السودان: التعليم في وضع صعب والمعلمون “تحت خط الفقر”
عاين- 24 أغسطس 2025
مع استمرار الحرب في السودان، يزداد وضع التعليم العام في البلاد تعقيدا في مناطق سيطرتي الجيش والدعم السريع. وسط مخاوف لجنة المعلمين السودانيين من تبديد السلطة التابعة للجيش السوداني في بورتسودان مبلغ 400 مليون دولار تنوي منظمة اليونيسكو دفعها لإعادة 17 مليون طفل إلى المدارس.
وحسب بيانات اليونسكو، فمن بين 17 مليون طفل في سن الدراسة داخل السودان لم يعد سوى 3 ملايين إلى مقاعدهم، بينما ظل 14 مليونا خارج المدارس، بينهم 6 ملايين كانوا محرومين من التعليم قبل اندلاع الحرب، كما لم يتمكن 8 ملايين طفل من العودة منذ تفجر الصراع. وقالت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) في وقت سابق إن نحو 10 آلاف و400 مدرسة في المناطق المتضررة من النزاع أغلقت أبوابها.
فقر العاملين في التعليم
وتبين دراسة نشرتها لجنة المعلمين السودانيين- جسم نقابي مستقل- اليوم الأحد، إن العاملين في التعليم جميعا بلا استثناء، يقعون تحت خط الفقر المدقع، المعرف عامليا، بالحالة التي يعجز فيها الإنسان عن الوفاء بأدنى متطلبات الحياة، أما خط الفقر فهو (١.٩ دولار في اليوم).
وأشارت الدراسة إلى أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، هي ( مليون و٦٥٢ ألف جنيه سوداني) وتعادل (٤٨٥ دولار تقريبا). وبحسب الدراسة- فإن المرتب الأساسي للدرجة (١٧) مدخل خدمة العامل وهو (١٢ ألف جنيه سوداني) أي ما يعادل ثلاثة دولارات ونصف تقريبا، في الشهر. بجانب مرتب الدرجة التاسعة وهي مدخل خدمة المعلمين ( ٢٨ الف و٨٠٠ جنيه سوداني) وتعادل ( ٩ دولارات فقط) في الشهر. وأشارت الدراسة إلى أن المرتب الأساسي للدرجة الأولى لمعلم عمل ما يقارب الثلاثين عاما، في الخدمة، (٩٦ ألف جنيه سوداني) يعادل (٣٠ دولارا فقط) في الشهر.

ويرى المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر في مقابلة مع (عاين)، أن السلطة الحاكمة في بورتسودان تريد فرض واقع قسرياً على المواطنين بالانسحاب من الالتزامات والمسؤوليات في تمويل التعليم. مشيرا إلى أن عناصر النظام السابق عادوا إلى إدارات التعليم، ويوزعون الفرص فيما بينهم للحصول على الحوافز المالية مقابل مدارس متهالكة وتعليم شبه مشلول.
وفي 17 أغسطس 2025 أصدر وزير التعليم والتربية الوطنية في حكومة كامل إدريس قرارا بإعفاء أبناء قتلى المعارك العسكرية التابعين إلى القوات المسلحة والطلاب المشاركين في جبهات القتال من الرسوم الدراسية، بينما تعتزم منظمة اليونسكو تمويل التعليم العام في السودان بـ 400 مليون دولار لإعادة 17 مليون طفل إلى المدارس تخشى لجنة المعلمين من تبدد التمويل وسط فوضى وعدم شرعية الحكومة القائمة في بورتسودان.
وتقول معزة ناصر وهي ناشطة مجتمع مدني شمال السودان لـ(عاين): إن المدارس الحكومية تعاني عجزاً كبيراً في مقاعد الإجلاس والمعينات وعدم انتظام أجور المعلمين وتآكل قيمتها دفعهم إلى عدم الحماس بالعودة إلى العمل.
وتضيف: “عشرات المعلمين غادروا الولاية الشمالية ونهر النيل أغلبهم من أكفأ العناصر غادروا إلى مصر والمملكة العربية السعودية خلال العامين الماضيين بحثا عن حياة اقتصادية أفضل”.
وتعتقد معزة ناصر أن التمويل الحكومي على التعليم العام شبه معدوم، ولا توفي وزارة المالية بالأجور بشكل كامل في جميع الولايات محذرة من دفع العائلات الأطفال القصر إلى التجنيد العسكري؛ لأن المعلومات الأولية تشير إلى تواجد قرابة 22 طفلاً قاصراً ضمن المجموعات المسلحة شمال البلاد.
وتابعت: “إذا استمرت الأوضاع بهذه الطريقة ستكون هناك نسبة مرتفعة لزواج الطفلات وإبعادهم عن التعليم، بينما ستدفع العائلات الفقيرة الأبناء إلى معسكرات التجنيد للحصول على الأجور الشهرية”.
التعليم في مناطق سيطرة الدعم السريع
أما في إقليم دارفور حيث تخضع أغلب مناطقه تحت سيطرة قوات الدعم السريع، رغم إعلان الإدارات المحلية التي شكلت بواسطة هذه القوات استئناف المدارس بالمقابل لا تزال حالة من عدم اليقين تسود وسط العائلات مع خلو أغلب المدن والقرى من غالبية السكان نتيجة أعمال العنف.
تتهم لجنة المعلمين السودانيين “هيئة نقابية” الحكومة القائمة في بورتسودان، والتي تهمين عليها القوات المسلحة بعدم الاكتراث بالخدمات المتعلقة بالتعليم في ولايات دارفور وكأنها تتعمد دفعهم إلى الانقسام الإداري تمهيدا لفصل الإقليم.
وتقول زهرة النور الناشطة في مجال التعليم المجاني في شرق دارفور لـ(عاين): إن “عشرات الآلاف من العائلات تفرقت بين دول الجوار والولايات الآمنة نسبيا، ولا يمكنهم معرفة مصير الأطفال، كما أن الإدارات المحلية التابعة لقوات الدعم السريع لم تضع الخطط الكفيلة لجذب الأطفال؛ لأن انعدام الأمن يجعل الناس يصرفون النظر عن العودة.
تشير هذه المتطوعة في مجال التعليم بالمناطق النائية إلى أن الفئة الأكثر تضررا من الحرب هم الأطفال الذين تفرقوا مع عائلاتهم في مخيمات تشاد وجنوب السودان وأوغندا وأفريقيا الوسطى، وهؤلاء عددهم لا يقل عن ثلاثة مليون طفل.
ودمدني.. التعليم لمن لديه المال
أما في مدينة ودمدني أواسط السودان، بينما تعمل مدارس القطاع وسط المدينة التي عادت إلى سيطرة الجيش السوداني في يناير 2025 تشكو المدارس الحكومية من صعوبة الحصول على المعينات اليومية.
ويقول معلم بحي دردق شرق مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة لـ(عاين): إن “التعليم الخاص هو الأكثر نموا في المدينة، ومن يملك مليون إلى 1.5 مليون جنيه سنويا يرسل طفله إلى مدرسة خاصة. أما الفقراء وهم الغالبية لا يمكنهم فعل ذلك”.
وأردف: “لا توجد مجانية في التعليم خاصة المرحلة الابتدائية والمدارس الحكومية تنقصها طواقم المعلمين والمعينات ومهترئة، وتحتاج إلى الصيانة وما لا يقل عن 200 ألف طفل يتضررون من عدم وجود تمويل منتظم للتعليم العام”.