حرب روسيا وأوكرانيا تضع السودانيين على شفأ الكارثة الغذائية
21 مارس 2022
وضعت الحكومة الانتقالية التي أطاح بها قائد الجيش في 25 أكتوبر الماضي آمالها على الإنتاج المحلي للقمح لتقليل الواردات والحفاظ على مليار ومائتي مليون دولار تخصص سنويا لاستيراد هذا المحصول الحيوي، لكن كل هذه الخطط لم تصمد أمام طلبات متزايدة على الواردات في ظل تدني المحاصيل المنتجة محليا وتوقف المساعدات الدولية احتجاجا على الانقلاب العسكري.
وقفزت التوقعات قبل عام إلى إمكانية إنتاج السودان نصف الاستهلاك حوالي (700) ألف طن بعد أن أنتج في العام 2020 (400) ألف طن بينما تقول مؤشرات الإنتاج لحصاد القمح في البلاد هذا العام إن المتوقع أقل من العام الماضي بسبب الوضع السياسي وحالة الفراغ الحكومي وارتفاع أسعار الوقود ومدخلات الإنتاج طبقا لمحللين زراعيين.
زيادات قادمة
ومنذ نوفمبر الماضي عمد النظام العسكري الذي يتولى شؤون البلاد منذ الاطاحة بالمدنيين عن السلطة الانتقالية إلى تحرير أسعار طحين القمح. ويقول أحمد عبد الرحمن وهو وكيل توزيع طحين القمح في سوق أبوحمامة بالخرطوم لـ(عاين)، إن “الوضع في قطاع طحين القمح كارثي ولا يمكن الإطمئنان على استمرار عملية الاستيراد مع الطلب العالمي على القمح عقب الغزو الروسي لأوكرانيا احد أكبر البلدان المنتجة لهذا المحصول الحيوي”.
ويضيف : “تحاول الشركات المستوردة للقمح ملاحقة السوق الموازي لسعر صرف الدولار ويخططون لوضع زيادات جديدة الايام المقبلة على طحين القمح والحكومة أصبحت لا تتدخل”.
ومنذ نحو اسبوعين يواصل سعر الدولار في الاسواق الموازية ارتفاعا غير مسبوقا وصل سعر الدولار الواحد اليوم الاثنين إلى 650 جنيها مع تقوقعات لمتعاملين في اسواق العملات الاجنبية الموازية ان يصل الدولار 700 جنيها بنهاية مارس الجاري.
وزاد سعر طن القمح عالميا إلى 344 يورو من 270 يورو قبل بداية الغزو الروسي على أوكرانيا وتضع هذه الزيادات مصير الأمن الغذائي لملايين السودانيين الذين يستهلكون مستويات مرتفعة من طحين القمح في غذائهم اليومي تحت تصرف القطاع الخاص الذي بدوره سيضع مزيدا من الأسعار على المستهلكين.
وما يزيد مخاوف السودانيين أن السلطة القائمة لا تخضع للرقابة البرلمانية ويحذر محللون اقتصاديون من أن الفساد الحكومي خلال الإجراءات الحكومية ومنح العطاءات لاستيراد القمح قد تشوبها الفساد خاصة في ظل أطماع الشركات العسكرية في الهيمنة على سوق الواردات.
غموض المطاحن
ويحذر المحلل الاقتصادي عمرو دهب من أن الوضع الحالي كارثي لأن حكومة تصريف الأعمال يسيطر عليها العسكريون بمراكز متعددة لذلك من الصعب مجرد المطالبة بتحسين المعيشة او ايجاد حلول لأسعار طحين القمح.
وأضاف في حديث لـ(عاين) : “قطاع القمح المستورد غامض ويُدار بمعزل عن الشفافية، بينما يقول مسؤولون إن البلاد تستورد أكثر من مليون طن سنويا وسط تساؤلات “ما هي الأطراف التي تستوردها وكيف حصلت على العطاءات ولماذا لم تفكك بعد الاطاحة بالنظام البائد؟”.
وتابع دهب: “أعتقد أن السبب الذي دفع حكومة حمدوك المُنقلب عليها إلى الصمت عن ممارسات هذا القطاع الذي تهيمن عليه مجموعة دال الغذائية وشركة سين التابعة للمنظومة الأمنية انها خشيت من الانهيار وتلاعب هذه الشركات وخلق ندرة لذلك تعاونت معهما ومارست أقصى درجات الصمت عن هذا الملف”.
وتتجنب حكومة تصريف الأعمال التي شكلها قائد الجيش عقب انقلاب 25 أكتوبر إيقاف تصدير المحاصيل الغذائية لأنها تشعر أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى انخفاض الصادرات التي تدر العملات الأجنبية لدى البنك المركزي إضافة لتأثير الشركات العاملة في هذا القطاع على متخذي القرار بانسياب الصادر للحصول على ملايين الدولارات خاصة وأن من بينها شركات القطاع الأمني والعسكري وشركات تتبع لقوات الدعم السريع.
وذكر مصدر من وزارة المالية تحدث لـ(عاين) مشترطا عدم ايراد اسمه أن حكومة تصريف الأعمال لم تتطرق لإيقاف صادر المحاصيل الغذائية تجنبا لتأثير الغزو الروسي على أوكرانيا.
مسؤول حكومي: الزيادات القادمة في اسعار القمح كبيرة وقد تؤدي الى حدوث مجاعة في بعض المناطق التي تعاني من الاضطرابات
واستبعد المصدر الحكومي وجود نوايا رسمية لحماية الأمن الغذائي مع ارتفاع كبير متوقع في القمح وزيوت الطعام والبقوليات الشهرين القادمين.
وأردف هذا المصدر : “الزيادات القادمة كبيرة جدا وقد تؤدي الى حدوث مجاعة في بعض المناطق التي تعاني من الاضطرابات وانحسار مظاهر الدولة”.
ويشير المصدر إلى أن الشركات الكبرى التي تسيطر على استيراد القمح تخطط لهذه المرحلة بالتحوط وقد تضع أسعار فلكية ربما يباع قطعة الخبز في العاصمة السودانية بقيمة 100 جنيه وفي الولايات بقيمة 150 جنيها.
تغطية الاستهلاك لثلاثة اشهر تحتاج إلى (100) مليون دولار بينما تعاني الخزانة الحكومية من نضوب العملات الأجنبية لأن السودان يستهلك خلال أربع أسابيع فقط 200 ألف طن من القمح. مسؤول بشركة طحين رئيسية
ولا تتوفر إمدادات كافية من القمح لدى الشركات الرئيسية إذ انها تطالب بدفع قيمة عقودها بالدولار الأمريكي وتوفير 50 مليون دولار لتأمين واردات القمح خلال الفترة القليلة المقبلة بحسب مصدر من شركة سيقا لـ(عاين).
وإذا حاول السودان إبرام عقود لاستيراد القمح وتغطية الاستهلاك خلال الأشهر الثلاثة القادمة فإنه بحاجة إلى (100) مليون دولار بينما تعاني الخزانة الحكومية من نضوب العملات الأجنبية لأن السودان يستهلك خلال أربع أسابيع فقط 200 ألف طن من القمح.
عدم الأمان الاقتصادي
“المؤشرات فيما يتعلق بوضع الحبوب في السودان غير مشجعة لأن الأسعار عالميا حققت قفزات كبيرة بينما تؤدي الاضطرابات السياسية واستمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للعسكريين إلى عدم الأمان الاقتصادي هذا بالطبع يؤثر على إمدادات الغذاء ومن بينها القمح الطعام الرئيسي لملايين السودانيين” يقول المحلل في برنامج الغذاء العالمي كارم عبد الله لـ(عاين).
السودان يواجه أزمتان معقدتان متصلتان بصعوبة تدبير ملايين الدولارات لاستيراد القمح في ظل أزمة سعر الصرف وتوقف المساعدات الدولية
ويرى عبد الله، أن السودان يواجه أزمتان معقدتان الأولى تتلخص في صعوبة تدبير ملايين الدولارات لاستيراد القمح في ظل أزمة سعر الصرف وتوقف المساعدات الدولية الثنائية ومؤسسات التمويل الدولية.
أما المشكلة الثانية في نظر كارم عبد الله تتلخص في ارتفاع أسعار القمح عالميا بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا منذ نهاية فبراير الماضي وزاد سعر طن القمح نحو 80 دولارا فوق الـ 250 دولار أمريكي.
وأوقفت دولة مصر الجارة للسودان الأسبوع الماضي تصدير الدقيق والعدس وبعض المواد الغذائية الاستراتيجية تبعا للأزمة العالمية التي أحدثتها الحرب الروسية في أوكرانيا واللتان تعتبران من أكبر البلدان المنتجة للقمح بحوالي 40% من الإنتاج العالمي.
بدائل الخبز
ويحذر رئيس جمعية حماية المستهلك نصر الدين شلقامي من تأثير الأزمة العالمية في القمح والبقوليات وزيوت الطعام على الأمن الغذائي في السودان ودعا شلقامي في إفادة لـ(عاين)، إلى إصدار قرار بمنع تصدير المحاصيل الغذائية التي قد تكون بدائل لطحين القمح لأن العالم والسودان ليس بإستثناء وموعود بشح وارتفاع كبير في أسعار القمح وزيوت الطعام.
وتابع : “نحن في جمعية حماية المستهلك نحاول وضع حلول لاستبدال الاستهلاك الكبير لطحين القمح في السودان بإضافة 20% من الذرة للدقيق في صناعة الخبز”.
وأردف شلقامي: “الأزمة تستدعي تقليص حصص قطاع الحلويات من الدقيق لأن التحوط في هذا الوقت حتى مصر التي اعتمد عليها السودان بشكل كبير في استيراد الدقيق والعدس أوقفت التصدير وهذا يؤثر في معيشة السودانيين”.
ويقترح شلقامي إنشاء مصانع لصناعة “الكسرة” الوجبة الشعبية السائدة في السودان. وقال إن غالبية الدول تنتج “الكسرة” من المصانع وليس عبر الصناعة التقليدية في المنازل لأن هناك تغييرات في نمط حياة المجتمعات.
وقال إن مصانع “الكسرة” المصنوعة من الذرة من شأنها أن تقلل من الطلب المرتفع على الخبز المصنوع من طحين القمح على الأقل بنسبة 50%.