ثلاثة أيام من عنف الفاشر.. مدينة خالية وما بقي يواجه الموت

عاين– 29 أكتوبر 2025

جثامين على قارعة الطريق، ولا هواء يُستنشق غير رائحة الدماء التي روت جنبات المدينة، تلك هي صورة المشهد في الفاشر بعد مضي ثلاثة أيام من العنف، ينقلها بأسى الذين كُتبت لهم النجاة، ووصلوا إلى محلية طويلة في ولاية شمال دارفور الخاضعة إلى سيطرة حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور.

وأصبحت الفاشر خالية تماماً بعدما فر سكانها بشكل جماعي، وأحكمت قوات الدعم السريع قبضتها عليها بالكامل، مع الاستمرار في تصفية من تبقى عالقاً في المباني والمستشفيات، وفق ما وثقته كاميرات هواتف المسلحين.

ونشر مسلحو قوات الدعم السريع مقطع فيديو اليوم الأربعاء، يُظهرهم وهم يطلقون الرصاص الحي على رجل مسن داخل مبنى في مدينة الفاشر، ومن حوله عشرات الجثامين، قالوا إنهم قتلوهم جميعاً. وتعرف سكان من الفاشر تحدث معهم مراسل (عاين) على المبنى المذكور، وقالوا إنه مستشفى السلاح الطبي من خلال السلالم، فهو يتكون من طوابق، وكان يضم جرحى ومرضى من العسكريين والمدنيين.

وقالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر في تعميم صحفي، إن قوات الدعم السريع، قامت بتصفية جميع الجرحى والمصابين داخل المستشفى السعودي وعنابر درجة أولى والجامعة والداخلية بطريقة بشعة، قُتلوا وهم بين الحياة والموت في زمن لم يعد فيه للإنسانية مكان، حسب وصفها.

وأضافت: “لم يتبق للجرحى فرصة للنجاة أولئك الذين كانوا ينتظرون يداً تمتد إليهم غابت عنهم الرحمة قبل أن يصل إليهم الدواء، والمستشفيات سقطت في صمت مرعب لا يُسمع فيه سوى أنين انقطع فجأة”.

جَمالَةٌ” يجوبون بالفاشر

وأظهرت مقاطع فيديو، مسلحين على ظهور جمال يجوبون شوارع مدينة الفاشر، في مشاهد أعادت للأذهان حرب دارفور الأولى التي اندلعت في 2003 بين الجيش الحكومي والحركات المسلحة، حيث كانت “مليشيا الجنجويد” التي كونها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، تجتاح القرى والمناطق المدنية، وهي تمطي الخيول والجمال، ومن على ظهورها ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

تلك المشاهد، أثارت المخاوف من أن الانتهاكات في الفاشر أكبر من الذي وثقته كاميرات مسلحي قوات الدعم السريع. وقالت القوة المشتركة للحركات المسلحة في بيان صحفي، إن عدد القتلى من المدنيين في الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع عليها، تجاوز الـ2000 قتيل.

مسلحون على ظهور الجمال يجوبون الفاشر- الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

وقالت صحفية من الفاشر تقيم خارجها لـ(عاين): إن “القتل كان بشكل جماعي في الفاشر، وصل البعض إلى طويلة، وهناك مئات المفقودين، ربما ماتوا جميعاً أو محتجزين، لا يوجد أي أحد يعيش في الفاشر غير مسلحي قوات الدعم السريع”.

وبحسب الصحفية التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن مجموعة مسلحة من القوة المشتركة كانت تقاوم في حي درجة أولى حتى يوم أمس الأول الاثنين، وتمكنت من تأمين انسحاب قيادات الجيش والقوة المشتركة والتي وصلت إلى كرنوي، لكن المجموعة المتبقية ربما أبيت جميعها، فلا وجود أثر إطلاق نار حالي في المدينة”.

ويوم الأحد الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش في الفاشر بولاية شمال دارفور؛ وذلك بعد معارك وحصار دام أكثر من 16 شهراً، وهي آخر معاقل الجيش في الإقليم.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان الثلاثاء، إن “ما يُقدر بنحو 26 الف شخص غادروا الفاشر في الأيام الأخيرة، واضطر المدنيون للفرار من القتال وهم في حالة من الرعب، متنقلين ما بين نقاط التفتيش المسلحة، ومعرضين للابتزاز، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، والنهب، والمضايقة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان”.

إدانات متواصلة

وتواصلت الإدانات المحلية والدولية للانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش في منشور على صفحتها الرسمية بفيس بوك الثلاثاء؛ إن وابلاً من الفيديوهات تُظهر قوات الدعم السريع في السودان وهي تنفذ إعدامات ميدانية، وتهاجم مدنيين مفترضين كانوا يفرون من الفاشر، بعد استيلائه على المدينة، داعية إلى تحرك دولي عاجل لحماية المدنيين.

وقال باحث السودان في هيومان رايتس ووتش، محمد عثمان وفق المنشور إن “صور المدنيين المستهدفين، بمن فيهم الفارون من الفاشر، تظهر حقيقة رهيبة: تشعر قوات الدعم السريع وكأنها حرة في ارتكاب الفظائع بدون عواقب تُذكر. على العالم التحرك لحماية المدنيين من المزيد من الجرائم الشنيعة”.

واليوم الأربعاء، قال الاتحاد الأوروبي في بيان صحفي إن “استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، يُمثل نقطة تحول خطيرة في الحرب، ويُهدد بتفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً. ويُبرز استهداف المدنيين على أساس عرقي وحشية قوات الدعم السريع”، داعياً جميع الأطراف المتحاربة في البلاد إلى التهدئة، والعودة إلى طاولة التفاوض.

وكان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أعلن تلقيه تقارير متعددة ومثيرة للقلق تفيد بأن قوات الدعم السريع ترتكب فظائع، بما في ذلك إعدامات بإجراءات موجزة، بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة من مدينة الفاشر المحاصرة، شمال دارفور، ومدينة بارا في ولاية شمال كردفان في الأيام الأخيرة.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *