الفاشر.. آخر المدن الآمنة بدارفور تحت نيران حرب السودان

عاين- 18 أبريل 2024

في تحول جديد في القتال المحتدم لأكثر من عام في السودان، دخلت ولاية شمال دارفور غربي البلاد دائرة الاهتمام، وشهدت أول مرة مواجهات مباشرة بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة السبت الماضي بعد أن تخلت كبرى الحركات المسلحة عن الحياد، وقررت خوض الحرب إلى جانب الجيش .

وفي عشية دخول الحرب عامها الثاني تزايدت وتيرة القتال حول مدينة “الفاشر” العاصمة التاريخية لإقليم دارفور،  في أعقاب قلق دولي على مصير المدينة التي تعد تضم أعداداً كبيرة من النازحين، ومركزاً رئيسياً لاستقبال وتوزيع المساعدات الإنسانية.

حالة انقسام

وتأتي المواجهات الجديدة في دارفور في ظل انقسام حاد بين الحركات المسلحة الموجودة في الولاية، والذي بلغ ذروته “الخميس” الماضي حيث أعلنت ثلاث حركات تتبع لكل من مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومصطفى تمبور في احتفال رسمي عن تخلي قواتها الموجودة في القوة المشتركة عن مبدأ الحياد وخوض القتال نتيجة ما وصفوه باستفزازات الدعم السريع.

وبالمقابل، حذرت مجموعتان يقودهما عضوا مجلس السيادة المقالين الهادي إدريس والطاهر حجر من خطورة الخطوة، وقالتا إنها ستقود الإقليم إلى حرب أهلية شاملة، لكنهما تعهدا بالاستمرار في حماية المدنيين والسعي لتقليل تداعيات التطورات.

هجوم محتمل

من جهتها نقلت قيادات ميدانية بحركة جيش تحرير السودان- قيادة مناوي لـ(عاين)، إن قوات الدعم السريع تخطط لشن هجوم واسع للسيطرة على مدينة الفاشر، وذلك بالتنسيق مع حركات مسلحة موالية للدعم السريع، وأشارت إلى حصولهم على معلومات تؤكده عملية حشد مليشيات أهلية لنهب وتخريب المدينة.

ويقول مراسل لـ(عاين) من دارفور، أن “منذ ثلاثة أيام هناك حركة مستمرة للمركبات القتالية للدعم السريع في حركة عودة من الولايات الشرقية في اتجاه ولايات دارفور”. وهذا يتطابق مع ما نقلته المصادرة العسكرية بالحركات المسلحة.

وفي نوفمبر من العام الماضي، حشدت قوات الدعم السريع مسلحيها للهجوم على مدنية الفاشر، لكنها تراجعت وفقاً لتفاهمات مع قادة الحركات المسلحة التي كانت تقف على الحياد، حسبما ذكر قائد ثاني قوات الدعم السريع، “عبد الرحيم دقلو”  وقتها.

ولأول مرة في مدينة الفاشر قامت الحركات المسلحة بتشكيل محطات دفاعية وارتكازات للمقاومة الشعبية في المدينة لتعبئة المواطنين للدفاع عن مدينتهم. وتفقدت قيادات رفيعة من القوات المشتركة الأربعاء، ارتكازات المقاومة في مخيم “نيفاشا” والفاشر شرق والفاشر جنوب وارتكازات مخيم زمزم للنازحين.

وأكد عضو هيئة القيادة والسيطرة بالقوات المشتركة اللواء إبراهيم بهلول، خلال مخاطبته المستنفرين، التزامهم بتوفير التسليح العتاد الحربي. ودعا “المواطنون القادرين على حمل السلاح والقتال بتجهيز أنفسهم للدفاع عن العرض والمال والأرض”.

وعلى مدى ستة أشهر تعيش ولاية شمال دارفور وضعاً استثنائياًً لجهة أنها الولاية الوحيدة بالإقليم ظلت خارج سيطرة قوات الدعم السريع، لكن تطورات تحرك الدعم السريع الجديدة كان متوقعاً في ظل رفض قيادة الجيش جهود وقف القتال، وتمكنها من كسب دعم أكبر الحركات المسلحة في القتال إلى جانبها، مما فتح الباب واسعاً لدخول المنطقة دائرة الحرب.

ويقول عضو لجنة طوارئ ولاية شمال دارفور، محمد أبكر لـ(عاين) إن ” منذ الأسبوع الماضي تدور مواجهات عنيفة حول مدينة الفاشر بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه ضد قوات الدعم السريع من جهة، والجيش والحركات ضد الحركات المتمسكة بموقف الحياد من جهة أخرى، مخلفةً قتلى وجرحى وسط المدنيين داخل مدينة الفاشر.

عنف أهلي

وتزامن مع ذلك، أعمال عنف ذات طابع أهلي شنتها مليشيات موالية للدعم السريع على قرى ريفي غرب الفاشر التي تنحدر من منها عناصر الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، مما أسفر عن سقوط نحو (14) قتيلا بجانب (44) جريحاً علاوة على حرق (9) بلدات غرب الفاشر- بحسب لجنة الطوارئ.

بالإضافة إلى ذلك شن طيران الجيش غارات جوية مكثفة هي الأولى من نوعها على المدينة والمحليات التي يوجَد فيها الدعم السريع ما أدى إلى موجة نزوح واسعة.

وفي الأسبوع الأول من اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل من العام الماضي، سارعت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام “جوبا” لإعلان موقف الحياد في الحرب. وشكلت قوة مشتركة لحماية المواطنين، وتوفير الأمن وحماية القوافل الإنسانية والتجارية برئاسة مني أركو مناوي رئيس أكبر فصيل مسلح في الإقليم وكونه يشغل منصب حاكم إقليم دارفور الذي حصل عليه بموجب محاصصة سياسية تنفيذا لاتفاق السلام الموقع في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان في 2020.

عسكريون من القوات المشتركة في مدينة الفاشر- 17 أبريل 2024- الصورة: صفحة القوات المشتركة

وتضم القوة المشتركة، حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل وزير المالية الحالي، وحركة المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، بجانب تجمع حركات التحرير بقيادة الطاهر حجر، والأخيران هما عضوان في مجلس السيادة، وجرى فصلهما من المجلس بقرار من رئيسه عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، بعد أن أصرا على موقف الحياد.

وميدانيا، قالت قوات الدعم السريع على حسابها في منصة (X) تويتر سابقاً  الاثنين الماضي إنها بسطت سيطرتها الكاملة على محلية “مليط” أكبر  وأهم معبر  تجاري بشمال دارفور، وتمكنت من استلام (46) مركبة عسكرية بكامل عتادها، والاستيلاء على معسكرات حركات جبريل ومناوي وتمبور التي كانت تؤمن المنطقة، في وقت لم تصدر الحركات الثلاث، أو من الناطق باسم الجيش السوداني تعليقا على بيان قوات الدعم السريع

سيناريوهات متوقعة

يرى الخبير العسكري، علي محمد إيدام، أن القتال الدائر  في شمال دارفور يتجه نحو الصراع الإثني، لاسيما بعد دخول الحركات المسلحة الصراع إلى جانب المؤسسة العسكرية ما وضع المكونات الإثنية التي تنتمي إليها هذه الحركات في مواجهة مع المكونات العربية التي تساند الدعم السريع في الحرب الجارية، وأن ما يجري من أعمال عنف في ريفي غرب الفاشر يعزز فرضية احتمال العنف الأهلي الشامل من أي وقت مضى.


سودانيات لاجئات من معارك الجنينة بمنطقة أدري التشادية- عاين يونيو 2023

وتوقع إيدام في مقابلة مع (عاين)، أن العامل الاجتماعي سيكون الأكثر تأثيرا على مسار الحرب الجارية خاصة في دارفور، لجهة أن طبيعة تكوين الحركات المسلحة الاجتماعية في دارفور أشبه بالتكوين الإثني، وتمثل شمال دارفور حاضنة اجتماعية وسياسية مهمة للحركات المسلحة التي من المتوقع أنها تقاتل للدفاع عنها لكونها آخر معقل وجودي بالنسبة للحركات المسلحة، وحال سقوطها في يد الدعم السريع ستكون الحركات خارج المعادلة السياسية خاصة التي تقاتل إلى جانب الجيش.

نقطة تحول

بدوه يقول المحلل السياسي، حسن محمود عمر، إن المعارك التي تدور بصورة متسارعة حول الفاشر قد تشكل نقطة تحول في الصراع الدائر في السودان، فإذا نجحت قوات الدعم السريع في السيطرة على الولاية هذا يعني نهاية الحركات المسلحة الداعمة للجيش، وفي حال العكس، فإن ذلك قد يقود إلى انهيار قوات الدعم السريع في باقي الولايات الأخرى.

وبالتوازي مع ذلك يتوقع محمود في مقابلة مع (عاين)، أن تسعى قوات الدعم السريع للتحالف العسكري والسياسي مع الحركات المسلحة التي تلتزم بموقف الحياد للسيطرة على الولاية لإبعاد الجيش والحركات الموالية، حتى يكون الإقليم تحت سيطرة الدعم السريع بصورة كاملة.