حركات مسلحة جديدة في شرق السودان.. ماهي الدوافع؟
عاين- 17 يوليو 2024
على حدود السودان وإريتريا، وتحت أنظار ورعاية الجيش السوداني والحكومة الإرتيرية تشكلت بعد اندلاع حرب 15 أبريل، أربع حركات مسلحة شرقي البلاد وحشدت المقاتلين وسلحتهم.
وأبرز هذه الجماعات المسلحة “الحركة الوطنية للعدالة والتنمية التي يقودها محمد طاهر سليمان بيتاي القيادي في حزب المؤتمر الوطني “المحلول”. وقوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤود، وحركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، ومؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد.
“تعمل المخابرات السودانية والإريترية مع أكثر من أربعة حركات مسلحة نشأت خلال الحرب في الإقليم فضلت التجنيد والتسليح على الأساس القبلي بمنح التسهيلات المالية لزعماء العشائر لحشد رجال القبائل في المعسكرات.. ويعتقدون أن هذه المجموعات قادرة على الدفاع عن مناطقها”. يقول مختار داؤود، وهو باحث في قضايا شرق السودان لـ(عاين).
ويتابع داؤود: “أقنع رجال المخابرات في السودان نظام الرئيس أفورقي بضرورة فعل ذلك حتى يحمي حدوده من الحرب والجماعات الإرهابية وفي ذات الوقت يبقى إقليم الشرق تحت سيطرة الجيش والحكومة القائمة التي يهيمن عليها الاسلاميون”.
ويقود الأمين داؤود، حركة مسلحة قوامها مئات المقاتلين وأطلق عليها “حركة أورطة العرب الشرقية” استوحى اسمها من الاسم الأول الذي كان يسمى به الجيش السوداني.
أما إبراهيم دنيا، قائد حركة تحرير شرق السودان، يقول مقربون منه انه نشر مكاتب الحركة في منطقة ود الحليو وهي بلدة واقعة بين مدينتي القضارف وخشم القربة وافتتحت مكاتب أيضاً في مدينة كسلا. وتقول مصادر مطلعة لـ(عاين) إنه على صلة بوزير الخارجية السوداني الأسبق والقيادي في النظام البائد علي كرتي وأجرى مخاطبات جماهيرية بمدينة كسلا أكثر من مرة تحت نظر الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش التي تدعم تكوين حركات مسلحة تحت إشرافها في شرق السودان.
وكان رئيس الحركة الوطنية الوطنية للعدالة والتنمية، محمد طاهر سليمان بيتاي، شغل منصب رئيس المجلس التشريعي لولاية كسلا في عهد البشير حتى مطلع العام 2019 وهو نجل سليمان بيتاي المشرف العام لخلاوي منطقة همشكوريب ذات الثقل الاجتماعي من إثنية الجميلاب وهي تنحدر من قومية البجا المنتشرة في الإقليم.
وحظي الزعيم القبلي سليمان بيتاي الذي يتخذ من منطقة همشكوريب مركزاً دينياً من خلال تأسيس الخلاوي بتقارب مع الحكومة السودانية من مقرها في بورتسودان.
في القرى التي ينتشر فيها الفقر وعشرات الآلاف من المواطنين المعدمين وتخلو من المدارس والمستشفيات والطرق انخرط نجله محمد طاهر بيتاي نهاية يونيو الماضي في لقاءات جماهيرية بمناطق “وُرباب” “وأسراب” بأطراف ولاية كسلا تحدث فيها عن الحرب في العاصمة السودانية والجزيرة ودعاهم للاستعداد لتجهيز مئات المقاتلين. وقال بيتاي مخاطباً مجموعة من الرجال من إثنية الجميلاب المنحدرة من قبائل البجا المنتشرة في الإقليم إن “الحرب دمرت الخرطوم وود مدني ويجب أن تكونوا مستعدين للدفاع عن مناطقكم”.
معسكرات داخل إريتريا
ويقول مختار داؤود، وهو باحث في قضايا شرق السودان لـ(عاين): إن “الحركة التي يشرف عليها بيتاي بالتنسيق مع الجيش السوداني معسكراتها تقع داخل الحدود الإرترية ونهاية الشهر الماضي ظهرت الحركة على السطح ضمن عملية استعراض القوة خاصة مع تهديدات الدعم السريع بشن هجوم على اقليم شرق السودان معقل الحكومة المدعومة من الجيش”.
ويؤكد داؤود لـ(عاين) أن الحركة الوطنية للعدالة والتنمية بشرق السودان يقودها نجل سليمان بيتاي – طاهر بيتاي وخلال التدريبات العسكرية التقت قواتها بالشيخ سليمان بيتاي في منطقة “لكويب” الواقعة على الحدود بين ولاية كسلا ودولة إرتريا في 26 يونيو الماضي.
ويضيف داؤود: أن “بيتاي على صلة بالقوات المسلحة السودانية ودولة إريتريا، وتاريخيا يمتد نفوذه الاجتماعي والقبلي بين البلدين لذلك ربما يحاول الاستعداد مبكرا لتجهيز مقاتلين لحماية منطقته من هجوم الدعم السريع اذا توغلت إلى إقليم شرق السودان مع انهيار القوات المسلحة”.
حركة (بيتاي) تأسست بدعم من الإسلاميين وتحصل على العتاد بجمع الأموال من مدينة كسلا.
باحث في شؤون شرق السودان
ويتابع داؤود: “إن هذه الحركة تأسست بدعم من الإسلاميين وتحصل على العتاد بجمع الأموال من مدينة كسلا وأُوكلت مهمة رئاستها إلى محمد طاهر سليمان بيتاي”.
وزاد: “لعبت المخابرات السودانية بالتنسيق مع إريتريا دورا في تأسيس هذه الحركة وهي اجتماعيا مدعومة من أهلية الجميلاب جزء من البجا منشقون عن الناظر محمد الأمين ترك وتتحالف الحركة الجديدة مع موسى محمد أحمد المساعد السابق للبشير في القصر الرئاسي وهي لديها ثقل اجتماعي أكثر من جماعة ترك”.
توريط الإقليم في الحرب
يرى الناشط في قضايا شرق السودان خالد محمد نور في مقابلة مع (عاين)، أن العمل المسلح في شرق السودان لا يتم بمعزل عن إريتريا ويرجح أن هناك تنسيقاً بين الجيش السوداني وإريتريا فيما يتعلق بحركة “بيتاي” المسلحة. وقال إن “الحكومة السودانية القائمة في البحر الأحمر وإريتريا وفرتا الغطاء السياسي والعسكري لهذه الحركة”.
ومنذ الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019 مر اقليم شرق السودان بسلسلة من الحوادث الأمنية والاقتتال القبلي. وتقول القوى المدنية في المنطقة إن هناك دوافع من بعض دول الإقليم لإشعال الوضع بالتحالف مع الجنرالات في ذلك الوقت.
وبعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع انتقلت الحكومة المدعومة من الجيش إلى العاصمة المؤقتة في بورتسودان ويصرح قادة ميدانيين في الدعم السريع أن الهدف القادم قد يكون شرق السودان معقل الحكومة المدعومة من الجيش.
تسود المخاوف في شرق السودان من تحالف الرئيس الإريتري والجيش السوداني ودعمهما تكوين حركات مسلحة على أساس قبلي وتصعيد الخطابات الجهوية والتحريض على المكونات الأخرى.
وتسود المخاوف في شرق السودان من تحالف الرئيس الإريتري والحكومة السودانية التي يدعمها الجيش في بورتسودان، ودعم الطرفين تكوين حركات مسلحة على أساس قبلي بحشد الرجال في المعسكرات وتصعيد الخطابات ذات الطابع الاجتماعي والتحريض على المكونات الأخرى.
ويقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي مصطفى بشير لـ(عاين): إن “الخطة تقتضي نشر المقاتلين في الشرق تحت بصر الجيش لكن هذه العملية تشبه رمي كرة اللهب في منطقة عانت من التوترات الاثنية في السنوات الماضية”.
انهيار قبضة الدولة
ويقول الحاكم الأسبق لولاية كسلا والمتحدث باسم تحالف القوى المدنية في شرق السودان صالح عمار لـ(عاين) إن تأسيس الحركات المسلحة قرب الحدود الإرترية السودانية تطورات جاءت بعد حرب 15 أبريل 2023.
ويضيف: “الحرب في السودان شملت أجزاء واسعة وشاهد الناس في الخرطوم والجزيرة الانتهاكات التي وقعت بحق المدنيين وانهيار الدولة المركزية التي كانت لديها قدرة معقولة على حفظ الأمن في أجزاء من البلاد بما في ذلك شرق البلاد”.
ويرى عمار، أن الحرب زادت من هلع وخوف المواطنين من وصول الانتهاكات إلى مناطقها لذلك قررت تأسيس حركات مسلحة في شرق البلاد لأن الحرب تدق أبواب إقليم شرق السودان وهناك شكوك تساورهم في قدرة الدولة على حماية المواطنين والممتلكات.
وزاد عمار قائلاً: “الناس يبحثون عن الأمان ومن الطبيعي أن يستعدوا للحرب بتأسيس الجيوش التي يثقون فيها لحمايتهم في ظل غياب أي جهة تضمن لهم الأمن والحماية”.
هناك ضرورة لوقف الحرب لإنهاء ظاهرة تسليح المدنيين وإنشاء المليشيات تحت دعاوى الدفاع عن النفس والممتلكات
حاكم ولاية كسلا الأسبق
وتابع: “مع ذلك ظاهرة تأسيس المليشيات المسلحة خطيرة لأنها تفتقد الولاء للشعب والدولة والجيوش تحكمها ضوابط التدريب العالي لكن الناس عموماً يدفعون بمبررات الحرب عندما يكون الحديث عن إنشاء مليشيات”.
ويشدد صالح عمار، على ضرورة وقف الحرب في السودان لإنهاء ظاهرة تسليح المدنيين وإنشاء المليشيات تحت دعاوى الدفاع عن النفس والممتلكات وتوقف القتال يعني عودة الدولة لممارسة مهام حماية الشعب بما في ذلك إقليم شرق السودان وفق عملية تشمل جميع السودانيين.
صراع الأفيال
ومنذ سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط البلاد تراجعت القوات المسلحة إلى إقليم شرق البلاد ومع سقوط مدينة سنجة بولاية سنار المجاورة لولاية القضارف في الإقليم هناك مخاوف حقيقية من انتقال الحرب إلى شرق البلاد.
ويقول مصطفى بشير الباحث في شؤون القرن الأفريقي لـ(عاين) إن ملامح انهيار الجيش السوداني تثير قلق المواطنين بما في ذلك زعماء العشائر في شرق السودان في ذات الوقت فإن بعض الزعماء لديهم صلات مع دول الإقليم يعملون على زعزعة الاستقرار في شرق السودان منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام البشير.
ويرى بشير، أن تأسيس الزعيم القبلي والمشرف العام لخلاوي همشكوريب سليمان بيتاي حركة مسلحة بقيادة نجله يعني فعلياً انتقال بيتاي إلى مرحلة التموضع السياسي.
ويضيف قائلاً: “تنظيم الحركة الجديدة المؤتمر العام يعني هيكلة الوضع داخلها بالتالي ربما قرر المؤسسون الانتقال خطوة إلى الأمام بالطموح السياسي مستقبلاً في أي مفاوضات قادمة للحصول على وضع سياسي ضمن أي محاصصة قادمة وتمثيل الإقليم في البرلمان والحكومة التنفيذية … هذه الطموحات مشروعة لكنها تقوض الديمقراطية في ذات الوقت هناك سطوة للقبيلة في الشرق أمام تراجع المجتمع المدني”.
بينما تطرق الحرب أبواب إقليم عانى من الفقر والمجاعة لسنوات طويلة جراء سوء الإدارة من الدولة المركزية وفق ما يقول النشطاء السياسيون في الإقليم فإن ظهور حركات مسلحة جديدة في الإقليم ذات نفوذ اجتماعي قد يقود إلى تطورات جديدة.