حرب “كورونا” بمخيمات دارفور.. مواجهة غير متكافئة
عاين –29 أبريل 2020م
“نحن لانستطيع ان نعمل شيئاً وننتظر مصيرنا”، هذا ما تقوله النازحة بمخيم سكلي للنازحين غرب مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، أم اخيان عيسى، وهي تتحدث عن حالة اليأس التي تصيبها وآلاف النازحين قاطني المخيم في مواجهة وباء كورونا والمخاوف المتصاعدة من انتشار المرض في مخيمات النزوح بعد إعلان السلطات الصحية في البلاد الأيام الماضية عن اصابتين في ولاتي وسط وشرق دارفور.
وبدا مستحيلاً لـ “أم اخيان” الالتزام بالاجراءات الصحية المفروضة من قبل السلطات لمواجهة المرض، وتقول لـ (عاين)، ” كفيرى من سكان المخيم لن استطع البقاء في المنزل دون التحرك لجلب الماء او الحطب رغم الأخبار التي تصلنا بان الوباء يطرق أبواب الولاية وسط تصاعد المخاوف من الانتشار الذي تتوفر كل اسبابه من واقع التواصل الاجتماعي والتجمعات السكانية المستمرة في المخيم”.
فيما بدت مخيمات النازحين في ولاية شمال دارفور، عاجزة عن الصمود في وجه فيروس كورونا المستجد حال تفشيه، لاسيما وان جميع المخيمات مازالت تفتقر إلى المرافق الطبية والبنى التحتية، وجميع الخدمات ما يجعل انتشار الفيروس واقعا حتمياً قد يؤدي لاصابة الكثير من النازحين . ويعاني الاقليم الذي شهد حرباً اهلية استمرت لاكثر من (١٦) عاما من هشاشة في النظام الصحي بعد أن تحولت أطراف المدن الي مخيمات نزوح مكتظة بالنازحين، الأمر الذي عزز من مخاوف السلطات و قيادات النازحين من وقوع كارثة صحية حال وصول الفيروس المخيمات.
أولويات
وبالرغم من خطورة الوضع، يبدو أن للنازحين أولويات تفوق تحسبهم لكورونا، وهذا ما أكده احد شباب النازحين وعضو تنسيقية مخيم ابوشوك للنازحين شمالي الفاشر، عثمان آدم خميس انهم وبالرغم من تخوفهم الا أن الجميع باتوا يهتمون فقط لمعاشهم وكيفية الحصول على الماء والغذاء.
ويقول خميس، لـ(عاين)، ان “السلطات الصحية بالولاية لم تخصص مركزاً للعزل بالمخيم بل المركز الوحيد الذي يقع جنوب الفاشر هو مركز لكل المدينة ومخيماتها”. واضاف عثمان، ” ان الوضع بالمخيم لا يختلف كثيرا عن المدينة من حيث السلوك والتجمعات لكن المخيمات وضعها اكثر خطورة من واقع الاكتظاظ السكاني بالمخيمات والعشوائية في توزيع المساكن وهذا ما يساعد العدوي في الانتشار “.
صعوبة غسل الأيدي
على الرغم من اتباع عدد كبير من النازحين في مخيم طويلة غرب الفاشر، الارشادات الصحية لمواجهة “كورونا”، إلا ان القيادي الاهلي في المخيم موسى مختار، يرى ان هناك صعوبة في تطبيق عمليات الوقاية الصحيحة، ويقول موسي لـ(عاين)، “مكافحة كورونا بالمخيمات فيها صعوبة لا سيما حتى في عملية غسل الأيدي.. المياه والحصول عليها فيه متاعب كثيرة ناهيك عن المعقمات الطبية والكمامات وغيرها من أدوات الوقاية “.الصعوبات الحياتية في مخيمات النازحين لم تمنع الكثيرين من تحسس مخاطر فيروس كورونا، إذ يقول “علي آدم”، من مخيم زمزم لـ”عاين”، إنه “يتابع الأخبار يومياً حول الفيروس المستجد”، قبل ان يقول انه متوجساً في الوقت نفسه من وصوله إلى مخيمات النزوح. ويوضح مخاوفه قائلاً إن: “الدول الكبيرة عاجزة عن التصدي لهذا الوباء بكل ما لديها من إمكانيات، فماذا نقول نحن المقيمين في هذه المخيمات؟”. ويستدرك “علي” قائلاً “لكني قرأت العديد من الأخبار حول طرق الوقاية من المرض والمقالات العلمية بخصوصه، وأتابع المستجدات والآراء حوله”، مضيفاً “المرض لن يأتينا إلا من مصدر خارجي وهذا لن نسلم من في الوقت الحالي، لأن هنالك من يأتي للمخيمات قادما من المركز برغم قرار حكومة الولاية بقفل الحدود.
معابر مفتوحة
مع استمرار فتح المعابر والتهريب رغم قرارات الإغلاق، لا يستبعد مدير عام وزارة الصحة بشمال دارفور، سليمان آدم ادريس، من انتشار المرض في الولاية والمخيمات ويقول لـ(عاين)، “كل ما نقوم به في المخيمات حملات توعية لكن استمرار فتح المعابر مع الولاية يجعل من إمكانية وصول أحد المصابين عبرها إلى المنطقة أمر وارد وغير مستبعد أبداً لان المركز- يقصد الحكومة المركزية بالخرطوم- لم يضبط المسافرين الذين يخرجون من هناك”.
وقال ادريس، مركز العزل الرئيسي جنوبي الفاشر هو مركز عام للنازحين والمقيمين على حد سواء في حالة وجود حالة اشتباه. وفي خضم ذلك، تطالب فرعية لجنة الاطباء بشمال دارفور، السلطات بالولاية بإغلاق المعابر بشكل كامل، وذلك بالتزامن مع ورود أنباء عن انتشار حالات إصابة في ولايات اخرى كما طالب بالإسراع بتوفير المستلزمات ومعدات الحماية والوقاية الشخصية للكوادر الطبية.
تدهور خدمي
في ولاية جنوب دارفور، يستشعر سكان المخيمات خطر تفشي المرض، وتأتي مخاوف النازحين من انتشار الفيروس بالمخيمات لجهة أنها تعاني من ضعف كبير في النظام الصحي الى جانب الكثافة العالية للنازحين في ظل تدهور الاوضاع المعيشية الناتجة عن اجراءات الطوارئ علاوة على تخلي عدد كبير من المنظمات الانسانية عن ادارة المراكز الصحية بالمخيمات. ويقول المعاون الصحي، مستور عبدالله، بمركز طبي مخيم دريج للنازحين، ان فرص الاصابة بفيروس كورونا تكاد تكون موجود بشكل كبير لجهة ان المخيمات مفتوحة بشكل طبيعي مع المدن وخاصة الأسواق التي يختلط بها السكان المحليين والنازحين رغم اجراءات الحظر المفروضة بالولاية.
ويضيف لـ(عاين)، “لا يوجد اي تدخل او اقامة حجر صحي داخل المخيمات وانهم يعملون بشكل روتيني واي حالة مشتبهة يتم تحويلها مركز العزل بمستشفى نيالا”. فيما يقول احد القيادات الاهلية بمخيم عطاش للنازحين بمدينة نيالا البشر الناقي، ان “موقف المخيمات من انتشار كورونا في قمة الخطورة لأن عدد كبير من المراكز الصحية توقفت عن العمل بعد انسحاب جزء كبير من المنظمات المخدمة”، وأشار الى انهم يعتمدون على العلاج داخل مدينة نيالا، ويحذر الناقي في مقابلة مع (عاين) من خطورة الاكتظاظ بالمخيمات، ويقول، “مساكن النازحين متداخلة مع بعضها وفي مساحة لا تتجاوز ٢٠ او ١٠متر مربع للاسرة الامر الذي ينذر بحدوث كارثة انسانية حال وصول الفيروس مخيمات النزوح”.
غياب الوزارة
ويشكو القيادي الاهلي، من عدم وجود فعلي لوزارة الصحة بالمخيم، كما انه لا توجد حتى جهود شعبية لتوفير مركز عزل صحي. وهذا ما يقر به مدير عام وزارة الصحة بولاية جنوب دارفور محمد ادريس، ويقول، “لا يوجد اي مركز عزل بالمخيمات وانهم يعتمدون على مركز عزل واحد داخل مستشفى نيالا التعليمي”. وقال ادريس لـ(عاين)، “حاولنا انشاء مراكز عزل في مستشفيات طرفية بمخيم دريج شمال المدينة الا ان المواطنين والنازحين رفضوا اقامة مركز عزل جوار المعسكر”. واضاف ادريس، ان “مدينة نيالا محاطة بالمخيمات المكتظة بالنازحين ما يشكل ضغطا على المستشفيات بالمدينة”. وبالرغم من شح الموارد وهشاشة الإمكانات الصحية، الا ان ادريس، توقع تجاوز الازمة اذا التزم المواطنين بإرشادات وزارة الصحة فيما يتعلق بالحجر المنزلي وتجنب التجمعات.