“كورونا” يوجه ضربة جديدة للاقتصاد السوداني المتهالك
عاين – 19 مارس 2020م
ضربة جديدة يوجهها فايروس “كورونا” للاقتصاد السوداني المتدهور على مستوى قطاعات مهمة، والسودان لم يكن بمعزل العالم ومحيطه الاقليمي المتأثر تفشي الفايروس، وعلى النسق العالمي للإجراءات الاحترازية، سارعت الحكومة السودانية للتحوط واعلان الطورائ الصحية في البلاد التي وإغلاق المطارات والمعابر البحرية والبرية مع عدد من الدول من بينها دولة الصين اكبر شريك تجاري مع السودان.
ايام مضت على هذه القرارات الحكومة الاحترازية، لتسود بين السودانين حالة من الترقب الحذر، في مواجهة اسواق تضاعفت فيها أسعار بعض السلع الاستهلاكية المستوردة، بمقابل توقعات اقتصادين بخسائر فادحة في العديد من القطاعات الحيوية كالوارد و الصادر من المواشي والذهب والطاقة والنقل وما يترتب عليه من تناقص في الدخل القومي الإجمالي. وتوقعات هذه الخسائر تجابهها المؤسسات الحكومية ذات الصلة بصمت حيال تأثير “كورونا” على اقتصاد البلاد على المديين القصير والطويل.
مليون دولار يومياً
توقع الخبير المالي، بشارة الأمين محمد نور، فى حديث لـ(عاين)، ان تصل حجم الخسائر المالية بسبب الإجراءات الحكومية لمحاصرة فايروس كورونا الى مليون دولار فى اليوم الواحد بسب قلة الإجراءت الرسمية، سيما إغلاق المعابر يؤثر على الإيرادات الداخلة فى موازنة الدولة وتؤثر كذلك على إنسياب المواد الخام التي تتحول الى منتجات كاملة الصنع، واضاف بشارة، ” هذه الإجراءات تؤثر على الإقتصاد وميزانية الدولة بحيث يكون عجزاً يومياً بسبب قلة الإيرادات، كذلك يكون هناك تأثير مباشر على الإستثمار الأجنبي، لا يستثني عن ذلك حركة البضائع والنقل داخل السودان والنقد المحلي والنقد الأجنبي”.
وبحسب بشارة، “الدولة من الممكن ان تضع حلولاً تجنب الإقتصاد السوداني الإنهيار مثل العيادات المتحركة وآليات مشتركة من وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات الحكومية لتتمكن من التحوط ومحاربة الفايروس لاستمرار دولاب العمل”.
غلاء أسعار
الأسواق السودانية التي تعاني ارتفاعاً متكرراً في اسعار السلع والمواد الضرورية، إلا ان هذه الازمة تفاقمت وسجلت بعض أسعار السلع الضرورية ارقاماً قياسية، وكشفت جولة لـ(عاين)، عن تضاعف اسعار بعض السلع حفاضات الاطفال الذي كانت تبع الـ 40 قطعة منه بحوالي 550 جنيها ليصل إلى 670 جنيها-حوالي 7 دولارات- وكذلك تضاعفت اسعار معجون الاسنان المستوردة واسعار الصابون.
وزادت كذلك اسعار بعض الحلويات المستوردة، الى جانب العصائر، وقفز سعر صندوق الاناناس من 170 جنيه.وعصير التانك 2 كليو من 1000 جنيه الى 1500 جنيه، بجانب زيادات اخرى في الزيوت المستوردة وقفزت عبوة 2 لتر من زيت يارا، وكريستال إلى 490 جنيه بدلا عن 260 جنيه. فيما بلغت 12 قطعة من فاكهة التفاح المستورد 600 جنيه، بواقع 50جنيها للقطعة، وبلغ كيلو العنب 500 جنيها والبرتقال المستورد 400 جنيه والرمان 600 جنيه.
“هنا في الاسواق الخسارة فادحة جداً”، يقول الخبير الإقتصادي ، كمال كرار، “نعم هناك خسائر كبيرة ستطال القطاعات المختلفة فى الزراعة والصناعة وحركة النقل، والإستيراد والتصدير والإنتاج والمنتجين، لكن الخسارة الفادحة هي خسارة الكادر البشري.. هذه الإجراءات ستسبب فى كساد سيما ان حركة الناس باتت قليلة للغاية والطلب قليل ولهذا اثره الكبير على حركة السوق الداخلي.
ويطالب كرار في مقابلة مع (عاين)، الحكومة بدعم القطاعات المتأثرة كما فعلت الكثير من الدول، وان تضع وزارة المالية الأولوية لمكافحة الفايروس ودعم قطاعات النقل وكل القطاعات الإنتاجية والصناعة وغيرها كلها تحتاج الى دعم مادي، ويضيف “صحيح ان الحكومة خارجة من ازمة إقتصادية لذا يجب عليها التواصل مع اصحاب العمل والمزارعين في الإجراءات التي ستتخذها .”
إغلاق المطارات السودانية امام حركة المسافرين، له تأثيره البالغ على قطاع وكالات السفر والسياحة في السودان ورجال الاعمال، وتتوقع الموظفة في شركة للسفر والسياحة في العاصمة السودانية، شيراز مختار، تكبد هذا القطاع خسائر فادحة خلال الايام المقبلة، وتقول لـ(عاين)، “الوكالة التي اعمل بها اعادت لها الممكلة العربية السعودية نحو 34 سودانياً كانوا بصدد اداء الشعيرة الدينية- العمرة- في السعودية، 18 منهم تمت إعادتهم عبر مطار الخرطوم و 16 من ميناء سواكن شرقي السودان”، واضافت مختار تكلفة الشخص الواحد عبر بحرا تتجاوز الاربعين الف جنيه، بينما بالطيران أكثر من ستين ألف جنيه”.
واكدت شيراز، أن أصحاب الوكالات سيتكبدون خسائر مالية كبيرة حال طالب المعتمرين برد مستحقاتهم التي ذهبت لاستخراج التأشيرات وتذاكر الطيران والنقل والسكن بالفنادق داخل المملكة والخدمات. واشارت الى أنه حال تفهمت الشركات السعودية المتعاقدة معهم الموقف فمن الممكن اقتسام الخسارة فيما بينهم. ولفتت إلى أنه برغم من عودة الأفواج الا أن المواطنين تكبدوا خسائر حجز الفنادق في سواكن وتذكرة البص من الخرطوم الى بورتسودان والعكس، وتقول “هذه وكالات سفر واحدة فما بالكم من مئات الوكالات في العاصمة والولايات التي واجهت نفس الظروف”.
تباين التقديرات الرسمية
على المستوى الحكومي، بدت المؤسسات الرسمية اكثراً انشغالاً بمكافحة المرض والحد من انتشاره، وكل المؤسسات الرسمية التي تحدثت اليها (عاين)، بدأ انه من المبكر لديها تقدير التأثير على العملية الاقتصادية كل في مجاله. وهذا ما ذهب إليه مسؤول رفيع في وزارة النفط السودانية فضل حجب اسمه، واجاب على سؤال مراسلتنا حول تأثير ازمة “كورونا” على القطاع النفطي باقتضاب، “الوقت لا يزال مبكراً لتقييم حجم الخسائر التي سببتها الإجراءات الحكومية بسبب جائحة كورونا.. كل الحكومة التنفيذية منشغلة بتوفير وضع آمن لكل المواطنين فى السودان، ولكن بالتأكيد ستكون هناك خسائر كبيرة جداً ” .
ومن جهته، قلل مسؤول كبير في هئية الموانئ البحرية بميناء بورتسودان شرقي السودان وهو الميناء الرئيس للبلاد، “من تأثير الإجراءات التي إتخذتها حكومة السودان فى مواجهة إنتشار فايروس كورونا”، وقال لـ(عاين)، “اليوم الخميس هو الأول لوقف حركة السفن فى الميناء لايوجد اثر إقتصادي، واضح قد يظهر ذلك بعد مرور الأسبوع الأول يمكن القول ان سفن الركاب هي التي تضررت بشكل مباشر غير ذلك فإن حركة الميناء شبه طبيعية لأن هناك سفن محملة بالبضائع وغيرها موجودة فى الميناء بالفعل وسيتم تفريغها خلال الايام القادمة، غير ان هناك بضائع موجودة داخل الهانكر ويجري نقلها”.
بالمقابل، توقع أمين مال الغرفة القومية للمصدرين محمد سليمان محمد حسين، خسائر فادحة جراء كورونا، على حركة الصادر، وقال حسين لـ(عاين)، “الوقت لايزال مبكر للحديث عن أرقام ولكن من المحتمل أن تمتد الأثار السالبة الى نهاية العام وأشار إلى تاثر صادر المواشي الحية مع المملكة العربية السعودية الذي تقدر نسبته بنحو 60٪ من إجمالي الصادر، إلى النصف تماماً”. وأوضح سليمان، ان الغرفة تمكنت بالامس من الحصول على موافقة إدارة الجمارك بالسماح بتصدير المواشي السودانية لدولة مصر التي لم تغلق حدودها مع السودان.
شكوى حكومية
المطالبات بتوفير الدعم المالي اللازم لمواجهة فايروس كورونا، تقابلها الحكومة السودانية بدعوات عاجلة لتغطية مالية لمجابهة المرض، ويقول عضو اللجنة العليا للطوارئ الصحية، أمين سعد، لـ(عاين)، “مراكز الإيواء التي تم تحضيرها للحجر الصحي والكادر الطبي وغيره من التحوطات اكبر من إمكانيات الحكومة السودانية وتمثل ضغطاً إقتصادياً كبيراً، والحكومة نفسها تحتاج الى دعم، ولابد من وجود مصدر لتغطية المتطلبات”، وزاد “نحتاج ميزانيات إحتياطية، ودعم عالمي لأن الفايروس خطر كبير جداً “.
وفي هذا الصدد يقترح استاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، عصام الزين، تخصيص ميزانيات ضخمة لدعم الصحة ومحاجر عزل لائقة، حتى اذا كان ذلك خصما على ميزانيات الأمن والدفاع”.