الفاشر.. مخاوف وتحذيرات ما قبل المواجهة
عاين- 25 أبريل 2024
لا تزال المخاوف وحالة التوتر تحاصر سكان مدينة “الفاشر” غربي السودان؛ بسبب تهديدات قوات الدعم السريع المستمرة بالهجوم على المدينة الوحيدة التي ظلت خارج سيطرة هذه القوات، بعد أن تمكنت من السيطرة على أربع قواعد عسكرية في مدن “الجنينة، نيالا، زالنجي والضعين “.
ومنذ مطلع أبريل الجاري تفرض قوات الدعم السريع حصاراً على المدينة من خلال التحكم على الطرق والمداخل الرئيسية، وجاء ذلك في أعقاب إعلان أكبر الحركات المسلحة بدارفور التخلي عن مبدأ الحياد ومساندة الجيش في قتاله المستمر ضد قوات الدعم الـسريع لأكثر من عام.
مدينة استراتيجية
وتُعد مدينة “الفاشر” إحدى أقدم مدن دارفور، وأهمها، وأدت دوراً مهماً في صنع القرار السياسي، كما تمثل المقر الرئيسي للحركات المسلحة من دارفور وعاصمة تاريخية لحكومات الإقليم على مدى العصور الماضية.
ويتجاوز عدد سكان مدينة “الفاشر” مليون نسمة، إضافة إلى نحو نصف مليون من النازحين؛ بسبب حرب دارفور 2003 مقيمين في مخيمات أبوجا، وزمزم، أبوشوك ونيفاشا، إلى جانب مئات الآلاف من النازحين الجدد الذين فروا إليها من القرى والمدن المجاورة على رأسها نيالا والجنينة وزالنجي وكتم وكبكابية وحتى الخرطوم جراء القتال الجاري.
علاوة على وجود نحو (45) ألف نازح من النازحين الجدد يعيشون ظروفاً إنسانية قاسية نتيجة للهجمات المسلحة التي شنتها مليشيات موالية لقوات الدعم السريع على قرى ريف غرب الفاشر منتصف أبريل الجاري- وفقاً لمفوضية العون الإنساني بالولاية.
وكان مسؤولون كبار في الأمم المتحدة حذروا “الجمعة”، من أن نحو (800) ألف شخص في مدينة الفاشر السودانية معرضون “لخطر شديد ومباشر”، في ظل تفاقم أعمال العنف والتهديد “بإطلاق العنان لصراع قبلي دموي في جميع أنحاء دارفور”.
واقتصادياً تُعتبر مدينة “الفاشر” إحدى أقدم المدن في إقليم دارفور التي تتمتع بتجارة الحدود، نسبة لموقعها الجغرافي الحيوي، وتربط الإقليم بدول ليبيا وتشاد علاوة تواصلها مع دولة مصر عبر شمال السودان الذي زاد أهميتها بعد اندلاع الحرب الجارية.
وتعتبر الحركات المسلحة في دارفور مدينة “الفاشر” عاصمة تاريخية للإقليم وحاضنة اجتماعية رئيسية ومركزاً اقتصاديا للمكونات غير العربية التي حملت السلاح نحو عشرين عاماً ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأنه في حال سيطرة الدعم السريع على هذه المدينة ستفقد الحركات قواعدها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الإقليم.
ويأتي الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على الطرق ومداخل المدينة نتيجة لردة فعل لتصريحات “مني أركو مناوي” رئيس حركة تحرير وحاكم إقليم دارفور الشهر الماضي بفتح ممر إنساني من الولاية الشمالية إلى مدينة الفاشر لنقل مواد الإغاثة، الأمر الذي قابلته قوات الدعم السريع بالرفض متهمة بالتخطيط بنقل إمداد عسكري لقوات الجيش التي تسعى لتسليح المدنيين.
خارطة عسكرية
وتزامناً مع إجراءات الدعم السريع التصعيدية أكد مصدر عسكري في حركة تحرير السودان “قيادة مناوي” أن القوة المشتركة للحركات المسلحة حشدت قواتها، وفرضت إجراءات أمنية مشددة داخل المدينة، بالتوازي مع تنظيم مقاومة شعبية لمشاركة المدنيين للدفاع عن المدينة، معلنةً بذلك المواجهات المباشرة مع الدعم السريع
وقال المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ(عاين) إن القيادة المشتركة للحركات المسلحة تركز كل جهودها لحماية المدنيين داخل مدينة الفاشر أولاً ومنع سيطرة الدعم السريع على المدينة، منوها أن هيئة القيادة بحركة تحرير السودان بقيادة مناوي أنهت وجود مكاتبها السياسية والعسكرية في ولايات دارفور الأخرى بصفة مؤقتة.
ويرجح الناشط السياسي المتابع لتطورات الأوضاع في دارفور، علي زكريا، أن تكون النتائج كارثية على المستوى الإنساني والاقتصادي بمدينة الفاشر حال اندلاع مواجهات عسكرية بين الطرفين للسيطرة على المدينة.
وعزا زكريا في مقابلة (عاين) مستوى التعبئة من قبل الحركات المسلحة للمواطنين، بجانب الوجود الكبير والإعداد للحرب من قوات الحركات المسلحة بالمدينة، وأن هذا يدل على أن الحركات المسلحة لن تفرط في مدينة الفاشر؛ مهما كلف الأمر.
وتتشكل قوات حركة مناوي من إحدى المكونات المحلية الكبيرة بشمال دارفور التي تمثل نسبة عالية من سكان مدينة الفاشر؛ مما ينذر بأن تتحول معركة الفاشر لمواجهة أهلية لجهة المجموعات الأهلية التي تساند وتشكل معظم قوام قوات الدعم السريع والمكونات الأهلية الأخرى التي تتشكل منها قوات مناوي والحركات المسلحة المكونة للقوة المشتركة لشمال دارفور.
وطبقاً للخارطة العسكرية، يوجَد عناصر من قوات الدعم السريع في أطراف الأحياء الشرقية والشمالية الشرقية للمدينة، وتشن هجمات متكررة على نقاط الارتكاز شمال وشرق المدينة. في وقت تسلمت قوات الحركات المسلحة زمام مبادرة السيطرة العسكرية على مدينة الفاشر بالتنسيق مع قوات الجيش التي توفر الغطاء الجوي لقوات الحركات المسلحة على الأرض، وتشهد المدينة هجمات جوية ليلية مكثفة تستهدف تجمعات الدعم السريع شمال وشرق المدينة.
تعميق الأزمة الإنسانية
المدينة تستضيف عشرات الآلاف من النازحين الذين يقيمون في المدارس ودور الإيواء والميادين في الأحياء الجنوبية من المدينة، ما يعد تحدياً كبيراً يواجه المنظمات غير الحكومية والناشطين والمتطوعين، الذين يسعون لتلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص ومساعدهم في تقديم الخدمات الضرورية.
ويقول الأستاذ بمركز دراسات السلام التابع لجامعة نيالا، د. محمد آدم حسن، إن “التطورات التي تشهدها مدينة الفاشر جاءت بعد حالة استقرار شهدتها المدينة طيلة الخمسة أشهر الماضية من عمر الحرب، وأصبحت ملاذا آمنا للنازحين الذين لجؤوا إليها من مختلف المدن، وركزاً مهماً لتوزيع مواد الإغاثة
وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية بالولاية تتجه نحو الكارثة بسبب خطاب الكراهية المنتشر على مستوى عالي وسط المدنيين والعسكريين، قبل أن يدعو قيادات الحركات المسلحة والدعم السريع إلى الاهتمام بالمصلحة العليا للمدنيين والعمل على بناء فرص السلام المجتمعي، مما يتطلب التركيز على حماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.