ماذا وراء التحوَّل المصري من حرب السودان؟
عاين- 23 مارس 2024
مع اقتراب الحرب من إكمال عامها الأول؛ نشطت الحكومة المصرية في محاولة لرأب الصدع السوداني، ما يشير إلى تحولات كبيرة في الموقف الرسمي للقاهرة، وتراجعها عن دعمها اللا محدود للعسكريين في مواجهة القوى المدنية الداعمة للتحول الديمقراطي.
القاهرة التي أعلنت مشاركتها في المباحثات السرية التي جرت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة البحرينية المنامة في يناير الماضي، والتي توجت بتوقيع اتفاق إعلان مبادئ. استبقت الخطوة بعقد لقاء مع وفد من الدعم السريع برئاسة قائد ثاني القوات، عبد الرحيم دقلو في القاهرة مهد الأجواء قبل مفاوضات المنامة- بحسب ما ذكر مصدر مقرب من القوى المدنية لـ(عاين).
شريك في الحرب
أول التحولات عسكرياً، هو التقارب المصري الرسمي مع قوات الدعم السريع الأكثر تشدد في رفض التدخلات المصرية لاسيما العسكرية وتحريكها قوات كبيرة إلى مروي شمال السودان قبل اندلاع حرب 15 أبريل احتجاجا على وجود الجيش المصري في مطار المدينة. وسحب القوات المصرية كان أحد المطالب التي وضعها قائد قوات الدعم السريع شرطا للتهدئة.
بعد اندلاع حرب أبريل، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة دامغة تؤكد مشاركة القوات المصرية في الحرب الدائرة، إلا أن مصدرا عسكريا رفيعا يقول لـ(عاين): “الجيش المصري رفض سابقا مشاركة الدعم السريع في التدريبات المشتركة التي كانت تحت اسم (حماة النيل) في مايو من العام 2021 ومنذ ذلك الوقت وحتى اندلاع الحرب؛ لم ينقطع الوجود العسكري المصري عن قاعدة مروي العسكرية”.
وبينما يرى الكاتب الصحفي المصري، المهتم بالشأن الأفريقي، سيد مصطفى، أن الدعم السريع استهدف مصر، واحتجت على وجودها في السودان، وعلى التعاون العسكري بين البلدين. ويعتبر ذلك “سلوكاً عدائياً”.
لكن المفكر والباحث السياسي، النور حمد يرى أن التعاون العسكري السوداني المصري قبل اندلاع الحرب كان جزءا من خطة مشتركة للقضاء على قوات الدعم السريع.
وزاد حمد: “سلاح الطيران المصري شارك بفعالية في الحرب في شهورها الأولى”. وأشار النور، إلى” مؤشرات تدل على أن الإسلاميين استبقوا الخطة المرسومة بين الجيش ومصر بإشعال الحرب قبل أوانها المرسوم ما أفشل مخطط الضربة الخاطفة الذي أدى إلى توسع الحرب واستطالة أمدها”.
نقاط تحول
يعود تحول القاهرة من خانة المتهم بالانحياز للجيش والمشاركة معه في الحرب إلى خانة الوسيط الذي يسعى لإيقافها لأسباب يلخصها -النور حمد- في ثلاث نقاط رئيسة، وهي تطاول أمد الحرب وانتشارها ما جعل من الصعب السيطرة عليها.
بجانب توصل مصر إلى أن “الحصان الذي راهنت عليه ليس بالقوة والكفاءة التي توقعتها” – في إشارة للجيش السودان. هذا إلى مخاوفها المتصاعدة من ظهور المتطرفين الإسلاميين الذين يسيطرون على قرارات قادة الجيش.
أما السبب الثالث -بحسب حمد- يعود إلى الأزمة الاقتصادية في مصر والتي أنقذتها منها أبوظبي، ملمحا إلى أن هذا الدعم الخليجي لا يمكن أن يكون “بلا ثمن”.
من جهته يشير الصحفي المصري سيد مصطفى، إل أن مصر كانت داعمة للجيش فيما وصفه بـ”القيادة الشرعية” لكن تطاول أمد الحرب من جهة وتحالف قادة الجيش السوداني مع إيران إلى جانب ظهور المليشيات الإسلامية كل ذلك بدا ليس في مصلحة مصر.
جمع التناقضات
تحتضن القاهرة منذ سقوط نظام البشير عددا من قيادات نظامه منهم مدير جهاز المخابرات صلاح قوش ورئيس الوزراء محمد طاهر إيلا، إلى جانب استقبالها لكافة الأحزاب السياسية والحركات المسلحة الداعمة للجيش التي تعقد اجتماعات ولقاءات مستمرة مع الجانب المصري.
كما عقدت الآلية الأفريقية رفيعة المستوى اجتماعا مع ممثلين من حزب المؤتمر الوطني المحلول بالقاهرة الأمر الذي يجعلها في موضع اتهام دائم بأنها تحتضن النظام الذي أطاحت به ثورة ديسمبر 2018.
وتبدي قوى سياسية ومدنية سودانية قلقا إزاء تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري في أثناء لقائه مع المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم برييليو التي أكد فيها “أهمية أن تشمل أي عملية سياسية مستقبلية كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة الداخلية السودانية”. ما تم اعتباره محاولة لإيجاد موطئ قدم للإسلاميين الموجودين على أراضيها.
ويعزو المفكر والباحث السياسي النور حمد، هذه التناقضات في التصرفات الرسمية بأن مصر تحاول التأثير في مختلف القوى السياسية السودانية للخروج بصيغة توقف الحرب، وتدرأ عنها المخاطر الأمنية، وتحفظ لها في الوقت ذاته الهيمنة على مجريات السياسة السودانية عبر “وكلاء” يحرسون مصالحها في السودان على المدى الطويل.
ويعتبر حمد، تبدل الموقف المصري حيال تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، “تكتيكي” لأن استراتيجية مصر تتمحور حول الحصول على موارد السودان الثرة بالعملة المحلية والحصول على الأراضي السودانية بعقود طويلة الأجل، والتي لا يجري الكشف عنها للرأي العام كما عودتهم قيادة الجيش- حسب تعبيره.
ويتابع النور في مقابلته مع (عاين) “مصر لا تريد أن يحكم السودان حكما ديموقراطيا؛ تريد حكما عسكريا ديكاتوريا يكتم أنفاس الشعب، ويبقيه في قبضتها ليحرس لها مصالحها في السودان”.
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب عقدت جهات رسمية في الحكومة المصرية لقاء مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في بداية مارس الجاري. حيث عقد الوفد اجتماعا مع مدير المخابرات المصرية عباس كامل المسؤول من الملف السوداني في حكومته.
مصادر لـ(عاين): جهاز المخابرات المصري استبعد رئيسي حزب الأمة والتجمع الاتحادي لدى لقائه قادة “تقدم” بالقاهرة
وجرى اللقاء بطلب من “حمدوك” لكن الموافقة المصرية جاءت مشروطة باستبعاد بعض رؤساء الأحزاب عن الاجتماع، حيث منع كل من رئيس حزب الأمة المكلف فضل الله برمة ناصر، ورئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل من المشاركة. الأمر الذي أثار شكوكا حول الموقف الرسمي من إتلاف “تقدم” الذي يضم قوى مدينة وتحالف قوى الحرية والتغيير -المجلس المركزي حاضنة الحكومة الانتقالية المنقلب عليها.
اللقاء الذي جاء بعد 11 شهرا من الحرب وصفه الناطق الرسمي باسم “تقدم” علاء نقد بـ”نقطة تحول” في العلاقات السياسية بين مصر والمكون المدني الداعي لوقف الحرب من جهة، وفي اتجاه إيقاف الحرب من جهة أخرى.
وكانت التنسيقية دفعت بطلب للحكومة المصرية لجمع قائدي الجيش والدعم السريع في لقاء مباشر بالقاهرة. وفقا لـ نقد الذي أكد قدرة القاهرة على إنجاحه لما تملكه من جهد دبلوماسي ودعم إقليمي.
وقال علاء في مقابلة مع (عاين): إن “هناك تطورات أدت إلى تغير الموقف المصري منها تطبيع حكومة الأمر الواقع العلاقة مع إيران وتأثير ذلك على أمن البحر الأحمر والأمن القومي المصري وتراجع عائدات قناة السويس”.
بجانب ظهور الكتائب الجهادية المتطرفة في السودان مثل البراء بن مالك والمعتصم بالله يشير إلى وجود بنية مثالية لتفريخ الجماعات الإرهابية التي سيشمل تأثيرها دول الجوار، ولن تكون محصورة داخل السودان فقط.
من جانبه يرى الصحفي المصري المهتم بالشأن الأفريقي سيد مصطفى، أن التحول في موقف القوى المدنية سيسمح بتحولات في مواقف “حميدتي” نحو قبول مصر كوسيط.
ويعرب الناطق الرسمي باسم تقدم علاء نقد عن أمله، في أن تكون التحولات في السياسة المصرية تجاه السودان والتحول المدني خطة استراتيجية للقاهرة. وأشار إلى ثقل مصر الجيوسياسي والعلاقات التاريخية مع السودان. وقال: “وجود علاقات صحية لا شك ستخدم مصلحة شعوب البلدين”.