التعليم في دارفور مآسي الحروب والتشرد
تقرير: عاين 3 اكتوبر 2019م
ارتبطت قضايا تدهور التعليم في السودان دوما بمناطق النزاعات والحروب والفقر في أطراف البلاد والمدن الرئيسية، حيث تزايدت نسب التهرب المدرسي الذي يمثل حجر عثرة كاملة أمام التعليم العام بسبب هروب التلاميذ للحرب أو التشرد. وتقول إحدى التقارير الحديثة عن الأوضاع في مناطق النزاع بشكل عام وفي دارفور بشكل خاص ان ثلاثة ملايين طفل في مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
نضالات المرأة
مابين حمولة اثقال الطوب، اقتطاع مساحات الزرع مع قساوة حرثه.، إستطاعت نساء معسكرات النزوح في اقليم دارفور المضطرب منذ ستة عشر عاما، مواجهة صلف الحياة، تغطية المصروفات الدراسية لأطفالهن؛ الذين فرقت مأساة حرب دارفور بينهم والاباء الذين راحت حياتهم ما بين قتيل في زراعة ومقاتل حمل السلاح لاجل وطن يحقق فيه امال أبنائه. ام الخمس اطفال آمنة نورين: استطاعت ان توفر مصروف مدرسي لأحد اطفالها الخمسة بينما بقي الآخرون دون تعلم! لصعوبة الحياة وغلاء التعليم العام والخاص الذي ما انفك يبارح الناس حتى داخل معسكرات النزوح!. تقول آمنة التي هَجرتها الحرب لمعسكر نيفاشا شمال دارفور من منطقة طويلة. لم تكن هناك مدارس بمنطقتنا لكن على الاقل كانت الحياه افضل من الان، حيث تستطيع الأسر وقتها القيام بدورها في رعاية الأبناء؛ لكن الأحوال تغيرت الآن بسبب النزوح والتشرد.
أما ذات الثلاث اطفال في سن التعليم؛ . مريم اسماعيل فقد قامت بما تسطيع حيث عَرفت بالعمل بكمائن الطوب؛ إلا أنها لم تستطع توفير المصروف المدرسي فقد أطفالها حقهم في التعلم. نزحت لمعسكر نيفاشا من منطقة كورما في العام 2003 منذ اشُعلت الحرب، هجرت بيتها كسائر النازحين بحثاً عن مأوى يواري جسده النحيل من هجمات المليشيات الحكومية آنذاك. مازال يحدوها الأمل في تعليم بينها الذي يحلم أحدهم بأن يصبح طبيباً مداويا رغم اغتيال أيادي الحرب لأبيه بزرعه. ومع غياب الرعاية الاجتماعية للدولة أصبحت هي العائل الاوحد حيث تمكنت من سد رمقهم بدخلها المتواضع الذي اقتصر عن توفير احتياجاتهم الدراسية المتمثلة في؛ الرسوم الدراسية، الازياء، الكراسات والكتب. قصور سرب الكثير من التلاميذ في ظل منهاج الطرد الذي تعتمده المدارس.
غياب الدعم
قياس الحاضر بالماضي التعليمي بمعسكر ابو شوك سنتر 3 يقول الاستاذ إسحاق : لـ(عاين) “كانت الأوضاع التعليمية في دارفور ما قبل قيام الحرب متفاوت من حيث اهتمام انسان المناطق المختلفة وفي بعض المناطق ربما لها أرتبط بالعادات والتقاليد التي تفضل الخلاوي التقليدية على النظام المدرسي” . مستدركاً ان أواخر السبعينات حدثت فيها نقلة نوعية وتطور في قابلية المجتمعات الدخول للمدارس وساعد على ذلك الدعم الخارجي الذي كان يغطي المستلزمات الأساسية لمكونات التعليم. موضحاً: “منذ قيام السودان ارتبط بالحروب فلم يكن هناك تعليم بالطرق المثالية فهي تتفاوت من منطقة إلى أخرى ويعتمد على مدى قربك من المدن التي تكون فيها البيئة التعليمية أفضل”.
انعدام البنية
يمضي اسحاق مقارناً سوء البيئة التعليمية، ضعف الكادر المُؤهل. بتدافع الاطفال واسرهم لحجز مقاعد دراسية تُنبىء بمستقبل واعد للبلاد ولهم، يُخضع المقارنة بين عدد المقبلين لمدرستهم بحجم المعلمين قائلاً: ” تم تعيني في العام 2007م والتحقت معلما بمنطقة كورما عدد طلاب المدرس كان 700 طالب وكنا 4 معلمين رسميين”!. كاشفاً عن أنهم درجوا على تغطية القصور بحَملةُ الشهادة السودانية، حديثي التخرج. بينما توجد مدارس يحمل عبء إدارتها المتطوعين؛ بجانب قيامهم بمسئوليات التدريس للظروف المرتبطة بالحرب خصوصا في المناطق الريفية. وهو ما يؤكد العمدة موسى ابراهيم من جبال سي بمحلية كبكابية الذي اتى للمعسكر العام 2004 بالقول: لـ(عاين) “كان عدد السكان يبلغ (57 )ألف ثم بعد النزوح الأخير تجاوز عدد النازحين الـ(80) الف، يوجد بالمعسكر ( 18 ) مدرسة عدد الثانوي( 6 )مدارس من خاص الحكومي”، استطرد مضيفاً : كانت المنظمات تقدم خدمات تعليمية وصحية، لكن بعد طردها في العام 2014 تأزم الوضع؛ فأصبح من الصعوبة توفير المستلزمات التعليمية بعد سيطرة الحكومة عليها بالمعسكرات. وزاد العمدة : “كانت المنظمات تغطي الإنفاق على سكان المعسكر بشكل كامل، لكن الان تغطي المنظمات الحكومية حاجة ( 5 )ألف نازح من جملة الـ (57 ) نازح فقط بالمعسكر، بمعدل توزيع يصل( 123 )أسرة و(19,927) فرد لديهم كروت دائمة، هناك كروت موسمية لا يتحصل أصحابها على تموين دائم”.
اثر الحرب
بناء على ما تقدم شهد التعليم في المعسكر تراجعاً كبيراً لأسباب ضعف الصرف الحكومي وضيق السعة المدرسية، ضعف البنية التحتية التي تبني بالمواد المحلية من الجهد الشعبي؛ بهذه العبارات واصل الأستاذ سماعيل حديثه لـ (عاين) موضحاً بالقول “أثر الحرب على التعليم وتأثيرها على الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والآن نحن بصدد حصاد نتائج تلك السياسات الخاطئة والتي أدت للحروب وهي بطبيعة الحال مدمرة “. كاشفاً عن لا حلول آنية غير رفع رسوم الطالب إلى مبلغ 600 جنيه تدفع في أقساط لتغطية رسوم الكادر وتوفير مياه الشرب وبعض المعينات الغذائية.
عمل اضافي
اكد الاستاذ اسماعيل ان ضعف راتب المعلم، وزيادة تكاليف الدراسة عند الاسر الفقير ساهم في عدم الإقبال لمهنة التعليم، أدى الى ازدياد رقعة الحرب بسبب عدم مقدرة الطلاب على المواصلة، فانضم التلاميذ للحركات المسلحة نسبة لقرب مناطقهم من ميادين النزاعات، آخر فضل الالتحاق بالاسواق وغالبا ما تكون تدريجية يقسمون اليوم بين العمل والمدارس وتكون الفترة الصباحية للمدرس والمساء للسوق وبتأكيد يعود ذلك للظروف المعيشية الطاحنة التي يعيشها المواطن وربما بعض التلاميذ يسددون الرسوم الدراسية.
وشكى إسماعيل عن مواكبة المنهج التعليمي للبيئة السودانية والظروف الحياتية المحيطة بها مطالباً وزارة التربية والتعليم بتصميم منهج يتواكب مع الظرف الحياتي او توفير الاساسيات للمنهج الجديد قائلاً “هناك مواد في المنهج الجديد الا نستطيع تدريسها على الإطلاق مثل مادة الحاسوب لان المدارس بالمعسكرات لا يوجد بها جهاز حاسوب او لابتوب واحد”. واستدرك قائلاً رغماً عن ذلك هناك بعض الطلاب يتفوقون في في التحصيل الأكاديمي وينافسون على مستوى الولاية وهذا جيد “على الرغم من ضعف الامكانيات الا أن بعض الطلاب يواصلون تحصيلهم الأكاديمي بتفوق”.
مطلوبات الثورة
متحدثاً عن الثورة قال الأستاذ إسماعيل: “الان تستطيع القول انه تم تغيير النظام الحاكم، لنا تجاربنا السابقة مع هذا الشكل من التغيير، لذلك من وجهة نظري كمواطن الثورة لن تكتمل إلا بتحقيق مطالب المواطنين في كل أنحاء السودان أبتداً من قضايا الاستقرار والأمن بمناطق النزاعات إلى هموم المعاش اليومي”. وزاد من واجبات الحكومة الحالية الاسراع في تحقيق السلام؛ بعيداً عن استهلاك الوقت في المحاصصات التي تتم بين القوى السياسية، مناشدا ً القوى الثورية بالقول،: على القوى الثورية العمل من أجل خدمة المواطن وعدم السعي خلف الاستوزار وتحقيق مكاسب ذاتية.