العيد الرابع للسودانيين تحت ركام الحرب والأحزان
عاين- 16 مايو 2024
تغيب ملامح الفرح في السودان بأول أيام عيد الأضحى الذي يصتدف اليوم الأحد، بعد أن تحول هذا البلد إلى سرادق كبير للعزاء؛ بسبب آلة الحرب التي تواصل حصد المدنيين لأكثر من عام، وما تبع ذلك من أحزان.
ولم تكن أحزان الفقد وحدها من سلبت طعم عيد الأضحى، بل تمتد إلى أن 10 ملايين سوداني، ما يعادل ربع سكان البلاد يقضون هذه المناسبة الدينية وهم خارج منازلهم، بعد أن أجبرتهم الحرب على مغادرتها إلى داخل وخارج الحدود، بحسب حصيلة حديثة لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ويتزامن حلول عيد الأضحى مع أزمة اقتصادية طاحنة تجلت في ارتفاع مجمل أسعار السلع الاستهلاكية بما في ذلك خراف الأضحية التي وصلت قيمتها إلى مستويات قياسية، إذ تراوحت بين 350 ألف جنيه إلى 600 ألف في حدها الأقصى، مما يصعب على المتأثرين بالحرب شراؤها، كما تتراجع الحالة الإنسانية بشكل مضطرد، ويوجد 25 مليون سوداني على حافة الجوع.
وفي مدينة أمدرمان غربي العاصمة، استقبل المواطنون عيد الأضحى على وقع أصوات الدانات المدفعية التي أطلقها الجيش باتجاه مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، بينما أقاموا صلاة العيد داخل المساجد خشية المقذوفات المتفجرة التي تستهدف المدينة على نحو عشوائي، والتزاما بتوجيهات السلطات في وقت سابق، وذلك وفق ما نقله المواطن سليمان آدم لـ(عاين).
ويقول آدم: “غالبية سكان أمدرمان لم يتمكنوا من شراء خراف الأضحية بسبب غلاء سعرها، فهم بلا عمل، ولكن نشهد اليوم زيادة كبيرة في روح التكافل، حيث تجمع المواطنين كلهم عند الذين تمكنوا من الذبح، وهي عادة سودانية قديمة، ولكن مُورِسَت بشكل أقوى هذه المرة، كما استطاعت العديد من المطابخ المجانية اقتناء خراف وذبحها وتوزيع لحومها على المواطنين”.
صناعة الفرح
ويضيف: “كل أسباب الحزن موجودة خلال اليوم، ولكن نحن كسودانيين بطبيعتنا، نسعى لصناعة الفرح ولو بالأشياء القليلة، وقد أعطى السلوك التكافلي في أمدرمان طعماً لهذا العيد”.
ووفق سليمان، أقيمت صلاة عيد في مسجدي الشيخ قريب الله والسيد عبد الرحمن في ضاحية أم درمان القديمة لأول مرة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، وذلك بعد استعادة الجيش السيطرة على المنطقة.
ويشكل التجمع في منزل العائلة الكبيرة أحد أهم طقوس عيد الأضحى في السودان، وبناء على ذلك يُسَمَّى بـ”العيد الكبير” الذي يسافر السودانيين كلهم خلاله إلى الولايات لقضائه في بيت الأسر الكبير، لكن هذه المرة تغيب هذه العادات قسرياً نتيجة الاضطرابات الأمنية، كما تتقطع السبل بأهل هذا البلد بين نازحين ولاجئين.
ومن أحد مخيمات النزوح في ولاية كسلا شرقي السودان، يعبر أحمد بابكر عن حزنه الشديد لحلول عيد الأضحى وهو ما يزال بعيداً عن منزله وجيرانه وأصدقاء عمره، الذين لن تكتمل فرحة العيد إلا بالجلوس إلى جانبهم، والاستمتاع سويا بالشواء على الطريقة المحلية، واحتساء “الشربوت” وهو المشروب السوداني المكمل لمائدة عيد الأضحى.
ويقول بابكر في مقابلة مع (عاين) “بالطبع ليس هناك أي طعم لعيد الأضحى، فقد حصلنا على بعض الصدقات والذبائح، ولكن بكل تأكيد لا تعتبر عيداً، فنحن نأمل أن تتوقف الحرب، ونعود إلى منزلي، ومعانقة مجتمعي وأصدقائي مجددا لقضاء الأيام المباركة والأعياد سويا وفق تقاليدنا وعاداتنا التي أحببناها”.
وهذا ثالث عيد يشهده السودانيون وهم تحت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع المستمرة لأكثر من عام، وهم يستعيدون ذكرياتهم الأليمة في مثل هذا اليوم، من داخل منافيهم الإجبارية داخل البلاد وخارجها.
زخم مختلف
وفي مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد التي يتخذها الجيش عاصمة إدارية للبلاد، فإن عيد الأضحى لم يكن بنفس الزخم المعهود قبل اندلاع الحرب، رغم الأمن الذي تتمتع به المدينة، فقد بدت مظاهر الحزن بائنة خاصة وسط النازحين الذي أجبرتهم ظروف القتال على الفرار من منازلهم، وذلك بحسب ما نقله علي إبراهيم أحد سكان المدينة لـ(عاين).
ويقول إبراهيم “أقيمت صلاة العيد في الساحات والميادين العامة كما درجت العادة، وتركزت الخطبة على الأزمة التي تعيشها البلاد، بوصفها بلاء عظيم ينبغي مواجهته بالصبر، مع التذكير بفضل العيد والفداء، وتمت الذبائح من جانب المقتدرين، وانتشر الناس في معايدات طبيعية، لكن المشهد الكلي يتخلله حزن كبير”.
وفي مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في العاصمة خاصة أمبدة غربي أمدرمان وجنوب الخرطوم وشرق النيل، واجه السكان العالقون هناك صعوبات في الوصول إلى أسواق الخراف، والتي بدورها عانت شح في المعروض مع غلاء طاحن في أسعارها، وذلك بسبب تدهور الوضع الأمني وزيادة أعمال النهب تحت تهديد السلاح.
وقال شاهد لـ(عاين) إن مناطق جنوب الخرطوم شهدت عزوفاً وسط التجار عن شراء المواشي الخاصة بالأضحية، وذلك نتيجة لعمليات النهب المتكرر للمواشي من قبل مسلحي قوات الدعم السريع.
وأضاف الشاهد “قام مسلحو الدعم السريع بجلب سيارات “دفارات” محملة بالخراف وعرضوها للبيع، لكن التجار رفضوا شراءها خشية من أن يأتوا وينهبونها منهم مجدداً، حيث تكثر أعمال النهب تحت تهديد السلاح في المنطقة”.
الفاشر تحت القصف
وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور استقبل السكان عيد الأضحى وهم تحت وابل من الرصاص والقصف المدفعي المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولم يتمكنوا من أداء صلاة العيد في الميادين والساحات العامة مثلما كانوا يفعلونه في الأعياد السابقة، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في المدينة، بحسب ما نقله شهود لـ(عاين).
بينما قضى آخرون من مواطني الفاشر هذا العيد وهم في طريق النزوح نحو محلية طويلة بولاية شمال دارفور، ومخيم أدري شرقي دولة تشاد، هربا من جحيم القتال المحتدم بالمدينة، ويعانون أوضاع إنسانية قاسية ربما أنستهم أن اليوم عيد.
ولأكثر من شهر تعيش الفاشر تحت وطأة قتال ضاري بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، وقوات الدعم السريع التي نفرض حصارا شاملا على عاصمة شمال دارفور، وتسعى للسيطرة على آخر معاقل القوات المسلحة في إقليم دارفور.