تحركات مصرية في ملف السودان.. ماهو هدفها؟
عاين- 4 يونيو 2024
بدأت مصر مؤخراً تحركات في الملف السوداني من منصة عدة مخاوف أبرزها توسع النفوذ الإثيوبي في المنطقة إلى جانب ابتدارها لعملية سياسية داعمة لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي لديه تحالفاً وثيقاً مع نظام عبد الفتاح السيسي.
نهاية مايو الماضي، وبالتزامن مع ختام مؤتمر تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” في أديس أبابا أعلنت الخارجية المصرية تنظيم مؤتمر للقوى السياسية السودانية في القاهرة وبدأت في توزيع الدعوات إلى القوى السياسية السودانية بما فيها “تقدم”.
وترتب القاهرة لتوجيه دعوة لقوى الحرية والتغيير “الكتلة الديمقراطية” التي تضم حركات مسلحة برئاسة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ومبارك أردول وهي جماعات مناوئة لـ”تقدم” وهي تحركات مصرية تهدف لجمع الفرقاء منذ ثلاثة سنوات على طاولة واحدة والدخول في عملية سياسية موازية للمحادثات بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة.
خارطة طريق جديدة
وكانت مصر نظمت مؤتمراً لقوى سياسية سودانية خلال مايو الماضي جمعت “الكتلة الديمقراطية” وبعض الإسلاميين أبرزهم رئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين كما شارك تيار داعم للجيش السوداني.
ويقول المتحدث باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بكري الجاك، أن التنسيقية تسلمت الدعوة من الخارجية المصرية للمشاركة في المؤتمر نهاية يونيو الجاري لكن لم نرد بالموافقة أو الرفض وفق تصريح مقتضب لـ(عاين).
ولدى مصر تأثير في الملف السوداني منذ الإطاحة بنظام البشير في 11 أبريل 2019 من خلال إستمالة المؤسسة العسكرية- وفق ما يقول أحمد مختار الباحث السياسي والذي يعتقد وفق حديثه لـ(عاين) إن مصر لديها القدرة على وقف الحرب في السودان في الوقت الراهن لكنها تواجه ضغوطاً من الإمارات العربية المتحدة، وأبوظبي تعد المنقذ لنظام السيسي في أزمته الاقتصادية.
منافسة الاتحاد الأفريقي
ويقول مختار، إن “مصر تستهدف من المؤتمر وضع خارطة طريق للقوى السياسية السودانية وربما نلاحظ تأثير الإمارات على هذا المؤتمر من خلال رغبة مصر في جمع الفرقاء السودانيين والعمل على توحيدهم”.
ويضيف قائلاً: “ربما تتمكن القاهرة من تحقيق ذلك في نهاية المطاف ليس لأنها جديرة بذلك بل لأن القوى السياسية السودانية تتعامل ببراغماتية مع الأزمات عموماً و رغبتها في تولي السلطة في فترة ما بعد الحرب أو المشاركة في العملية السياسية على الأقل دون الوضع في الاعتبار ملفات العدالة والضحايا وحقوق الإنسان ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب”.
ويقول مختار: إن “مصر تتحرك أيضاً لمنافسة حوار شامل يرعاه الاتحاد الأفريقي بين الفرقاء السودانيين من القوى المدنية لأن القاهرة تعتقد أن هناك “أياد إثيوبية” على حوار الاتحاد الأفريقي”.
وكانت الخارجية السودانية رحبت بإعلان مصر تنظيم مؤتمر في القاهرة نهاية يونيو الجاري ودفعت بعدد من الشروط أبرزها عدم مشاركة الإمارات وتشاد ورهنت مشاركة الاتحاد الأفريقي برفع تجميد عضوية السودان في المنظمة القارية كما رهنت مشاركة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية “الإيقاد” باحترام سيادة السودان.
سحب ملف السلام
ويقول المحلل في الشأن المصري عادل إبراهيم لـ(عاين) إن “الخارجية المصرية هي التي تقف وراء تنظيم مؤتمر القوى السياسية السودانية نهاية الشهر الجاري وهذا يعني انتقال الملف السوداني إلى قنوات دبلوماسية تستطيع التعامل مع القوى المدنية والسياسية في السودان”.
ويرجح إبراهيم، نجاح مصر في توحيد القوى السياسية. وقال إن “تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) ربما تشارك في المؤتمر بوفد رفيع برئاسة عبد الله حمدوك وتشارك أيضا (الكتلة الديمقراطية) وأتوقع أن تكون النتائج توحيد الكتلتين السياسيتين على الأقل على مستوى التنسيق والأهداف.
ولا يستبعد إبراهيم، حجز مصر مقعدا في محادثات السلام بين الجيش والدعم السريع من منبر جدة من خلال توسيع النفوذ المصري في المفاوضات بوضع نفسها كـ”وسيط رئيسي” جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
ويقول إبراهيم، إن مصر لديها القدرة على تفعيل أدوات دبلوماسية وسياسية لوقف الحرب في السودان في أي وقت فهي لم تعد تلك الدولة المتراجعة عن التأثير في الملف السوداني.
تجسير الهوة
وكانت الباحثة في مركز الإهرام أماني الطويل صرحت لموقع “دويتشه فيله” الألماني إن مؤتمر مصر قد يضم إسلاميين ليسوا بالضرورة أن يكونوا داعمين للحرب لكن يمكنهم احتواء المجموعات الإسلامية الراديكالية التي تؤيد القتال ضد الدعم السريع.
ويقول المحلل الدبلوماسي مصطفى بشير لـ(عاين): إن “مصر قد تنجح في رعاية المؤتمر وضمان نتائجه حسب التأثير الأمريكي والمجتمع الدولي على الحكومة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي”.
ويعتقد بشير، أن الولايات المتحدة الأميركية قد لا تشارك بصورة فاعلة في المؤتمر لكنها طلبت من القاهرة دعم وقف الحرب في السودان لأن لدى النظام المصري علاقة جيدة مع الجيش السوداني وبشكل غير مباشر مع الإسلاميين.
وتابع: “واشنطن تعتقد أن مصر يمكنها أن تلعب دوراً في وقف الحرب في السودان ولديها القدرة أيضاً في الضغط على الإمارات لوقف ارسال السلاح للدعم السريع ووقف التسهيلات الدبلوماسية في مجلس الأمن”.
ويرى بشير، أن استراتيجية مصر تقوم على عدم تحقيق استقرار بمعزل عن الديمقراطية في السودان وأن تكون السلطة موالية للقاهرة لذلك تفضل على مر العقود الماضية العلاقة الجيدة والاستراتيجية مع المؤسسة العسكرية السودانية.
وزاد قائلاً: “تفجر الأوضاع في السودان والضغوط الدولية وضعف القوى السياسية السودانية جميعها عوامل دفعت مصر إلى تغيير استراتيجيتها وكل ما تستطيع فعله مصر حالياً تجسير الهوة بين القوى المدنية الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وبين تحالف تقدم ولو ظاهرياً إذا تحقق الوفاق بين الفرقاء السودانيين في مؤتمر القاهرة ربما تلعب مصر دوراً كبيراً في إيقاف الحرب وهو مكسب رغم أن السلام سيكون على حساب الحكم المدني والتحول الديمقراطي”.
وفي الغالب ربما مهدت مصر للمؤتمر المزمع عقده نهاية هذا الشهر مؤتمر لقوى التغيير “الكتلة الديمقراطية” وبعض التيارات الإسلامية أبرزهم غازي صلاح الدين الشهر الماضي.
ومنذ الإطاحة بنظام البشير في 11أبريل 2019 استضافت مصر مدير المخابرات السوداني الفريق صلاح عبد الله الشهير بـ”قوش” الجنرال الذي كان ملازما للبشير حتى الساعات من الأخيرة من الإطاحة به من بيت الضيافة جوار وزارة الدفاع السودانية شمال العاصمة صعدت طموحاته وشوهد خلال الشهر الماضي أثناء زيارته لمصابي هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات في مستشفى بضواحي القاهرة.
ويعتبر قوش الحليف الأقوى لمصر والمطلوب لدى القاهرة في وضعية النظام السياسي لسودان ما بعد الحرب وفق ما يقول الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد عباس لـ(عاين).
ويتابع عباس، إن القاهرة تحاول إبعاد “نموذج حمدوك” من أي نظام سياسي يُشكل في السودان في فترة ما بعد الحرب وهي تحاول إحياء القوى التقليدية مثل حزب الأمة الذي يمر بعاصفة من الخلافات بسبب التدخلات المصرية في شؤونه ما بين الانقسام بين “مركز القاهرة” الموالي للكتلة الديمقراطية و”مركز أديس أبابا” الموالي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”.
صراع إقليمي
ويُجمل عباس، التدخل المصري لتنظيم مؤتمر للقوى السياسية السودانية ضمن صراعها أيضاً مع أديس أبابا حول ملف المياه وتخشى القاهرة من عودة النفوذ الإثيوبي إلى الملف السوداني من خلال رعاية مؤتمر القوى المدنية “تقدم” في العاصمة أديس أبابا نهاية الشهر الماضي.
ورغم هذه التحركات المصرية لا يعتقد عباس أن القاهرة ستنجح في مساعيها لأنها لم تعد وسيط موثوق فيه لوقوفها إلى جانب الجيش ضد الدعم السريع إلى جانب النفوذ الإماراتي في الشأن المصري ودعمها لاقتصاد نظام السيسي الذي كان على وشك الإنهيار مطلع هذا العام وضخ استثمارات تفوق الـ (30) مليار دولار.
ويرى عباس، أن مصر من خلال المؤتمر تسعى لترميم العلاقة بين “الأحزاب التقليدية” مثل حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي و”بقايا الإسلاميين” هذه ثلاثة عناصر من الدولة القديمة لتكون نواة وحاضنة سياسية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في سودان ما بعد الحرب.