التعليم والعُملة.. أبرز مخاطر تقسيم السودان
عاين- 19 ديسمبر 2024
تتصاعد في السودان المخاوف من انقسام البلاد على خلفية بدء إجراءات تغيير العملة من قبل الحكومة التي يسيطر عليها الجيش، بجانب قرارها إقامة امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرتها، الأمر الذي رفضته قوات الدعم السريع التي تسيطر كليا أو جزئيا على نحو 10 ولايات من أصل 17 ولاية، وقالت إنها “لن تسمح بتداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتها، وكذلك ترفض لطلاب امتحانات الشهادة السودانية مغادرة أراضيها“.
بدأت السلطات السودانية في العاشر من ديسمبر الجاري، ولمدة 13 يوماً عملية استبدال عملتها المحلية (الجنيه) من فئتي الألف (1000) والخمسمئة (500) جنيه عن طريق الإيداع البنكي.
وفي 9 نوفمبر الفائت، قال البنك المركزي، أن “خطوة تغيير العملة التي اتخذها تهدف لمعالجة الآثار السلبية للحرب الدائرة بالبلاد منذ منتصف أبريل 2023، وانتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح، وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار”.
الأمر الذي اعتبرته قوات الدعم السريع، “خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه”. وقررت عدم التعامل بها في مناطق سيطرتها.
ومن المقرر كذلك، أن تنطلق في 28 ديسمبر الجاري امتحانات الشهادة السودانية وسط رفض واسع من قوى مدنية سودانية لجهة أن الأمر يكرس لانقسام البلاد وحرمان آلاف الطلاب في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش من أداء الامتحانات.
وفي بيانين صدرا في 3 و13 ديسمبر 2024، حذرت لجنة المعلمين السودانيين من العواقب الوخيمة لعقد امتحانات الشهادة الثانوية في ظل الأوضاع الحالية، مشيرة إلى أن أكثر من 60% من الطلاب، أي ما يزيد عن 570 ألف طالب، قد يُحرمون من الجلوس للامتحانات. وأوضحت اللجنة أن الامتحانات لن تشمل خمس ولايات في دارفور، وثلاث ولايات في كردفان، وأجزاء واسعة من الخرطوم والجزيرة ومناطق أخرى، وهو ما يعكس غياب العدالة في العملية التعليمية، ويضع آلاف الطلاب أمام مستقبل مجهول.
وأكدت اللجنة أن الطلاب في مناطق سيطرة الدعم السريع، مثل جنوب وغرب دارفور، يواجهون تمييزاً واضحاً، حيث مُنع أكثر من ألفَي طالب في مدينة الجنينة من الجلوس للامتحانات في تشاد، بينما يضطر طلاب آخرون في الجزيرة وأجزاء من الخرطوم إلى التنقل نحو مناطق سيطرة الجيش في رحلات محفوفة بالمخاطر. واعتبرت اللجنة أن هذه التحديات تجعل التعليم وسيلة لمعاقبة الطلاب وأسرهم بسبب أماكن إقامتهم، مما يحوّل التعليم من وسيلة لتحقيق الوحدة والسلام إلى أداة لتعزيز الانقسامات الاجتماعية.
تقسيم التعليم بين مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع له تأثيرات سياسية واجتماعية ونفسية كبيرة
لجنة المعلمين السودانيين
وحول تأثير تقسيم التعليم بين مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع، يرى الناطق باسم لجنة المعلمين سامي الباقر، أن “هذا التقسيم له تأثيرات سياسية واجتماعية ونفسية كبيرة”.
وتابع: “سياسيًا يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والانقسام بين المناطق. واجتماعيًا يتسبب في تفاوت كبير في فرص التعليم وجودته. ونفسيًا يولد شعورًا بالظلم والإقصاء لدى الطلاب المحرومين من التعليم.”
قوات الدعم السريع في بيان لها صدر في 14 ديسمبر الجاري، اتهمت السلطات في بورتسودان باستخدام التعليم لتحقيق أهداف سياسية، معتبرة أن قرار إجراء امتحانات الشهادة الثانوية في مناطق محددة يعد سابقة خطيرة تذكر بسياسات الاستعمار.
وأعلنت رفضها لسياسات تقسيم البلاد التي تروج لها الحكومة الحالية، مشيرة إلى افتقارهم للشرعية، وأكّدت التزامها بضمان حقوق الطلاب في التعليم وفقًا للعدالة والمساواة، مشيرة إلى أنها ستتخذ التدابير اللازمة لضمان هذه الحقوق، وتعهدت باستخدام التعليم لتعزيز التعايش السلمي وإعادة بناء السودان بعيدًا عن الظلم والتهميش.
قوى مدنية وسياسية ترفض خطوة الحكومة المدعومة من الجيش بإقامة امتحانات الشهادة السودانية. ويقول الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان لـ(عاين): “قضية التعليم في ظل الحرب لم تُتناول بجدية من أطراف الحرب، إذ لم تُطرح في أي جولة تفاوض مسألة استمرار التعليم في ظل النزاع”.
وتتزايد احتمالات تقسيم السودان بدعم داخلي وخارجي، وسلوك سلطات بورتسودان يظهر سعيها لتحقيق هذا الهدف
قيادي بحزب المؤتمر السوداني
ولفت عثمان إلى أن قرار “سلطات بورتسودان” بفتح المدارس في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، بالإضافة إلى إعلانها عقد امتحانات الشهادة السودانية هناك، يعكس قصر نظر هذه السلطة وفقا لقوله. وتابع: السلطات استخدمت حق التعليم لإضفاء شرعية زائفة، مما يعزز صورة خاطئة عن أدائها كسلطة طبيعية، بينما الواقع مغاير تمامًا.
واعتبر شريف، إجراءات سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، خاصة في التعليم، ستؤثر سلبًا على وحدة البلاد، حيث تعمق الانقسام بين مناطق سيطرة أطراف الحرب وتزيد احتمالات تقسيم السودان الذي يحظى بدعم داخلي وخارجي، وسلوك سلطات بورتسودان يظهر سعيها لتحقيق هذا الهدف.
“الآثار الطويلة لتسييس التعليم تتمثل في تدخل الصراع السياسي فيه، مما يؤدي إلى ضعف التعليم. كما أن الحرب وعدم الاستقرار يحرم الأجيال في مرحلة الدراسة من حقهم في التعليم، ما يؤدي إلى انتشار الأمية والجهل، ويعزز من حدة الصراعات”. يقول الباحث وأستاذ العلوم السياسية مصعب محمد علي لـ(عاين).
ولا يعتقد محمد علي، أن استئناف الدراسة سيكرس الانقسام في ما يتعلق بالامتحانات. لكنه شدد على أهمية التعاون بين الجيش والدعم السريع في إجراء الامتحانات وتسهيل وصول الطلاب إلى مناطق الامتحانات لضمان مستقبل الأجيال القادمة.
كذلك، يستبعد الاقتصادي، محمد الناير أن تغيير العملة لن يؤدي إلى انقسامات سياسية واجتماعية، بل هو خطوة ضرورية لتقويم مسار الاقتصاد السوداني.
لا ينبغي النظر إلى تغيير العملة كتهديد لاستقرار البلاد، و 90% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي
اقتصادي
ويشير الناير في مقابلة مع (عاين)، إلى أنه لا ينبغي النظر إلى تغيير العملة كتهديد لاستقرار البلاد، وأوضح أن أكثر من 90% من الكتلة النقدية في السودان كانت خارج النظام المصرفي حتى قبل الحرب، بينما أقل من 10% كانت داخل القطاع المصرفي.
وينوه إلى أن تغيير العملة سيعالج عدة قضايا، أبرزها عودة الكتلة النقدية إلى القطاع المصرفي عبر تسهيل فتح الحسابات إلكترونيًا لجميع المواطنين، وتوقع الناير أن يكشف تغيير العملة عن عمليات التزوير التي حدثت خلال الحرب، بالإضافة إلى تحديد مصادر الأموال التي يمكن مصادرتها إذا كانت منهوبة. وأوضح أنه في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش، لن تكون هناك مشكلة في استبدال العملة، لكن في المناطق التي تحت سيطرة قوات الدعم السريع، قد تواجه العملية صعوبات في التعاملات الإلكترونية.