الشهادة الثانوية بالسودان.. طلاب خارج قاعات الامتحان
عاين- 24 أكتوبر 2024
تسمع سارة خلف الله وهي طالبة في الصف الثالث ثانوي وما تزال عالقة في مناطق الحرب شرقي الخرطوم، بقرب موعد انعقاد امتحانات الشهادة الثانوية، وهو حلم ظلت تنتظره لأكثر من عام ونصف، لكنها لم تتلق حتى اللحظة أي مؤشرات توحي بأنها ستكون ضمن الطلاب الجالسين للامتحان، نظرا لوجودها في منطقة تسيطر عليها عسكريا قوات الدعم السريع.
وتحت نيران البنادق تداوم سارة على الذهاب إلى مدرسة خالد بن الوليد في ضاحية أركويت شرقي العاصمة الخرطوم التي شُغِّلَت بجهد أهلي ومعلمين متطوعين، طوال عام مضى، بينما تعود إلى منزل عائلتها في المساء، وتراجع دروسها بكشاف الهاتف الخلوي في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وهي غير مكترثة لكل هذا العناء في سبيل رغبتها بالبقاء في بيئة تعليمية وانتقالها إلى مراحل متقدمة.
لكن أحلام سارة خلف الله وآلاف الطلاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وولاية الجزيرة، وإقليمي كردفان ودارفور غربي السودان، قد تتبدد مع إصرار وزارة التربية والتعليم السودانية تحديد مراكز الجلوس إلى امتحانات الشهادة الثانوية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، والتي تقع شرق وشمال ووسط البلاد.
وأعلن المفوض بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم أحمد خليفة في تصريح صحفي نهاية شهر سبتمبر الماضي، أن وزارته اعتمدت يوم 28 ديسمبر المقبل موعداً لبدء امتحانات الشهادة الثانوية لدفعة 2023 المؤجلة، كما ستُعْقَد امتحانات الثانوية لدفعة 2024 بعد ثلاثة أشهر من ن آخر جلسة لامتحانات الدفعة المؤجلة، حيث تشمل الامتحانات الطلاب والطالبات الذين لم يتمكنوا من الجلوس للامتحانات في موعدها المؤجل.
إجراء مجحف
لم تتحدث وزارة التربية والتعليم السودانية، عن مصير طلاب وطالبات الشهادة الثانوية العالقين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وكيفية جلوسهم للامتحانات المرتقبة، وما تحتاجه من تدابير وإجراءات مبكرة، لكنها أكدت أنها ستعتمد كشوفات الطلاب الممتحنين للشهادة السودانية التي أُرْسِلَت قبل اندلاع الحرب الحالية.
ويشير الصادق محمد وهو ولي أمر أحد الطلاب المقرر جلوسهم لامتحان الشهادة الثانوية في ولاية غرب كردفان في حديثه لـ(عاين) إلى أنهم يسمعون على نحو غير رسمي أن من يرغب في امتحان الشهادة السودانية عليه بالتوجه مبكرا للانضمام إلى المراكز المعتمدة في المناطق الآمنة التي تخضع إلى سيطرة الجيش، وهو ما يعني أن مسألة تحديد مراكز في الأماكن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع غير واردة.
ويرى أن ما يتم يعتبر إجحافاً في حق ابنه، وكل الطلاب والطالبات في منطقته، فهو لا يستطيع السفر والإقامة في الولايات الآمنة؛ نظراً للتكاليف المالية العالية لهذه العملية في ظل توقف مصادر دخله المالي، وبالكاد يتمكن من توفير المواد الغذائية الأساسية لعائلته، فضلاً عن التهديدات الأمنية التي قد تعترض رحلته خاصة مع حدة الاستقطاب والتجاذبات الجهوية والمناطقية التي تشهدها البلاد.
وعطل اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي، عقد امتحانات الشهادة الثانوية التي كان مقرراً أن يجلس لها أكثر من 500 ألف طالب وطالبة، كما توقفت العملية التعليمية في كل أنحاء السودان، قبل أن تُسْتَأْنَف الدراسة بعد أشهر في الولايات الخاضعة إلى سيطرة الجيش.
وأخلت السلطات في الولايات تحت سيطرة الجيش آلاف النازحين من المدارس التي كانوا يتخذونها كمراكز إيواء، بغرض استئناف الدارسة في مرحلتي الأساس والثانوي، ومن ثم بدء التحضير لامتحانات الشهادة السودانية، في حين ظلت الدراسة متوقفة في معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
تعليم تحت الرصاص
لكن سارة خلف الله وعدد من زملائها العالقين في مناطق الحرب بالخرطوم تمكنوا من البقاء في بيئة تعليمية مليئة بصخب البنادق والقصف المدفعي وبالطائرات، من خلال مدرسة خالد بن الوليد في ضاحية أركويت التي تم فتح بجهد شعبي ومعلمين متطوعين، ورغم العناء ربما يحصدون سرابا إذا لم يتمكنوا من الجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية.
وتقول سارة لـ(عاين) “في بداية الحرب كنا نعيش فراغاً وخوفاً وقلقاً، لكن بعد أشهر تم افتتاح هذه المدرسة بالقرب من منزلنا، فكانت فرصة لمواصلة التعليم، أذهب إلى المدرسة، وأعود إلى البيت في المساء، لنبدأ رحلة البحث عن مياه للشرب، وفي الليل اذاكر دروسي بضوء فلاش الهاتف الخلوي، كما تنقطع الاتصالات والكهرباء، ومع ذلك فإنني لا اعرف مصيري، هل سأتمكن من الجلوس لامتحان الشهادة أم لا؟”.
وأُعِيد فتح بعض المدارس في ضاحية أركويت والطائف، وبري التي تقع ضمن نطاق سيطرة قوات الدعم السريع، بجهد شعبي ومبادرة متطوعي غرف الطوارئ، وجميعها تضم طلاب وطالبات ممتحنين الشهادة الثانوية، ولكن لا يعرف مصيرهم.
ويقول المدير الإداري لمدرسة خالد بن الوليد في ضاحية أركويت شرقي الخرطوم، إسماعيل أحمد عبد القادر لـ(عاين) إن مدرسته تضم نحو 450 طالبا وطالبة، وتعمل بجهد ذاتي، وتطوع 45 معلماً ومعلمة من المنطقة دون أجر على مدار عام مضى، لكن يمضون في عملية تعليمية يتيمة، فهناك عدد مُقَدَّرٌ من الطلاب والطالبات ممتحنين الشهادة الثانوية، ولا يعرف ما يواجههم من مصير.
وشدد عبد القادر على ضرورة أن تكون هناك تدابير واضحة تمكن الطلاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع من الجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية، سواء كان من خلال المنظمات الوطنية أو الأممية المتخصصة في مجال التعليم أو غيرها، فخوض هذه الامتحانات حق أصيل لكافة الطلاب، ويجب ألا يترك إلى صلف الأقدار والصدف.
وحث طرفا حرب السودان إلى عدم الزج بالعملية التعليمية في المسائل السياسية، وينبغي أن تتاح للجميع دون تمييز، قبل أن يناشد المنظمات المعنية بالتدخل لإنقاذ مستقبل الطلاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع وتمكينهم من الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية المقرر إجرائها في يوم 28 ديسمبر القادم.