السودان: الاقتصاد عقبة الحكومة الانتقالية..ماذا يقترح الخبراء للحل؟
عاين – 11 فبراير 2020م
إلى جانب تحديات عديدة تواجهها حكومة الثورة في السودان، إلا ان العقبة الاقتصادية تمثل التحدي الأبرز من واقع تأثيرها المباشر على معاش المواطنين الذين يضيقون ذرعاً من تصاعد أسعار المواد الاستهلاكية الحياتية اليومية وندرة الضروري منها كالخبز الذي تتطاول صفوفهم أمام المخابز طلباً له، بجانب التدهور المستمر في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار وبقية العملات الأجنبية.
وإزاء هذا الواقع تطرح الحكومة الانتقالية حلولاً لا يرى فيها اقتصاديون مستقلون انها تمثل حلاً ناجعاً للخروج من الازمة مع تقديمهم مقترحات، ماهي وكيف يمكن تحقيقها؟
تضخم متزايد
ويذهب المهتمين بالشأن الاقتصادي، إلى أنّ الاقتصاد أحد العقبات أمام قاطرة الحكومة الانتقالية، فالسياسة التي كان ينتهجها نظام الانقاذ، طوال ثلاثة عقود، من حكمه، أفرزتْ تضخماً رهيباً وفق الخبير الاقتصادي السوداني، والمستشار بوزارة التجارة القطرية قسوم خيري بلال، الذي يقول لـ(عاين) بأن اقتصاد السودان يُعاني من تضخم متزايد، سببه الفوضى التي أفرزتها سياسة الانقاذ، في المضاربة في أسواق العملات الأجنبية. هذا بجانب أنّ استهلاك السودان أكثر من انتاجه، بل إنّ ما يستورده أكثر بكثير من ما يُصدره، ويعود بالتالي على الميزانية العامة بأموال صعبة.
وكان وزير المالية السوداني، إبراهيم البدوي قد رهن في ديسمبر الماضي، خروج الاقتصاد السوداني من عثراته، بضرورة رفع متدرج للدعم الحكومي على الجازولين والبنزين في موازنة 2020، على أنْ تتم إحالة مشروع الميزانية العامة. مشدداً على ضرورة الانتقال من سياسة دعم المحروقات، إلى سياسة دعم المواطن بشكل مباشر. غير أنّ البدوي، تراجع في يناير الماضي، واتفق مع ممثلين لقوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، على تجميد رفع الدعم في موازنة 2020، حتى موعد انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان، في مارس من هذا العام. وعلى ضوء ما تخرج به مقررات المؤتمر، سيتحدد بعدها، إنْ كانت الحكومة سترفع الدعم الحكومي على الجازولين والبنزين، أم تُبقي عليه.
خارطة طريق
انتقد د. قسوم الطريقة التي تنتهجها الحكومة الانتقالية، في معالجة وإدارة الأوضاع الاقتصادية، بعد الثورة. والتي يُشير فيها مباشرةً إلى عدم تغيير ميزانية الدولة العميقة. ما يُشبه الرغبة لديها في تنفيذ مقررات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لأن النتيجة ستكون كارثة محقّقة. وللخروج من الأزمة يُقدّم خيري، جملة من الاقتراحات كـخارطة طريق اقتصادية، يُمكن للحكومة الانتقالية أنْ تُخرجها من عقبتها الاقتصادية، أن نفذّتها.
وهي في جُملتها حلول داخلية، وليست من خارج الجغرافيا الاقتصادية السودانية. منها الاتجاه للزراعة، والانتاج الحيواني عبر تصنيعه. ويُضيف خيري: “في الوقت الذي ينتج فيه السودان، ويبدأ في التصدير -بعد الاكتفاء الزراعي الداخلي- في القطن والسمسم والذهب. في ذات الوقت الذي يبدأ فيه تصدير هذه المنتجات السودانية، سيبدأ في المقابل الاستقرار الاقتصادي، ولو بالتدريج. لكن خلاصته سيستقر الاقتصاد مباشرةً، وتتخطى الحكومة الانتقالية عقبة الاقتصاد، وبالتالي ستتفرغ فيما بعد لبقية العقبات”.
أسباب الاستدانة
ليس من شك، لدى المهتمين والخبراء بأنّ التدهور في الجانب الاقتصادي السوداني، تسببتْ فيه بشكل كبير سياسات نظام الانقاذ السابق، التي استنتْ سياسة التحرير الاقتصادي، ولم تستغل إيرادات النفط في العشرية الأولى من حكمها، وحتى العام 2011م، الذي كان يُوفر أكثر من “60%” من الموازنة العامة، وأكثر من “90%” من قيمة الصادرات، في تأسيس بنية يقف عليها الاقتصاد.
هذا بجانب اهتمامها الكبير باستيراد سلع عديدة تُصنّف في خانة الكمالية، ما أرهق الميزانية طوال سنواتها اللاحقة، وأدى إلى تذمّر السودانيين فيما بعد بالاحتجاج عليها، وإسقاطها فيما بعد. ويُشير خبراء اقتصاد إلى أن السودان يصرف أكثر من إيراداته، وهو ما يضَطره للاستدانة، التي تخلقُ عجزاً في موازنتها الداخلية. ويذكروا بأن السودان يُصدّر بما قيمته أكثر من ثلاثة مليارات دولار، في الوقت الذي يستورد فيه بضائع بأموال تصل قيمتها سنوياً إلى تسعة مليارات. وعليه، فإنّ نتيجة ذلك تضخما في الاقتصاد، وانخفاضاً في القيمة المحلية السودانية.
إدارة مغلوطة
من جانبه، يُقر عبد الله الرمادي، بأن مشكلة الاقتصاد السوداني تكمن في العقلية التي تُدير الاقتصاد، بالفهم المغلوط. ويقول” “هذه العقلية في الماضي والحاضر”. ويشرح الرمادي، عبر (عاين) أنّ الاقتصاد السوداني ظلّ يُدار بمنظور سياسي، دون استصحاب الخبراء السياسيين. وأنّ التشخيص الخاطيء لمن يُنظرون للاقتصاد السوداني في السابق والآن، يقود إلى معالجات خاطئة، وهي بدورها تقود إلى نتائج خاطئة.
وبالتالي فإن الحل هو تصحيح المفاهيم الخاطئة. مقترحاً، ضرورة الانتباه إلى إهدار للاقتصاد السوداني، عبر إغلاق منافذ إهلاكه، عبر عدد من الخطوات، تبدأ بالتقليل من الإنفاق والترهل الحكومي في القطاع الحكومي، وكذلك في سد الطُرق أمام التهريب للسلع ومعدن الذهب.
برنامجاً مخالفاً
الكاتب الصحفي المهتم بالاقتصاد السوداني، كمال كرار، يقول لـ(عاين) أن الاقتصاد ليس وحده عقبة الحكومة الانتقالية، لكن كل هذه العقبات مرتبطة بشكل أو بآخر به. فالسلام على سبيل المثال والتنمية لن ينعقد لهما النجاح بمعزل عن اقتصاد متعافي في السودان. ويذهب كرار إلى أنّ الحرية والتغيير، التحالف الذي قاد الاحتجاجات التي أفضتْ إلى إسقاط البشير، سلّم الحكومة الانتقالية، مقترحه المسمى “السياسات البديلة”، والذي يتضمن اقتراحات للخروج من الأزمة الاقتصادية. إلا أنّ إبراهيم البدوي -والحديث لكمال كرار- عندما تمّ تعيينه وزيراً للمالية أعلن برنامجاً مخالفاً لما تمّ الاتفاق عليه بين الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية.
السياسات البديلة، في شقها الاقتصادي -بحسب كمال كرار-، ترتكز بالأساس على الحلول الاقتصادية الداخلية، وليس انتظار المنح والقروض، ولا دعومات البنك الدولي. وتتضمن الاهتمام بالإنتاج والخدمات. والاهتمام بالمناطق الأقل نمواً، والنظر إليها بشكل تمييزي إيجابي. كما اقترحتْ السياسات الاقتصادية البديلة، زيادة الضرائب المباشرة للشركات ذات الرساميل العالية، مثل شركات الاتصالات، والتعدين، والعقارات. بجانب الشركات الخاضعة للمنظومة الأمنية، مثل: مصانع جياد وسيقا. على أنْ يُعاد النظر في كل اتفاقيات التعدين في مجال الذهب.