تحدي اللغة يبدد أحلام التلاميذ السودانيين في التعليم بأوغندا

عاين – 5 سبتمبر 2024

دخل مصطفى أحمد وهو طفل سوداني لاجئ مع عائلته في أوغندا، في نوبة بكاء شديدة بعدما قررت إدارة المدرسة في كمبالا قبوله تلميذاً بالصف الثالث ابتدائياً نتيجة لعدم معرفته باللغة الإنجليزية، في حين أنه أوشك على الانتهاء من المرحلة المتوسطة عندما كان في بلاده، فقد عاد خمس سنوات إلى الوراء.

رفض مصطفى في بداية الأمر بشدة الانخراط في الدراسة، لكنه وافق بعد رجاءات عائلته، فوجد نفسه وسط تلاميذ يصغرونه كثيرا في العمر، وظل في حالة عزلة واسعة وتأثير نفسي كبير، كونه لا يستطيع المشاركة في الصف، ولا يفهم اللغة التي يتحدث بها معلموه وزملاؤه في الفصل الدراسي، وفق ما يرويه بحزن لـ(عاين).

لم يكن مصطفى وحده، لكن آلاف الطلاب السودانيين الذين وصلوا إلى أوغندا في رحلات لجوء قاسية، اصطدموا بعقبة اللغة الإنجليزية، وباتوا تائهين بين المؤسسات التعليمية المختلفة، في مسعى للالتحاق بنفس مستوياتهم ومراحلهم الدراسية التي وصلوها في بلادهم، بينما تتمسك المدارس في كمبالا بإعادتهم سنوات للوراء، فيعم الإحباط.

وعلى الرغم من أن اللغة الانجليزية مادة رئيسية في المدارس السودانية، إلى أن معظم التلاميذ لايجيدونها مع يعكس تردي التعليم العام في السودان حتى ما قبل الحرب.

وفي خضم هذه التحديات، افتتحت مدرستان سودانيتان في العاصمة الأوغندية كمبالا، في محاولة إلى إيجاد معالجات تعليمية، لكن معظم العائلات السودانية تفضل الذهاب إلى المؤسسات التعليمية الأوغندية، لاعتقادهم أن السودان يشهد حرب مستمرة، ولا يمكن عقد امتحانات نقل إلى مستويات متقدمة، خاصة الشهادة الثانوية.

تلميذ سوداني في كمبالا

وفر ما لا يقل عن 50 الف سوداني، وفق حصيلة غير رسمية إلى دولة أوغندا منذ اندلاع الحرب في بلادهم بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل حوالي عام ونصف، بحثا عن الأمن، بينما جاء آخرون لضمان مستقبل تعلمي لأبنائهم، بعدما تعطلت العملية التعليمية في معظم أنحاء السودان، ومضيها بشكل متعثر في الولايات الآمنة، لكنهم اصطدموا بتحديات عديدة.

تقدم بطيء

عاد مصطفى أحمد سنوات إلى الوراء، وأمضي 6 أشهر في مدرسته الجديدة في كمبالا، لكنه لم يتقدم كثيرا في اللغة الإنجليزية، وبالكاد يستطيع تبادل السلام والتحايا البسيطة مع زملائه وأساتذته، وبحسب ما يقوله لـ(عاين) فإن الدراسة باللغة الإنجليزية، لكن معظم التدريس باللغة اليوغندية المحلية، وهو لم يتمكن من تحقيق أي استفادة، بل حدث له خلط بين اللغتين الجديدتين عليه.

عمري يتقدم وما زلت في مرحلة متأخرة من التعليم، ولا أشعر بأي تقدم في تعلم اللغة الإنجليزية، أريد العودة إلى السودان، ومواصلة تعليمي هناك

طالب

يضيف:”عمري يتقدم وما زلت في مرحلة متأخرة في التعليم، ولا ندري متى سنصل الجامعة، ونخرج منها تحت هذه الظروف، كما لا نشعر بأي تقدم في تعلم اللغة الإنجليزية، نريد العودة إلى السودان، ومواصلة تعليمي هناك”.

المشاعر ذاتها، تنتاب طفلاً آخر التقته (عاين) مع أسرته في العاصمة الأوغندية كمبالا، وهو يحن إلى العودة إلى السودان لمعانقة مدرسته ومعلمه وزملائه هناك، بعدما أصابه اليأس بسبب النظام التعليمي في أوغندا، فهو حزين لأنه أُرْجِع سنوات إلى الوراء، رغم أنه يكبر في السن.

ويقول: إن “الحرب لازم تقف ونرجع السودان، وبكل صراحة لم اعجب بالمدرسة في أوغندا، اشتقت إلى أصحابي وزملائي وأستاذي، نريد أن نعود إليهم سريعا”.

وإن كان مصطفى ورفاقه الصغار استسلموا أمام مصير العودة سنوات إلى الوراء من أجل البقاء في جو أكاديمي على أسوأ الفروض، فإن عسجد محمد وهي لاجئة سودانية في كمبالا، أثرت الاستسلام والجلوس في المنزل، لأنها وصلت إلى الصف الثالث ثانوي، وكانت في انتظار امتحان الشهادة السودانية لحظة اندلاع الحرب، إذ رفضت المدارس الأوغندية قبولها في المستوى نفسه، إلا بعد تقديم المستندات المؤكدة لذلك.

حلم تبدد

وتقول عسجد في مقابلة مع (عاين): “لحظة إطلاق الرصاصة الأولى للحرب في السودان، كنت بذاكر في دروسي، ومستعدة للجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية، وكان لدي شقف وأحلام كثيرة بتحقيق نسبة نجاح عالية ودخول جامعات بعينها، ولكن حل القتال دون ذلك ، وكان بمثابة تسونامي دخل على حياتي.

حاولت الالتحاق بمدارس جنوب السودان في كمبالا، ولكن التكاليف والرسوم الدراسية عالية لا نستطيع توفيرها ونحن في وضع لجوء، لذلك قررت البقاء في المنزل.

طالبة

وتضيف: “طلبوا مني مستندات لقبولي بالمستوى نفسه الذي كنت فيه، بالسودان، ولكن مع ظروف القتال لا توجد مكاتب حتى نستخرج الأوراق المطلوبة، فقد وصلنا إلى أوغندا دون أي شيء. بعدها حاولت الالتحاق بمدارس جنوب السودان في كمبالا، ولكن التكاليف والرسوم الدراسية عالية لا نستطيع توفيرها ونحن في وضع لجوء، لذلك قررت البقاء في المنزل”.

نور صابر هي الأخرى طالبة سودانية كانت تستعد للجلوس إلى امتحان الشهادة السودانية لحظة اندلاع الحرب، ولجأت إلى أوغندا حاملة معها آمال عريضة في مواصلة مسيرتها التعليمية، لكنها اصطدمت بتحدي اللغة الإنجليزية، وطلبت المدرسة مستندات رسمية كشرط لقبولها في مستواها الدراسي الذي جاءت به من السودان، وهي مسألة مستحيلة وفق ما تقول لـ(عاين).

وتضيف: “وجدت نفسي مضطرة للبقاء في المنزل، لكن أسرتي شجعتني على تعلم اللغة الإنجليزية عبر معلم خاص في المنزل، ونحن نستمر في دروسنا الآن ونشعر بتقدم”.

إحباط مشترك

ولم يعد القلق والإحباط والطلاب السودانيين فحسب، بل يمتد إلى أسرهم التي غامرت بالفرار إلى أوغندا من أجل تعليم أبنائهم بشكل أساسي، لكنهم يشعرون بأن المستقبل التعليمي لأبناهم يضيع وسط هذه العقبات التي لم تكن في حسبانهم، وفق ما تقوله نسرين فضل عبد الغني، وهي لاجئة سودانية في كمبالا لـ(عاين).

وتضيف:”لقد اصطدمنا بعقبة اللغة الإنجليزية، كانت أكبر مأساة نعيشها بعدما ذهبت بابني ذي الـ15 عاماً إلى المدرسة، وتم قبوله في الصف الثالث أساس، في حين إنه وصل المرحلة المتوسطة في السودان، حيث بكيت بدموعي في تلك اللحظة، بينما رفض الانخراط في الدراسة، لكنه وافق مضطرا في النهاية”.

في ظل استمرار الحرب وعدم وجود سقف زمني لانتهائها، يظل مستقبل أبنائي مجهولاً

والدة تلاميذ

سعت نسرين للبحث عن حلول، والتفكير في المدارس السودانية في كمبالا، وفي نهاية الأمر توصلت إلى أنه في ظل استمرار الحرب وعدم وجود سقف زمني لانتهائها، يظل مستقبل ابنها غير مضمون نسبة لاحتمالية عدم إجراء امتحانات النقل، خاصة الشهادة الثانوية، وهو ما يكون بمثابة ضياع وقت حسب تقديرها.

أم سودانية مع اطفالها التلاميذ بكمبالا

وفي المقابل، هناك لاجئون سودانيون عجزوا عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، بسبب التكاليف المالية العالية، في ظل عدم وجود مصادر للكسب المالي في هذا البلد، وشح المساعدات الإنسانية المقدمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهي مثل حالة رندا محمد التي اضطرت لأن تبقي أبناءها الـ4 خارجين عن مظلة التعليم.

وتقول في مقابلة مع (عاين): “لم نجد خياراً غير إبقاء أبنائي في المنزل؛ نظرا لعدم وجود مصدر دخل مالي، سوف ينشأ أطفالي في أمية، بينما يوجد أشخاص لا يستطيعون الحصول على الأكل، هذه معاناة كبيرة، ويجب أن تتوقف هذه الحرب ونعود إلى بلادنا”.

تأثير أكاديمي

 وترى مديرة مدرسة التفوق السودانية في كمبالا مناهل أبو قبة، أن الأسلوب الذي تتبعه المدارس الأوغندية بإعادة الطلاب السودانيين سنوات إلى الوراء سيكون له تأثير سلبي على مستقبلهم الأكاديمي، لأنهم لن يستطيعوا تعلم الإنجليزية بهذه الصيغة؛ نظراً إلى أنه يُشْرَح العديد من المفاهيم للطلاب باللغة الأوغندية المحلية، ففي المستقبل سيجد الطلاب السودانيين أنفسهم لا يعرفون الإنجليزية ولا العربية.

وشددت في مقابلة مع (عاين) بأن الطلاب السودانيين عندما يقضون وقتا طويلا في المدارس الأوغندية، ويجدون أنفسهم غير قادرين على الاستيعاب، سيتسربون من المدارس، وتصبح أزمة أكاديمية كبيرة.

طرحنا بعض المعالجات لتعلم اللغة الإنجليزية بشكل منفصل عبر معلمين أوغنديين

مديرة مدرسة سودانية بكمبالا

وقالت “أُسِّسَت مدرستين سودانيتين في كمبالا حتى الآن، وقد طرحنا بعض المعالجات لتعلم اللغة الإنجليزية بشكل منفصل عبر معلمين أوغنديين، مع وجود معلمين سودانيين محترفين لتدريس المنهج السوداني، وتمكنا من عقد امتحانات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بعدما أرسلت لنا من السودان، وقام الأمن الأوغندي بتأمينها حتى المطار، ومضت الأوضاع بسلاسة”.

وتضيف: “لِمْسِناً خطوات جادة بعقد امتحان الشهادة الثانوية، حيث خاطبتنا إدارة الامتحانات وطلبت منا ارسال الاستمارات في يوم 18 سبتمبر الجاري كحد اقصى، وهناك عدد من الترتيبات التي تمت بالتنسيق مع السفارة السودانية في كمبالا من تحديد المراكز وغيرها، فلا أرى داعياً للقلق، لأن كل المؤشرات تؤكد أن الشهادة الثانوية قائمة هذه المرة، فقط لم نعلم الموعد”.

وتعطلت العملية التعليمية بالكامل في السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي، ولم تجري امتحانات الشهادة الثانوية منذ ذلك الحين، بينما اُسْتُؤْنِفَت الدارس في الولايات الآمنة في شرق السودان والتي يسيطر عليها الجيش، لكنها تمضي بتعثر نتيجة لتحول غالبية المؤسسات التعليمية إلى مراكز إيواء للنازحين، ولاحقا كارثة السيول والفيضانات التي أوقف الدراسة قسرا.

وفيما يتعلق بالتكاليف الدراسية، تقول مناهل: إن “تكاليف المدارس السودانية أقل بالنصف عن المدارس الأوغندية الخاصة، كما نقوم ببعض الإعفاءات للأسرة التي لديها أكثر من طالب تقدير للظروف، ولم ولن نرفض قبول طالباً بسبب عدم مقدرته المالية”.