شرق السودان.. تنامي مشاعر الغضب ضد الدولة
عاين- 24 مارس 2024
أدى نقل العاصمة الإدارية إلى مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق السودان إلى تسليط الضوء على هذا الإقليم الواقع في خضم صراعات عرقية ونقص في التنمية وتفشي الفقر بين السكان، فيما يحاول معارضون للسلطة المدعومة من الجيش والإسلاميين تبني مطالب العدالة الاجتماعية بتوظيف أبناء المنطقة في المؤسسات الحكومية وقسمة إيرادات الموانئ والذهب لصالح المناطق المنتجة.
هذه المطالب القديمة، والتي تتجدد بين الحين والآخر في شرق السودان من مراكز الفعل السياسي والاجتماعي للمعارضين في مدن كسلا وبورتسودان والقضارف وهي وعواصم الولايات الثلاث تدفع هذه المرة إلى العلن في ظل حرب بين الجيش والدعم السريع وهناك مخاوف من أن تؤدي التوترات في الشرق إلى إدخاله ضمن دائرة القتال.
والأسبوع الماضي انتشر “وسم” على مواقع التواصل الاجتماعي متداولاً وسط ناشطين من شرق السودان تحت اسم “صفر كبير” في إشارة إلى عدم وجود عدالة اجتماعية جراء تفشي الفقر في الإقليم الذي نقلت إليه العاصمة الإدارية عقب اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل الماضي.
ويقول الناشط في قضايا شرق السودان خالد محمد نور، إن الوسم مجهول المصدر، ولم يأت وفق مطالب يرفعها المهتمون بالوضع في إقليم شرق السودان بقدر ما أنه صادر من “جهات مجهولة” تريد نقل الحرب إلى الإقليم.
ويرى نور في حديث لـ(عاين)، أن شرق السودان يتميز بموقع “جيوسياسي” كونه يضم أكبر موانئ البلاد والموارد الطبيعية على البحر الأحمر، إضافة إلى “الكنز المفقود” جزيرة سنقنيب كل هذه الموارد دفعت بعض الدول إلى الأطماع في ثروات شرق السودان، وهي ظلت تدفع بالإقليم من اضطرابات إلى التوترات تارة.
مطالب متداولة
ويقول خالد محمد نور، أن المطالب المتداولة مؤخرا تتزامن مع إعلان الجبهة الشعبية للعدالة بقيادة الأمين داؤود بتخريج دفعة جديدة من المقاتلين في شرق السودان تحت اسم “أورطة” وهو الاسم القديم للقوات السودانية قبل تأسيس الجيش، ويحمل الاسم تفسيرات متعددة.
ولا يبرئ نور “الوسم المتداول” على المنصات الاجتماعية من تبني دوافع لا علاقة لها بمصلحة أبناء إقليم شرق السودان. ويقول: إن” هناك جهات أطلقت هذا الوسم لنقل الحرب إلى الإقليم وخطورة الصراع المسلح في الشرق إذا حدث ذلك يعني حرب الكل ضد الكل وانهيار الدولة تماما.
توترات الشرق
وأحدث نقل العاصمة الإدارية ومقر الحكومة المركزية إلى شرق السودان في مدينة بورتسودان الساحلية مع البحر الأحمر جدلا بين معارضين لتوجهات الدولة وبين مسؤولين في المؤسسات الحكومية.
وحاولت الحكومة التي يقودها الجيش السوداني نهاية العام الماضي في سبيل كسب ود المعارضين لها في الإقليم بتعيين أحد أبناء المنطقة مديرا للشركة السودانية للموارد المعدنية.
ورغم ذلك هناك معارضون في شرق السودان خاصة في بورتسودان يتمسكون بضرورة عدالة توزيع ثروة الإقليم خاصة الذهب وإيرادات الموانئ البحرية، وفي مطلع مارس الجاري أعلن منظمات مجتمع مدني ومؤتمر خريجي البجا معارضتهم إجراءات اتخذها وزير المالية جبريل إبراهيم في هيئة الموانئ البحرية.
ويقول الباحث في قضايا فض النزاعات، محمد عبد الرسول لـ(عاين): إن “تجربة الصراع المسلح في إقليم شرق السودان تذخر بالعديد من المآسي، وإذا امتدت الحرب إلى هناك لن تكون مجرد عمليات عسكرية سيحول الإقليم إلى موجة من العنف الأهلي لذلك المبعوث الأمريكي يتخوف من توسع الصراع المسلح إلى شرق السودان بالتالي انهيار الدولة السودانية بشكل كلي”.
محاور الخليج
ويرى عبد الرسول، أن جهات خارجية خاصة دول المحاور في الخليج التي تشمل السعودية والإمارات وقطر تحاول إيجاد موطئ قدم في إقليم شرق السودان حيث الموانئ الرئيسية للبلاد والجزر الواقعة على البحر الأحمر دون استغلال اقتصادي كامل من السودان لمروره بفترة انتقالية واضطرابات وحروب وعدم استقرار سياسي.
ويقول عبد الرسول لـ(عاين): إن “الإمارات لديها مصلحة في توتر الأوضاع في شرق السودان، فهي ترى من جانب أن الحرب هناك ستنهي حكومة يقودها الجيش والمدعوم من الإسلاميين إلى جانب إيجاد موطئ قدم في الموانئ من خلال العمل مع قوات الدعم السريع”.
وأردف: “طبعا لا يمكن تشييد موانئ في إقليم مضطرب، ويعاني الحرب لكن قطعا الإمارات تريد المساومة على هذه المشاريع الكبرى في الشرق، وتريد الذهب أيضا الموجود في الإقليم بكثرة”.
تسارع التأثير الخارجي
في العام 2021 ألغى الجيش السوداني بضغط من الحكومة المدنية اتفاقا مع روسيا لإنشاء قاعدة فلامنجو العسكرية في البحر الأحمر، وهذا القرار أظهر الاهتمام الأمريكي بالأمن في الإقليم الذي يقع على ساحل طوله أكثر من 1500 كيلو مترا على حدود السودان.
كما أن جنرالات الجيش في خضم تقارب مع الإمارات وقعوا اتفاقاً مبدئياً مع أبوظبي عبر رجل الأعمال السوداني أسامة داؤود لإنشاء ميناء “أبي غمامة” على ساحل البحر الأحمر، ومارست أبوظبي تأثيرا على بعض المجتمعات لقبول هذه الصفقة التي وصفها معارضون بالمريبة في نهاية العام 2022.
في خضم توجه إقليمي ودولي بشكل غير معلن وتسليط الضوء على أمن البحر الأحمر والموارد الطبيعية وموانئ القطاع العام المتهالكة، فإن التوترات الناتجة عن المطالب وسط منظمات المجتمع المدني تتصدر المشهد العام، وهذه المرة بالتزامن مع الحرب وهو في نظر محمد عبد الرسول الباحث في مجال فض النزاعات أن إقليم شرق السودان يمر بمرحلة تقاطع المصالح الإقليمية والدولية.
ويضيف محمد عبد الرسول: “بينما تود السعودية الحفاظ على الأمن في إقليم شرق السودان لحماية أمنها القومي خاصة بعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، فإن الإمارات تريد جر هجمات الدعم السريع إلى شرق السودان، وهذا ما يؤدي إلى صعود التوترات وسط المجتمعات في الشرق، وإلى تداول مطالب في غاية الغرابة من حيث التوقيت”.