«فقد ونزوح»..العيد يجدد أحزان السودانيين
28 يونيو 2023
وسط غياب مظاهر الاحتفاء، أطل اليوم الأربعاء أول أيام عيد الأضحى على السودانيين. وغطت حالة الحزن التي تسببت فيها الحرب الدائرة في البلاد مظاهر الاحتفال المعتادة بهذه المناسبة الدينية التي تجمع شتات العائلات في كل عام.
واعتاد آلاف السودانيون مغادرة العاصمة السودانية وقضاء عطلة العيد مع عائلاتهم في الولايات، لكن هذه المرة الأولى التي يغيب فيها معظمهم عن عائلاتهم الممتدة بسبب اندلاع الحرب 15 أبريل 2023 ومغادرة الآلاف مضطرين للجوء إلى خارج البلاد والنزوح الداخلي.
ونقل مراسلون لـ(عاين) في عدد من مدن الولايات غياب مظاهر الاحتفال المعتادة وسط حالة من الحزن والمصائر المجهولة لجهة استمرار الحرب وتواري أي مساع لايقافها.
وبعد أكثر من شهرين للقتال المستمر في السودان، قُتل وجُرح آلاف المدنيين ونزح ما يقرب من مليوني شخص داخليًا في جميع أنحاء البلاد. وفقا لإحصائية حديثة لـ “أوتشا”.
وقالت “أمل عبد الحميد” التي تسكن منطقة فداسي وسط البلاد لـ(عاين)،” يمر هذا العيد حزينا على السودانيين.. حتى اطفالي لم اشعر بانهم سعداء”.
وفي منطقة أدري التشادية والحدودية مع مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، التي استقر بها آلاف الناجين من المعارك العنيفة التي شهدتها المدينة وادت إلى مقتل وجرح الآلاف-بحسب إحصاءات غير رسمية نشرتها منظمات مدنية. اطل العيد حزينا على الفارين إلى البلدة التشادية بعد فقدانهم أفراد من عائلتهم في معارك الجنينة.
ولم يكن العيد في ولاية سنار وسط السودان يختلف كثيراً عن بقية أنحاء هذا البلد الذي يعيش سكانه تحت وطأة الحرب فكانت فرحة مختلطة بمشاعر الحزن والأسى والتضامن مع متضرري الصراع المسلح.
و ركزت غالبية خُطب صلاة العيد في مدينة سنار بحسب ما رصده مراسل (عاين) على حث قيادتي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف الحرب الدائرة والكف عن دمار السودان وازهاق الأرواح، والنظر الى الحالة المأساوية للمواطنين الذين تقطعت بهم السبل بين نازحين ولاجئين، فضلاً عن آلاف الضحايا من قتلى وجرحى.
وبدت حالة من التضامن الواسع من سكان سنار مع الفارين من جحيم القتال في العاصمة الخرطوم الذين استقبلوا عيد الأضحى بدموع الحزن وهم يقضون هذه المناسبة الدينية بعيداً عن منازلهم.
وبحسب حصيلة حديثة لمفوضية العون الإنساني بولاية سنار فإن 158 ألف نزحوا من نيران الحرب في الخرطوم الى ولاية سنار، وهو العدد الذي تمكنوا من تسجيله، بعضهم يقيم مع أقاربه وآخرين في المؤسسات التعليمية والخدمية.
ويقول حسان النعيم – أحد شباب منطقة أبو جيلي شرقي سنار لـ(عاين) “رغم حزننا الكبير على وطننا الذي يتدمر بفضل الحرب، نحاول صناعة جزء من الفرح في هذا اليوم بالتواصل وتبادل التهاني مع الأهل والأصدقاء والتمتع بقدر ما هو متاح لنا من مساحة سعادة”.
“نتضامن بشدة مع أخوتنا الذين تركوا منازلهم مجبرين وجاءونا في سنار، لقد رأيت الدموع تتنزل من عيونهم هذا الصباح في مشاهد قاسية للغاية، سندعو ونتضرع لأجلهم في هذا اليوم. فلن يحلو لنا أي شيء ونحن نرى كل هذه المآسي” يضيف النعيم.
نفس المشاعر يحملها حسن الريح – أحد سكان مدينة سنار فهو يشاطر النازحين حزنهم في يوم العيد، ويقول “يمكنني منحهم كل شيء، سأشاركهم طعام الأضحية وكل ما يدعو للفرح في هذا العيد، ولكن من يعطيهم طعم منازلهم وأحبائهم الذين فقدوهم؟”.
ويضيف الريح الذي تحدث لـ(عاين) “الحرب انتقصت فرحتنا بالعيد، بخلاف مشاهد الخراب والقتل والتشريد، تسببت لنا في ضائقة معيشية بالغة وغلاء فاحش اجبرنا على التخلي عن شراء كثير من مستلزمات العيد المبارك”.
تضامن السكان الواسع، خفف مأساة النازحين في هذا العيد، يقول عصام علي – أحد الفارين من الحرب بالخرطوم لـ(عاين) “لقد خفت احزاننا واوجاعنا بسبب أهلنا في سنار الذين عملوا كل ما بوسعهم لكي ننعم بشيء من السعادة في العيد، فقد قدموا لنا كل أشكال الدعم حتى لا نشعر بأننا غرباء في بلدنا”.
ويضيف: “توزعت اسرتنا بين سنار وولاية النيل الأبيض، بينما لا يزال بعض منا في العاصمة الخرطوم يحرسون منزلنا، لذلك من الصعب أن نجد طعماً للعيد في كل هذه الظروف”.
لم تكن مدينة حلفا الجديدة بولاية كسلا شرق السودان بمعزل عن التأثير المباشر بهذا النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع وهي من أبرز المدن التي استضافت الفارين من الحرب.
في عيد الأضحى كان لافتا في هذه المدينة الواقعة غرب ولاية كسلا على بعد 200 كيلومترا و تضم أكبر مشروع زراعي شرق السودان الإقبال الكبير على صلاة عيد الأضحى في الساحات العامة والمساجد.
سيطر الحزن على الغالبية سيما من تركوا منازلهم وممتلكاتهم وقرروا ترك العاصمة السودانية تحت وطأة القتال الدامي المستمر منذ أكثر من 70 يوما.
في تلك القرى الشمالية بمدينة حلفا الجديدة وصلت عائلة “أحمد فيصل” بعد أن نجت بأعجوبة من مقذوف صاروخي سقط بمنزلهم بحي جبرة جنوب العاصمة السودانية.
يُحمّل “فيصل” مسؤولية القتال الى النظام البائد الذي صنع مليشيا الدعم السريع وقال في مقابلة مع (عاين) إن ما دفعهم إلى النزوح اقتحام الدعم السريع لمنازل الجيران بعد معركة اليرموك قبل أسبوعين الى جانب سقوط مقذوفة بالقرب منهم.
مشاعر الحزن بدت على هذا الرجل الذي لا يعرف متى سيعود الى منزله وهل ستنتهي الأزمة قريبا أم لا يتسائل وهو كمن فقد الأمل في ذلك ويقول إنه لا يشعر بطعم العيد.
يعيش القادمون من العاصمة السودانية الى هذه المدينة التي تواجه تدهورا في الخدمات الأساسية وتعتمد على تحويلات المغتربين من أبناء المنطقة في اقتصادها الى جانب الزراعة “أوضاعا قاسية”.
وأدى تزايد الفارين من الحرب الى ارتفاع إيجارات المنازل وسط مدينة حلفا الجديدة الى 500 ألف جنيه ما يعادل نحو ألف دولار .
مع بدء شعائر صلاة العيد في وقت مبكر من الصباح كانت الطرقات الى مسجد قرية دغيم شمال حلفا الجديدة تكتظ بالأطفال والرجال وحتى النساء هذه المشاهد خففت بعض الشيء من الحزن الذي يسيطر على الجميع هنا بسبب الحرب والوضع الاقتصادي وعدم استجابة الحكومة مطالبات صرف الأجور وذلك منذ منتصف أبريل الماضي.
الحرب التي اندلعت في العاصمة السودانية في 15 أبريل الماضي والتي تدخل شهرها الثالث وضعت خيارات محدودة أمام الفارين من القتال في مدينة حلفا الجديدة وتأثروا بتوقف الدخل المالي للقطاع الخاص وفقدان الأمل في الحصول على أجور القطاع الحكومي.
تقول سمر وهي أم لطفلين لـ(عاين)، إنها جاءت الى صلاة العيد حتى تتمكن من التنفيس عن حزنها العميق بسبب الحرب لا تعلم متى ستنتهي لأن الحياة متوقفة بالنسبة لها ولم تعد تعمل، ولا تدري عما إذا كان أطفالها سيشعرون بطعم العيد.
كما لو أن العيد فرصة لإحياء الذكريات، تعود سمر بذكرياتها الى منزلها بالعاصمة السودانية وهو مكتظ بالزوار يوم العيد من الأهل والأصدقاء خاصة مع عادات السودانيين في مشاركة شعيرة ذبح الاضحية.
الحرب أشعلت الذكريات والأحزان معا وسؤال واحد يطرحه المتضررون منها متى ستتوقف والإجابة بالنسبة للسودانيين غير معروفة خاصة بعد تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في جدة السعودية.