التعليم والحرب.. المعلمون السودانيون بدون مرتبات لـ 5 أشهر  

عاين- 26 سبتمبر 2023

بينما تستمر الحرب في الخرطوم العاصمة وفي ولايات إقليم دارفور وبعض المناطق الأخرى، يخوض العاملون في الدولة وخصوصاً المعلمين السودانيين حربا أخرى من أجل حث الحكومة القائمة على صرف الأجور عن أكثر من خمسة أشهر.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، امتنعت الدولة عن صرف رواتب العاملين في مؤسسات الدولة الحكومية. ويبلغ عدد العاملين في القطاع العام بالدولة نحو مليون شخص، حسب إحصائية لوزارة التنمية الاجتماعية السودانية في عام 2019، بينهم أكثر من 300 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر مارس الماضي.

توقف التعليم 

وأمام ويلات الحرب وارتفاع الأسعار الشديد وامتناع الدولة عن توفير الأجور  يقول آدم بابكر إدريس، وهو معلم بولاية جنوب كردفان لـ(عاين): إن الحرب أدت إلى توقف العملية التعليمية وهو الأمر الذي أصاب الطلاب بالإحباط الشديد نتيجة لعدم وجود مستقبل تعليمي أمامهم، خاصة طلاب الشهادة السودانية الذين لم يجلسوا لأداء الامتحان هذا العام حتى الآن.

وكان وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم الحوري قد قال مؤخراً إن أي خبر يخص الشهادة السودانية والعملية التعليمية سيتم بثه أولاً عبر القنوات الرسمية للدولة .

التعليم والحرب.. المعلمون السودانيون بدون مرتبات لـ 5 أشهر

 وأشار إدريس إلى أن طول أمد الحرب في ولاية جنوب كردفان و جائحة كورونا فضلاً عن الإغلاق المتكرر للمدارس بسبب الإضرابات والاعتصامات قاد إلى تراكم الدفعات الدراسية في كل المراحل التعليمية. ولفت إلى أن المعلمين السودانيين يعانون من عدم تقدير الدولة لجهودهم الطويلة في خدمة قضايا التعليم.

وأمام الحرب المستمرة يرى إدريس، إن الحكومة باتت  منشغلة بالأمن والتأمين وتناست أهمية التعليم بالنسبة للمجتمعات. وأشار إلى أن ضعف الراتب الحكومي للمعلمين اضطرهم للجوء للتدريس في المدارس الخاصة، بينما هجر الآخرون التدريس إلى مهن أخرى مثل التجارة في الأسواق.

وشهدت الأشهر التي سبقت الحرب احتجاجات وإضرابات مطلبية واسعة في عدد من القطاعات المهنية، أبرزها المعلمون، بسبب الغلاء المعيشي وضعف الأجور.

وكانت الجبهة النقابية السودانية التي تضم عددا من الأجسام النقابية المنتخبة كنقابة الصحفيين، والأطباء، والدراميين، ولجنة المعلمين السودانيين، وبعض النقابات الأخرى دفعت بمذكرة في 17 يوليو الماضي لمنظمة العمل الدولية بشأن إمتناع حكومة السودان عن صرف رواتب المعلمين وتتمثل مطالبهم في إلزام الحكومة بدفع استحقاقات العاملين في القطاع العام وحماية العاملين في القطاع الخاص.

ومثله مثل آلاف المعلمين السودانيين، يقاوم إدريس ضعف الراتب الحكومي وانقطاعه بسبب الحرب عن طريق ممارسة أعمال بديلة مثل الزراعة وتجارة العطور على الرغم من الطلب الضعيف على هذه التجارة بسبب ظروف المشترين السيئة. ويرى آدم، إن التعليم في ولاية جنوب كردفان تأثر بالحرب التي أدت لتهجير آلاف المواطنين في المجتمعات الريفية ومناطق غرب وجنوب العباسية والمناطق الأخرى.

ولفت إلى أن أعداد الطلاب الذين نزحوا للمدن كانت كبيرة ما أدى إلى اكتظاظ الفصول الدراسية، بينما عزفت أعداد كبيرة من الطلاب المحتجزين في مناطق سيطرة الحركة الشعبية عن مواصلة الدراسة وأصبحوا فاقدا تربويا.

أطفال خارج المدارس

وفي الخامس من يونيو 2011 اندلع نزاع مسلح  في ولاية جنوب كردفان بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.

وأشار آدم، إلى أن عدد من الأطفال الذين عجزت أسرهم عن دفع تكاليف التحاقهم بالمدارس اضطروا إلى امتهان أعمال هامشية. ولفت إلى أن المجتمعات الضعيفة هي التي تدفع ثمن الحروب التي اندلعت في السودان كما تدفع ثمن هذه الحرب الراهنة بين بين الجيش والدعم السريع.

 وأوضح آدم، إن العاملين في الدولة لم يستلموا رواتبهم منذ أبريل الماضي على الرغم من ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

وقالت المعلمة بالمدرسة الثانوية النموذجية بنات، محلية العباسية تقلي  بولاية جنوب كردفان انتصار الطاهر رحمة لـ(عاين): يوجد خمسة مدارس بمحلية العباسية ثلاثة منها مخصصة للبنين ومدرستين للبنات.

التعليم والحرب.. المعلمون السودانيون بدون مرتبات لـ 5 أشهر

وأشارت إلى أن هذه المدارس غير كافية بالمقارنة بأعداد الطلاب الكبيرة، حيث يضم الفصل الواحد 70 طالب أو طالبة. وعزت رحمة ازدحام الفصول الدراسية لحركة النزوح الكبيرة التي تسببت فيها الحروب.

وأكدت رحمة، أن البيئة المدرسية في ولاية جنوب كردفان غير مهيأة مع استمرار معاناة الطلاب في الحصول على الكتاب المدرسي إلى جانب مشكلات إجلاسهم في الفصول الدراسية نسبة لأعدادهم الكبيرة.

وأوضحت أن رواتب المعلمين كانت ولا تزال غير مجزية. وتابعت: بعد ثورة ديسمبر ومطالبة المعلمين السودانيين المستمرة بتحسين الأجور، حدث تعديل في العلاوات والمرتب الأساسي إلا أن زيادة الأسعار في الأسواق أفقدت الراتب قيمته.

ومنذ  منتصف أكتوبر 2021  شرع المعلمين السودانيين في تنظيم حراك مطلبي من أجل حث الدولة على الاهتمام بقضايا التعليم والمعلمين وبدأوا بتسليم السلطات، ممثلة في وزارة المالية ووزارة التربية والتعليم ومجلس الوزراء، بمذكرة متضمنة 8 مطالب على رأسها ضرورة زيادة الإنفاق على التعليم ليصل إلى 20% من ميزانية الدولة.

وقتها طالب المعلمين برفع مخصصات التعليم كمدخل لحل مشكلات الأجور المتدنية ولتتمكن المدارس من استقبال أعداد أكبر من الطلاب الذين لا يجدون مقاعد للدراسة والذين يُقدر عددهم بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) 7 ملايين طفل.

كما تضمنت المطالب رفع الحد الأدنى للأجور إلى 69 ألف جنيه سوداني (121) دولارا وقتها، إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بحقوق المعلمين.

واستند مطلب رفع الأجور على دراسة أعدها المكتب الاجتماعي للجنة المعلمين السودانيين في سبتمبر 2021 على دراسة عن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 5 أفراد، خلصت إلى أن الأسرة تحتاج إلى  579 ألف جنيه شهرياً وقتها، أي ما يعادل ألف دولار، لمواجهة أساسيات المعيشة.

ومع استمرار توقف صرف المرتبات منذ أبريل الماضي، ترى المعلمة بالمدرسة الثانوية أن هناك صعوبات كبيرة تواجه المعلمين جراء ذلك، خاصة أولئك الذين لا يمتلكون مهناً إضافية.

وأكدت رحمة، أن بعض المعلمين اضطروا لترك مهنة التعليم لأنها غير مجزية، ولفتت إلى أن بعض المعلمين اتجهوا إلى التنقيب عن الذهب بينما دخل البعض الآخر منهم للأسواق واتجه الآخرين إلى الزراعة.

وأشارت إلى أن التعليم في ولاية جنوب كردفان بحاجة إلى استنفار الجهود الحكومية والمحلية لإعادة تعمير المدارس التي دُمرت تدميرا كاملاً بسبب الحروب.

التعليم والحرب.. المعلمون السودانيون بدون مرتبات لـ 5 أشهر

تجاهل مطالب واعتقالات 

“بعد حرب الخامس عشر من أبريل الماضي فإن الطلاب لا يعرفون ما إذا كانوا سيخضعون لامتحانات الشهادة السودانية أم لا، كما أننا كمعلمين لا نجد الإجابة لتقديمها لهم”. تقول انتصار رحمة.

ودعت رحمة، إلى تكوين لجنة مختصة بطرح مشكلات التعليم في ولاية جنوب كردفان لاستنفار الجهود في تخصيص مبالغ مالية لإعادة تأهيل المدارس واستيعاب بعض الطلاب التي تعجز أسرهم عن إلحاقهم بالمدارس.

من جانبه قال الياس باسيل، عضو المكتب الإعلامي للجنة المعلمين السودانيين لـ(عاين) : إن من أصل 18 ولاية هناك 10 ولايات لم تصرف رواتب للعاملين بالدولة بينما صرفت الولايات المتبقية مرتبات شهر أو شهرين، بعضها عبارة عن منحة وفي حالة أخرى راتب اساسي فقط.

وأوضح باسيل، أن العاملين في ولاية الخرطوم بدأوا بصرف راتب شهر واحد من أصل ستة أشهر.

 وزاد: يتعرض المعلمون ولجنة المعلمين السودانيين على وجه الخصوص للتنكيل والتهديد واعتقال منسوبيها بسبب رفضها الحرب والمطالبة بحقوق العاملين في الدولة.

والاثنين أفرجت السلطات الأمنية في بورتسودان، عن المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر بعد اعتقاله واخضاعه للتحقيق لنحو يومين.

الجمعة الماضي اقتادت السلطات في مدينة بورتسودان بشرق السودان الباقر كامتداد للتضييق المستمر على الأنشطة المدنية الداعية لوقف القتال بين الجيش والدعم السريع.

وكان وزير المالية والتخطيط الإقتصادي جبريل إبراهيم، أعلن في 6 مايو الماضي أثناءاجتماع مع ولاة ووزراء مالية الحكومات الولائية عن ترتيبات لتحويل استحقاقات الولايات لصرف مرتبات العاملين بالتنسيق مع بنك السودان المركزي لتشغيل المقاصة في البنوك. لكن الترتيبات المشار إليها لا تزال تراوح مكانها.

التعليم والحرب.. المعلمون السودانيون بدون مرتبات لـ 5 أشهر

وقال عضو لجنة المعلمين السودانيين معاوية عابدين وراق لـ(عاين): إن المعلمين قبل الحرب قاموا بتنفيذ إضرابات متتالية للمطالبة بتعديل الهيكل الراتبي وتحسين الأجور.

وأضاف : تأثر المعلمون كما تأثر  جميع العاملين في الدولة بعدم صرف الأجور منذ اندلاع الحرب. وتابع : عاش المعلمين الذين نزح أغلبهم إلى ولايات السودان المختلفة ويلات الحروب والفقر والنزوح.

وأوضح وراق، أن المعلمين وجدوا أنفسهم بلا موارد مالية لدفع الإيجارات وإعالة أطفالهم ودون وجود إمكانية للعلاج على الرغم من بعضهم مريض بارتفاع الضغط والسكري والفشل الكلوي، مما أدى إلى وفاة بعضهم بسبب ذلك.

ولفت إلى عدم وجود أي مبرر يجعل الدولة تمتنع عن دفع أجور العاملين في الوقت الذي تستمر فيه في دفع أجور العاملين في الأجهزة الأمنية، كما تستمر في دفع تكلفة الاستمرار في الحرب.

وأكد وراق، تضرر المعلمين البالغ جراء عدم دفع المرتبات وتساءل عن سبب عدم دفع أجور العاملين في الدولة في الولايات غير المتأثرة بالحرب مع استمرار مدخلاتها المالية. ودعا لضرورة التزام الدولة بدفع أجور العالمين ودفع مستحقاتهم المالية في أسرع وقت لأنها حقوق أساسية.