الأزمة الاقتصادية تحكم قبضتها على السودانيين
لم تعد التكلفة المرتفعة للمعيشة في السودان خافية على أحد سيما في الشهور الأخيرة في ظل ارتفاع غير مسبوق لمستوى التضخم إلى فوق الـ (352)% لشهر مايو الماضي متأثرا بسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي والذي ناهز الـ(477) جنيها.
حينما يقارن السودانيون تكلفة المعيشة في الوقت الراهن مع العام الماضي على الأقل مع بداية الإغلاق الكلي في ظل وباء كورونا الفرق شاسع وتكاد الأسعار تضاعفت ثلاثة مرات على الأقل.
بدائل اقتصادية
لجأ علي عبد الكريم (44 عاما) وهو موظف في القطاع العام بالعاصمة السودانية إلى عائلته في شمال البلاد لتأمين القمح والفول المصري من الموسم الزراعي في تلك المناطق لأن فواتير هاتين السلعتين اللتان تعتبران الأهم في منزله أرهقتا ميزانيته الشهرية الشحيحة مقارنة مع الأسعار.
ويضيف عبد الكريم: في مقابلة مع (عاين) فواتير الحبوب مثل القمح والفول المصري مرهقة جدا كنت اشتريها من السوق حوالي (18) ألف جنيه شهريا الآن بات بإمكاني صنع الخبز المنزلي وطهي الفول”.
ويستخدم العديد من موردي السلع والشركات سعر الدولار في السوق الموازي مؤشرا لتحديد السلع والخدمات وكلما ارتفع سعر الصرف في السوق السوداء واجه السودانيون ارتفاعا جنونيا للمعيشة.
وتقول كوثر وهي سيدة تقطن حي الدروشات شمال العاصمة السودانية في حديث لـ(عاين) إن البيض واللحوم والألبان أصبحت خارج قوائم السلع المطلوبة في منزلها لأن الأسعار باهظة لا يمكن شراء 30 بيضة بسعر 1800 جنيه تضيف.
وتتابع بالقول: “لم تعد البدائل نفسها متاحة لان كل شئ ارتفع سعره هنا ونحن لا نعلم ما سيحدث في اليوم التالي لا نشعر بالأمل”.
ترتبط الأزمة الاقتصادية في السودان مع مصادر متعددة مثل شح الوقود في الولايات وارتفاع أسعارها ومع مضاربات السوق السوداء للعملات إلى جانب الشائعات التي تسيطر أحيانا على سوق العملات والوقود وترفع من أسعارها كل هذه العوامل تؤدي إلى وضع معيشي خانق.
مضاربات البنوك
في شهر فبراير الماضي وحد البنك المركزي السوداني سعر صرف الدولار الأمريكي الرسمي مع السوق الموازي استمر الإجراء لشهرين قبل أن ينهار الجنيه السوداني أمام مضاربات خفية بين البنوك والسوق الموازية.
ويؤكد مسؤول من لجنة التفكيك في تصريح لـ(عاين) ان الاجتماع الذي جرى بين البنوك واللجنة الاسبوع الجاري كشف عن وجود مضاربات بـ ترليونات الجنيهات في نهاية اليوم تودع هذه المبالغ في حسابات تجار عملة كبار في السوق السوداء.
وأردف المسؤول في لجنة التفكيك: “أدت هذه المعاملات الخفية إلى طلب كبير على الدولار وتسببت في انهيار عملية توحيد سعر الصرف بحدوث فجوة شاسعة بين الرسمي والموازي في غضون ثلاثة أسابيع فقط”.
وتابع: “المعيشة تأثرت بارتفاع سعر الصرف جراء المضاربات “.
ورغم الصعود المستمر للأسعار تعتزم الحكومة الانتقالية إجراء المزيد من الإصلاحات على أسعار السلع الأساسية مثل الوقود والتعرفة الجمركية خلال هذا الشهر عقب وعود بذلتها أمام اشتراطات جهات مانحة في مؤتمر باريس والتي طالبت بالإسراع في تنفيذها.
ويشير المحلل الإقتصادي وائل فهمي في تصريحات لـ(عاين) إلى ان الإصلاحات الاقتصادية المزعومة هروب الى الأمام لأن المطلوب هو ايقاف تهريب الذهب وإعادة حصائله لترجيح كفة الصادرات في الميزان التجاري الذي يسجل اختلالا بمقدار 4 مليار دولار إلى جانب استعادة سوق العملات لصالح البنك المركزي السوداني بدلا من السوق الموازي. وقال إن الاقتصاد حاليا في يد تجار العملات فعليا.
المزيد من الغلاء
ويشير فهمي، إلى أن الحكومة الانتقالية لا تملك أي حلول سوى زيادة الأسعار وتنعكس الإجراءات التي تطلق عليها الإصلاحات على أسعار السلع يؤدي هذا الإجراء الى تدهور الوضع المعيشي واضطرابات أمنية مثل تفشي الجريمة والسرقة في الشوارع ونهب المارة تحت تهديد السلاح لأن المقابل الحكومي لحماية الشبكات الإجتماعية إجراءات واهنة جدا.
ويحذر عضو اللجنة الاقتصادية التجاني حسين في تصريحات لـ(عاين) من تدهور الوضع المعيشي بوتيرة متسارعة على مدار الساعة متهما الحكومة الانتقالية بتسليم استيراد السلع الأساسية والوقود والأدوية للقطاع الخاص الذي وصفه بالطفيلي.
ورأى حسين ان الحل في تولي الحكومة الانتقالية استيراد السلع الاساسية عن طريق التعاقدات المباشرة مع الدول المنتجة للنفط حتى يتوفر الوقود بالسعر المعقول في جميع أنحاء البلاد لأن شح الوقود عامل من عوامل ارتفاع الأسعار.