حسب الرواية الرسمية فإن هذه الحميات هي حميات مجهولة دون تصنيف محدد حتى الآن ويقول نائب مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية، د.منتصر عثمان لـ(عاين)، أن عينات أرسلت إلى المعمل المركزي للبت في نوع هذه الحميات.
ويضيف ان هناك حميات عديدة من ضمنها الملاريا في الولاية الشمالية إضافة الى ولاية غرب دارفور ويؤكد عثمان لـ(عاين) أن السلطات الصحية تبذل مجهودات مقدرة في مجالات مكافحة الناقل واصحاح البيئة اضافة الى توفير المعينات الطبية والدوائية اللازمة لعلاج هذه الحميات حيث وقفت إدارته ميدانيا على الأوضاع بالولايتين.
ويعتبر أن الوزارة قادرة على الوفاء بالتزاماته حيال التصدي لهذه الحميات. من جانبه يصرح د.مصعب سراج الدين وهو طبيب يعمل في مستشفى مروي أن هذه الحميات تندرج تحت تصنيف الحميات النزفية وهو مصطلح يشمل أنواع كثيرة من الحميات من ضمنها حمى الوادي المتصدع والحمى القلاعية وحمى الضنك و الشيكونغونيا
ويعتبر سراج الدين، أن السلطات تسميها حميات مجهولة لأسباب سياسية على حد تعبيره. ويضيف سراج الدين هذه الحميات تنتقل من الحيوانات للإنسان عن طريق نوع معين من البعوض وهي لم تكن موجودة من قبل بالولاية الشمالية مما يستدعي تقصيا في أسباب ظهورها حتى يتم الوقاية مستقبلا. ويعتقد سراج الدين أن الاستجابة للوباء من قبل وزارة الصحة لم تكن بالشكل المطلوب نسبة لضعف إمكانيات الولاية الصحية ويوضح: الخدمات الصحية هنا متردية جدا وهناك نقص حاد في الأطباء ومستلزمات الفحوصات والادوية وشح في المحاليل الوريدية كما أن المريض في كثير من المستشفيات يطلب منه جلب سريره معه لعدم كفاية الأسرة بالمستشفيات نسبة لعدد المرضى المتزايد والذي يفوق سعة المستشفيات بمراحل. ويوصي سراج الدين بضرورة تهيئة البيئة الصحية وجعلها جاذبة للأطباء من ناحية مادية إضافة لتأهيل المستشفيات وجعلها مؤهلة لاستقبال مثل هذه الوبائيات المحتملة فكثير من المرضى يموتون بسبب هذه الظروف السيئة لا بسبب المرض نفسه.
“بعد مرور أكثر من عقد على خلو البلاد من شلل الأطفال أعلنت السلطات الصحية في السودان في أغسطس الماضي ظهور حالات لشلل الأطفال في تسع ولايات من ولايات السودان الـ18 مما ينذر بخطر بالغ بعودة انتشار المرض الذي يعتبر إعلان حالة واحدة منه وباء في حد ذاته حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية” |
عودة شلل الأطفال
بعد مرور أكثر من عقد على خلو البلاد من شلل الأطفال أعلنت السلطات الصحية في السودان في أغسطس الماضي ظهور حالات لشلل الأطفال في تسع ولايات من ولايات السودان الـ18 مما ينذر بخطر بالغ بعودة انتشار المرض الذي يعتبر إعلان حالة واحدة منه وباء في حد ذاته حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.
تقول د.سارة الملك مديرة إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة الاتحادية لـ(عاين)، أن شلل الأطفال عاد إلى السودان رسميا عبر حالات عابرة للحدود من دول الجوار وقد رصدت أكثر من 13 حالة من بينها حالة في الخرطوم و تقول الملك أن وزارة الصحة قد استنفرت كل طاقاتها لمحاصرة المرض الخطير حتى لا يعود مهددا لصحة الأطفال في السودان وتعتبر الملك أن السلطات الصحية في السودان لديها القدرة على السيطرة على المرض وهي بصدد تدشين حملة كبيرة للتحصين بالتعاون مع اليونسيف لتحصين أكثر من 9 مليون طفل في الفئة العمرية أقل من 5 سنوات في كل ولايات السودان وسوف تبدأ الحملة في السادس عشر من شهر نوفمبر الجاري.
من جانبه يقول د.محمد قرشي وهو طبيب وناشط في الصحة العامة لـ(عاين) أن عودة شلل الأطفال في السودان مؤشر خطير على تدهور الأوضاع الصحية في البلاد ويعتقد قرشي أن الحدود السودانية البرية التي عاد عبرها المرض لابد أن تبتكر فيها وسائل لمنع دخول المرضى أصحاب الأمراض الوبائية ورغم تأسفه من عودة المرض بعد أكثر من عشرة سنوات على إعلان خلو البلاد منه إلا أن قرشي يؤمن بأن السلطات الصحية لديها خبرات متراكمة في مواجهة شلل الأطفال والذي يعتبر التحصين هو أهم طرق الوقاية منه.
استراتيجية صحية
حول الأسباب والحلول استنطقت عاين الناشط في التخطيط الاستراتيجي الصحي د.محمد نقد الله الذي يعتبر أن كل ما تعانيه البلاد من اشتباهات حمى نزفية في الشمال والغرب وحالات مهاجرة عبر الحدود لشلل الأطفال إضافة إلى الملاريا الموجودة بالوسط وتهديدات الكوليرا والليشمانيا التي تعقب الخريف ما هي إلا أمراض مستوطنة كان لا يعلن عنها رسميا ويعتم عليها إعلاميا حسب تعبيره، ويرى نقد الله أن أسباب هشاشة الأوضاع الصحية في السودان والتي تساهم في انتشار هذه الأمراض هي عدم وجود خطة إستراتيجية صحية تعتمد النمط الوقائي وليس العلاجي والذي يعتبره سائدا وموروثا في السودان. كما يعتبر أن التوزيع غير العادل للأطباء والمختصين والخدمات الطبية بين الولايات السودانية يجعل بعضها أكثر هشاشة وعرضة للوبائيات. ويضيف نقد أن السلطات الصحية تستثمر في الطوارئ الصحية بصورة خاطئة حيث أنها تكافح الأمراض حين حدوثها في حين أن الاستثمار في الإنفاق على برامج الصحة العامة وتعزيز الصحة ومكافحة النواقل و الأمراض والوقاية منها سيكون أقل تكلفة وأكثر فائدة.