امتحانات في الحرب.. تفرقة بين الطلاب وكسب سياسي

عاين- 5 أبريل 2024

نحو عام من الحرب في السودان، تعطلت العملية التعليمية وأغلقت المدارس وتحولت إلى دور إيواء للنازحين، لكن قراراً مفاجئاً من وزارة التربية والتعليم بإعلان موعد لامتحانات الشهادة السودانية أربك الطالب “محمد سليمان” الذي يقيم في معسكر لاجئين بأدري التشادية، وبدا حائرا بعدما نسي كل ما درس ويعلم أنه لن يتمكن من الجلوس إلى الامتحان وذهنه ممتلئ بالقتل والانتهاكات، وفقد أسرته في أثناء الحرب التى بددت حلمه بأن يصبح مهندس شبكات اتصالات.

يقول محمد سليمان في مقابلة مع (عاين)، أن “صعوبات كثيرة في ظل الحرب تحول دون جلوسه للامتحان منهاالبيئة القاسية والظروف المعيشية والأحداث التي جعلت حالته النفسية لا تسمح بذلك”.

وكانت وزارة التربية والتعليم في السودان، حددت الحادي عشر من شهر يونيو القادم موعداً لامتحانات الشهادة السودانية.

طالب: نحن غير مهيئين لنمتحن، وفي ذات الوقت تمضي بنا السنين، وتتسع رقعة الحرب كل يوم.

يُعلق طلاب وأسرهم على إعلان موعد امتحانات الشهادة السودانية وواقعهم بعد الحرب. وتؤكد إسراء أنور، طالبة، أنها غير مستعدة للجلوس إلى الامتحان، وأضافت في مقابلة مع (عاين): “نحن نعيش في واقع حرب كان لدينا أهداف، ولكن الحرب هدمتها، لا نستطيع إكمال دراستنا، وفقدنا أسرنا ومنازلنا.. كيف نمتحن تحت هذه الظروف بدون كتب ومعلمين، وأنا لست مستعدة حتى وإن حدد موعد الامتحان لا يمكننا ذلك، يحتاج الأمر إلى تهيئة المناخ كيف للاجئ، ويعيش في الحرب أن يتمكن من الامتحان”.

رقعة الحرب تتسع

فيما أبدى الطالب، علي حسن الطاهر، من منطقة جبل أولياء- جنوبي الخرطوم، عدم استعداده لامتحانات الشهادة السودانية. وقال: “نحن غير مهيئين لنمتحن، وفي ذات الوقت تمضي بنا السنين، وتتسع رقعة الحرب كل يوم، والأوضاع غير مستقرة نحتاج خمسة أشهر على الأقل بعد وقف الحرب وترتيب أوضاعنا، ومن ثم تبدأ إجراءات التسجيل”.

فيما يعتقد عبد الكريم، والد طالب ممتحن من غرب دارفور، أنه يجب أن تنهي الأطراف المتقاتلة الحرب حتى يتمكن ابنه من التعليم، ويتٍسأل كيف يتعلم أشخاص دفن ذويهم أحياء؟.

وقال في مقابلة مع (عاين): “تركنا كل شيء خلفنا قسراً وأهم ما فقدناه تعليم أبنائنا في كل المراحل الدراسية لمدة عام كامل، ونتمنى أن يتعلم أبناءنا، ولكن كيف ذلك في ظل الحرب، حتى بعد أن لجأنا إلى تشاد لم نجد مدارس.. لدي ولد وبنت وعلمت أن هناك إحصاء للطلاب في منطقة أبشي  التشادية لامتحان الشهادة، لا أدري كيف يتمكن أبنائي من الجلوس إلى الامتحان بعد أن قُتِل إخوتهم في البيت في هذه الحرب وما زالوا متأثرين إلى حد بعيد لذلك.. من الصعب أن يمتحنوا الأمر بشع جداُ”.

وعلى الرغم أن مدينة بورتسودان من المناطق الآمنة في السودان، إلا أن الطلاب هناك أبدوا عدم قدرتهم على الانتظام في الدراسة والجلوس لامتحانات الشهادة السودانية،  وقال الطالب أحمد إبراهيم، أن الظروف غير مساعدة للدراسة والامتحانات، وقال لـ(عاين): “إذا تجاوزنا العقبة المادية نحن كطلاب غير جاهزين، وهذا ليس وقتاً مناسباً للجلوس للامتحان، لم نُدرّس ونحتاج إلى وقت طويل نحن لم نكمل المقررات قبل الحرب، يلزمنا وقت لاسترجاع ما درسناه، ولكن أن لم تتوقف الحرب لا يمكن ذلك”.

ووكانت ولاية البحر الأحمر أعلنت عن بداية فتح المدارس بالولاية في الرابع عشر من أبريل المقبل، وفي تصريح للمكتب الإعلامي قال والي الولاية؛ “نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد واجهتنا العديد من التحديات تمثلت في الظروف التي مرت بها، واستقبال الولاية لأعداد كبيرة من المواطنين من الولايات الأخرى وإيوائهم في المدارس بجانب عدم صّرف المرتبات في حينها، وأكد أنه ذُلِّل العديد من التحديات والمعوقات المتعلقة باستئناف العملية التعليمية بالولاية،  وبعد التفاكر مع قطاع التربية والتعليم وشركاء العملية التعليمية بالولاية عليه تقرر فتح المدارس بجميع محليات الولاية”.

مناطق بين سيطرتين

تطرح المعلمة في مدينة الأبيض، آمنة سليمان تاج الدين، عدداً من التساؤلات تدور حول كيف يستقيم أن تقوم الامتحانات في وقت تلحق فيه الحرب مدينة تلو الأخرى، وتقول لـ(عاين): “إذا سلمنا بتسجيل امتحانات الشهادة السودانية في محلية شيكان، هناك سبعة محليات بعضها مركز أساسي لقوات الدعم السريع.

وتابعت: “كيف يكون التسجيل ومتى في المحليات المسيطر عليها، وإذا كان في المحليات كلها؟ هل يعقل نساوي طالب في ولاية متأثرة بالحرب، وطالب في ولاية أخرى بعيدة البعد كله عن الحرب، ويصبح امتحان الشهادة محلياً وليس قومياً، من ناحية أخرى هل الطالب مهيأ للامتحان؟ لأن (90%) من الطلاب غير مؤهلين أكاديميا، إضافة للجانب النفسي والمدارس غير مهيئة للجلوس للامتحان، ولم تخل القرى بعد من الدعم السريع والمعلم لم يصرف مستحقات لمدة عام كامل”.

وأردفت:”لنفترض أن الطالب هيأ نفسه كيف تتم معالجة النواحي الأمنية، إضافة إلى ذلك طباعة الامتحان وتوصيله هل يجلس الطلاب أمنيين للامتحان؟، ما لم يتوفر أمن تام لن ينجح الأمر، والطلاب ذهنهم خالي تماما من الأكاديميات، وعاش الطلاب فراغاً طويلاً لما يقارب العام، وتحولت اهتماماتهم إلى الأسلحة وأنواعها، وأصبحت ثقافتهم عسكرية”.

ولكن مدير الامتحانات وشؤون المدارس بالمرحلة الثانوية في الأبيض، حامد أحمد عبدالله عثمان، يؤكد أن بداية حصر الطلاب وتسجيلهم في الولاية بمحليات شيكان “كان كاملاٍ ومتميزاً وبنشاط ما يؤكد أن الطلاب لديهم رغبة في الجلوس للامتحان، ولكن واجهتهم تحديات في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع منها مناطق الرهد وأم روابة وأحيانا شبكة الاتصالات لا تساعد على عملية الحصر، رغم ذلك طغت رغبة الطلاب، وكونوا شبكات وتجمعات وأكدوا تسجيلهم، وإلى الآن تم حصر (90%) من الطلاب للشهادة الثانوية، ودخلت في المراحل الأخيرة، وبدأت عمليات الإدخال للطلاب الذين حُصِرُوا من الولاية والوافدين، ومسؤولية الوزارة الاتحادية أن ترتب للامتحانات والأمن تحديدا وجدول زمنياً للدراسة والمراجعة”.

وقال عثمان في مقابلة مع (عاين):”أقمنا ورشة بمشاركة عدد من المنظمات الداعمة خاصة أن المدارس تحولت إلى دور إيواء، وتقول المنظمات إن المعسكرات يفترض أن تكون خارج المدينة، ولكن حتى لا أرى أن هناك إخلاء للمدارس، ويجب أن تكون مراكز الامتحانات خالية من أي نازحين في ظل الظروف لا يوجد استقرار بالصورة الطبيعية؛ لأن القتال مستمر ما لم يكن هناك أمن واستقرار لا يمكن أن يكون هناك امتحان شهادة سودانية”.

كسب سياسي:

يرى الخبير التربوي، علي سعيد، أن إعلان موعد امتحان الشهادة السودانية مع استمرار الحرب كسب سياسي، ولكنها محاولة فاشلة؛ لأن التعليم لا يتجزأ في داخل المجتمع الواحد، ولا يمكن تعطى هذا، وتمنع ذاك خاصة في ظروف الحرب، وانعدام الأمن حتى في الولايات التي لم تصلها الحرب والقلق وعدم الاستقرار مع التكلفة الباهظة في البلدان الأخرى كمصر وباقي البلدان العربية. ويقول سعيد: “هي محاولة غبية للكسب السياسي”.

 خبير تربيوي:  فكرة فتح المدارس وإعلان الامتحانات غير سليمة وتسلب حق التساوي في التعليم، كأنما تعاقب الناس في مناطق الحرب.

ويؤكد سعيد، أن فكرة فتح المدارس وإعلان الامتحانات غير سليمة وتسلب حق التساوي في التعليم، ولا يمكن أن يكون التعليم مجزأ بهذا الشكل في دول الخليج ومصر والمناطق التي ليس بها حرب وكأنما نعاقب الناس في مناطق الحرب، وهذا خلل كبير جداً، ومن الناحية الفنية البحتة لا يمكن أن تبني عاماً دراسياً منقوصاً يحتاج إلى عمليات فنية دقيقة جداً، ولا يوجد تعليم في ظل حرب ومع غياب الأمن لا يوجد تعليم، والحديث عن مناطق آمنة في السودان ليس سليما كل من المناطق تخاف أن تطالها الحرب. وأضاف لـ(عاين):”المعلمون في السودان منذ الإنقاذ يعيشون أوضاع سيئة وأحيانا يستلمون مستحقاتهم بعد فترات طويلة”.

ويشير سعيد، إلى أن الأساس هو إيقاف الحرب، والتعليم مرتبط بكل شيء، وبدون تعليم لا توجد ثقافة ولا كادر بشري ولا وعي حتى المعلمين معظمهم نازحين أو مهاجرون، والحقيقة أن الجهود يجب أن تكون في إيقاف الحرب وبالتالي قضايا التعليم الذي لا يمكن أن يتم في خلال الحرب.

لجنة المعلمين السودانيين تقول إنه وفي ظل هذا الوضع لا يمكن أن تكون هناك امتحانات شهادة سودانية، وتشدد عضوة اللجنة، قمرية عمر، أنه إجرائيا من الصعب قيام الامتحانات مع استمرار الحرب، والتجهيز للامتحانات يتم قبل فترة طويلة، وفي الوقت الحالي غير ممكن، وتحضير المدارس وتوفير الإجلاس والكهرباء وتخزين الامتحان وترحيله وتأمين الطلاب من بيوتهم إلى المدارس، وفي أماكن الحرب تهدمت المدارس ونهبت، وفي المناطق الآمنة تحولت إلى دور إيواء.

وزادت قمرية: “تأمين الامتحانات في ظل الحرب من الصعوبة بمكان حتى قبل الحرب يحدث تسريب رغم التأمين، والطالب نفسه لم يكمل المقرر.

لجنة المعلمين: قرار قيام الامتحانات خطر وتفرقة تولد الغبن، وربما يكون الطلاب المحرومون نواة لمليشيات في المستقبل.

وتنظر قمرية، إلى الطلاب الموجودين بالمناطق التي بها حرب، وترى انه هناك عدم مراعاة لأوضاعهم، وأنهم بهذا القرار أصبحوا خارج الخارطة التعليمية، وتعتقد في مقابلة مع (عاين) أن “هذا خطر، ويقود إلى تبعات اخرى، ويعتبر تفرقة ومستقبلا سيفرخ الغبن والتهميش، وربما يكون هولاء الطلاب نواة لمليشيات نتيجة حرمانهم من حقوقهم”.

وتشير عمر إلى ان المعلمين “ركيزة العملية التعليمية”، وهو عصب لجان المراقبة والتصحيح لم يستلموا مستحقاتهم منذ 11 شهراً، ومشردين تماماً وقتل عدد منهم في الحرب كيف سيتم تكوين لجان الامتحانات إلا إذا ستُكَوَّن من الجيش والمليشيات المساندة له. وأضافت: “هذا غير واقعي وليس سليماً، وأعتقد أنه قراراً على الورق ومخاطبة المجتمع الدولي بأننا مسيطرون والأمور المستقرة، وأتوقع أن لا تقوم الامتحانات، ولا يمكن أن تطبيق القرار واقعياً على الأقل في الزمن الذي حُدِّد “.