“غلاء وشتات”.. كيف يستقبل السودانيون سادس عيد في الحرب؟
عاين- 4 يونيو 2025
في منزله بحي أمبدة غربي مدينة أمدرمان، يتأهب محمد عبد الدائم لاستقبال العيد للمرة السادسة على التوالي وسط الحرب، ولا يتوقع أن يأتي مختلفاً عن سابقاته، فلم يتمكن من تجهيز أي شيء؛ بسبب الوضع الواقع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه، فهو بلا عمل على مدار عامين، وتتوقف حياته على جهود متطوعي غرف الطوارئ ومساعدات تصله من أقاربه.
وآثر عبد الدائم البقاء طوال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب في منزله بأمدرمان، وكل الأعياد السابقة كانت تمر عليه كأنها يوماً عادي، بينما يحرص الأشخاص العالقون في حيه السكني على عدم تبادل الزيارات والاكتفاء بالمعايدة في صلاة العيد في المسجد فقط، وذلك حتى لا يحرجوا بعضهم البعض؛ لأن البيوت خالية من كل شيء، ولا يوجد فيها ما يُقدم للضيوف، وفق ما يرويه بحزن لـ(عاين).
في الأعياد السابقة كانت معايدتنا بمياه الشرب فقط فلا أحد يمتلك حلوى أو طعاماً حتى يقدمه لضيفه، ونتحاشى تبادل الزيارات حتى لا نحرج بعضنا البعض
مواطن عالق في أمدرمان
يلخص حال المواطن محمد عبد الدائم الواقع السيئ الذى يعيشه السكان العالقين تحت نيران القتال في العاصمة الخرطوم، الذين تتضاعف آلامهم مع حلول المناسبات كالأعياد التي تحل عليهم بلا طعم بعدما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الوفاء بطقوسها ومطلوباتها من ملبوسات وحلويات، وخراف، لجسدوا وجهاً آخر من مآسي الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2025م.
ولم يكن المواطنون السودانيون في مناطق الاضطراب الأخرى بأحسن حالاً، ويمثل الواقع الاقتصادي السيء قاسم مشتركاً في التسبب بهذه المعاناة، التي يعيشها كذلك الذين يعيشون في الولايات الآمنة، حيث يكتوي الجميع بنيران الغلاء خاصة الخراف ومستلزمات عيد الأضحى الأخرى، مما يجعل الفرحة منقوصة.
بلغ متوسط أسعار خراف الأضحية في شرق ووسط السودان، 300 الف جنيه سوداني، وفي إقليمي كردفان ودارفور 150 – 300 الف جنيه سوداني وحوالي 600 ألف جنيه في شمالي البلاد وفق متابعات مراسل (عاين)
وبلغ متوسط أسعار خراف الأضحية في شرق ووسط السودان، 300 الف جنيه سوداني، وفي إقليمي كردفان ودارفور 150 – 300 الف جنيه سوداني وحوالي 600 ألف جنيه في شمال السودان وفق متابعات مراسل (عاين). وتسببت المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في ولايتي غرب وجنوب كردفان، في إعاقة حركة وصول الخراف من مناطق الإنتاج في غرب البلاد إلى شرقها؛ مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعارها.
يوم عادي
يقول المواطن محمد عبد الدائم لـ(عاين) “ليس هناك أي ملامح لاستقبال عيد الأضحى، فما يزال سوق ليبيا أحد أهم مراكز التسوق في منطقتي مغلقاً، كذلك لا أحد يملك المال للشراء، كل الناس هنا يعتمدون على المطابخ المجانية التكايا للحصول على الطعام، ولن يكون هناك عيد هذه المرة أيضاً، وربما يمر كغيره من أيام الأسبوع”.
ويضيف “في كل الأعياد السابقة التي أعقبت اندلاع الحرب، كان معظم السكان يتبادلون مياه الشرب فقط في المعايدة، وما زال هذا الوضع مستمرا، رغم توقف المعارك وأعمال القصف المدفعي بعد سيطرة الجيش على منطقتي، وكل العاصمة السودانية الخرطوم. منازلنا خالية من كل شيء، ونضطر للذهاب مسافات بعيدة لجلب مياه الشرب على ظهورنا والدرداقات”.

ومنذ يناير الماضي، بدأ الصراع المسلح في العاصمة السودانية ينحسر مع التقدم الميداني للجيش، وفي مايو المنصرم أكمل سيطرته على العاصمة الخرطوم، مما مهد عودة بعض المواطنين إلى منازلهم.
ويشير محمد عبد الدائم إلى أن المواطنين الذين عادوا خلال الأيام الماضية، ينصب تركيزهم حاليا في نظافة منازلهم، وتوجيه المبالغ التي بحوزتهم إلى إعادة ترميمها، ويقول “ليس هناك عيد، ولم نسأل حتى عن أسعار الخراف أو أماكن بيعها في منطقتي أمبدة، لأنني لن نستطيع شراءها مهما كان ثمنها. نأمل أن تتوقف الحرب تماماً، وتعود حياتنا إلى طبيعتها، لقد أخذنا نصيبا كبيراً من المعاناة”.
خراف بلا مشتريين
وفي العاصمة المؤقتة بورتسودان، بدت حركة الأسواق عادية، ولا توجد مظاهرات تجهيزات لعيد الأضحى، لكن الميادين العامة امتلأت بالخراف، وسط حركة شراء ضعيفة، مقارنة بالمواسم السابقة. وتأوي هذه المدينة مئات آلاف من النازحين، كما تحتضن أجهزة الحكومة التي يقودها الجيش ومقراً لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
ويقول محمد إبراهيم حسن وهو نازح يقيم في بورتسودان لـ(عاين): “لا أتوقع أن يكون هذا العيد مختلفا عن المرات السابقة، فنحن نعيش تحت نفس الظروف والأوضاع، فما زال الصراع المسلح مستمراً في بلادنا، والأحوال الاقتصادية تذهب كل يوم إلى الوراء، وفي ظل ضعف مصادر الكسب المالي، ينصب اهتمامي في كيفية دفع مبالغ إيجار المنزل الذي أسكنه”.
ويضيف: “سأجتهد قدر المستطاع في سبيل شراء خروف الأضحية، فهو مهم للغاية لفرحة أطفالي، لكن العيد بالنسبة لي بلا طعم، خاصة وأنا بعيد عن منزلي وجيراني على مدار عامين، بينما يتشتت أفراد أسرتي بين المدن السودانية المختلفة، وآخرين خارج البلاد، نتمنى أن نجتمع قريبا في منزلنا الكبير في الخرطوم، ووقتها ستكون كل أيامنا أعياد مثل ما كنا في السابق”.
ويشير إبراهيم إلى وفرة في خراف الأضحية بمدينة بورتسودان، لكن الأسعار مرتفعة للغاية حيث يصل سعر الخروف الكبير إلى مبلغ 900 الف جنيه، والمتوسط من 500 – 700 الف جنيه سوداني، وهي مبالغ طائلة ربما يعجز معظم السكان في المدينة عن الوفاء بها.
ويضيف “ستجتهد معظم الأسر في بورتسودان في شراء خروف الأضحية، والتنازل عن بقية الطقوس الأخرى، مثل الحلويات وشراء الملابس الجديدة، واثاثات منزلية وغيرها. بالنسبة لي، لن نهتم باللبس والأثاث، فهذه المبالغ الأحق بها تغطية تكاليف الإيجار”.
أنعشت العودة الكبيرة للنازحين إلى منازلهم مدينة ود مدني وهناك مظاهر للاحتفاء بالعيد القادم، رغم الوضع الاقتصادي السيء والغلاء الطاحن وتردي الخدمات
مواطن من ود مدني
ومن وادي حلفا شمال السودان، يقول المواطن محمد صالح لـ(عاين): إن “استعدادات عيد الأضحى هذا العام ضعيفة مقارنة بالسنوات الماضية، فقليل من الناس ذهبوا إلى الأسواق لشراء مستلزمات العيد، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي السيئ”.
ويضيف: “تتراوح أسعار الخراف من 300 – 650 الف جنيه، وهي مبالغ كبيرة، لأن معظم السكان هنا يعتمدون في معاشهم على الزراعة، وقد كان الموسم السابق فاشلاً، وهناك أزمة كبيرة في النقود، لذلك الفرحة بالعيد لن تكون مثل السنوات الماضية”.
ماذا عن ود مدني؟
لكن الوضع في ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة مختلف قليل، حيث أسهمت العودة الكبيرة للنازحين إلى منازلهم في إنعاش الحركة في المدينة، مع قرب حلول عيد الأضحى، وذلك بحسب ما نقله حسين الطيب أحد المواطنين العائدين حديثاً إلى المدينة لـ(عاين).
وقال حسين: “رغم وضعي الاقتصادي السيء، إلا أنني أشعر بسعادة كبيرة، وأنا أعيد في منزلي الذي نزحت منه العام الماضي، رغم أن العديد من جيراني وأقاربي لم يعودوا حتى الآن، إلا أنني سأفرح بالعيد في بيتي”.
ويضيف “يعمل الناس حاليا في ترميم الأسواق وإعادة افتتاح المحال التجارية، هناك وفرة كبيرة في الخراف، لكن حركة الشراء ضعيفة، حيث تتراوح أسعارها من 300 إلى 900 الف جنيه، وأتوقع فرحة كبيرة بالعيد في ود مدني رغم الوضع الاقتصادي وعدم استقرار الخدمات مثل الكهرباء ومياه الشرب”.

وتسببت المعارك العسكرية الأخيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في إغلاق أكبر سوقين للماشية في مدينتي النهود والخوي بولاية غرب كردفان، وهما مركزان رئيسان لتجميع خراف الأضحية من منطقة الإنتاج، وشحنها إلى مناطق الاستهلاك في وسط وشرق وشمال السودان، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في أسعار الأضاحي هذا الموسم.
وقال أحمد الهادي وهو تاجر ماشية في غرب كردفان لـ(عاين): إنهم “اضطروا إلى شحن الخراف في سيارات كبيرة من المراعي في غرب كردفان وسلك طرق وعرة بغرض تجنب المسلحين والمواجهات العسكرية بغرض الوصول إلى الأبيض في شمال كردفان، ومدينة الدبة في الولاية الشمالية، وبذلك ارتفعت التكلفة، وانعكس ذلك على أسعار الخراف في شرق وشمال ووسط السودان”.
وأضاف: “تتراوح أسعار الخراف في مناطق الإنتاج في غرب كردفان بين 150 – 400 في الحد الأقصى، لكن تكلفة الترحيل عالية للغاية، ويتعلل أصحاب الشاحنات بارتفاع أسعار الوقود وطول الطريق، مما يزيد أسعار الخراف في شرق البلاد”.
العيد في نيالا
ويؤكد الهادي تأثرهم كثيراً بإغلاق المحاجر الصحية والسوق الرئيسي للماشية في مدينتي الخوي والنهود، لن موسم الأضحية بالنسبة لنا كتجار لم يفشل، ونستطيع جني أرباح بهذه الكيفية، لكن للأسف الشديد سيتحمل المواطن الزيادات في قيمة الترحيل.
وفي مدينة نيالا غربي السودان الخاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع، يستقبل السكان العالقون هناك وهم محاصرون بالتفلتات الأمنية والأوضاع الاقتصادية السيئة، كما اختفت مظاهر التسوق، فالتجول في أسواق المدينة بمبالغ نقدية ربما يقود صاحبها إلى الموت أو الاعتقال بدافع النهب، وفق ما نقله آدم حسن – اسم مستعار لمواطن من نيالا لـ(عاين).
وقال حسن: “ينتشر مسلحو قوات الدعم السريع في الأسواق العامة، يمارسون أعمال النهب. أصبح الذهاب إلى السوق فيه مخاطر كبيرة، كما نعاني أوضاع اقتصادية صعبة وانعدام مصادر الدخل المادي، فلن يكون هناك أي طعم للعيد، خاصة جيراني وبعض أفراد أسرتي نزحوا إلى خارج مدينة نيالا؛ بسبب تردي الأوضاع الأمنية”.
ويشير إلى أن أسعار الخراف في أسواق مدينة نيالا، تتراوح بين 140 – 400 الف جنيه، وهي متوفرة بشكل كبير، لكن معظم السكان لا يملكون هذه المبالغ.