صراع المحاور يُشعل شرق السودان
21 ديسمبر 2022
النسق التصاعدي الذي تتطور به الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بإقليم شرق السودان تضعه هذه الأيام محطّ الأنظار من واقع الحدة التي يجرى بها تناول قضية الإقليم المُهم لاحتضانه موانئ البلاد.
وخلال الأيام الماضية، كان الحدث السياسي الأبرز هو توقيع أحزاب سياسية وقوى مدنية مع العسكريين في الخامس من ديسمبر الجاري اتفاقاً اطارياً تجاوز تقديم أي رؤية لحل ازمة شرق السودان المتطاولة، وجرى تأجيل النظر في الأزمة إلى جانب قضايا أخرى إلى وقت لاحق.
واقتصاديا، كان لافتاً توقيع اتفاق لبناء ميناء أبو عمامة الجديد بين الحكومة السودانية ومجموعة موانئ أبو ظبي وشركة دال بقيمة استثمارات أولية تقدر بـ 6 مليار دولار.
“قضية شرق السودان انتقلت إلى مرحلة معقدة على خلفية نشاط استخباراتي كبير في هذا الإقليم”. مسؤول سابق في مجلس السيادة
“قضية شرق السودان انتقلت إلى مرحلة معقدة على خلفية نشاط استخباراتي كبير في هذا الإقليم إلى جانب عدم الإسراع في إطفاء الحرائق التي لحقت بالقضية ووسعتها”. يعترف مسؤول سابق في مجلس السيادة السوداني.
ويكشف هذا المسؤول في مقابلة مع (عاين) عن معلومات تؤكد تواجد مصري واريتري للتخابر في شرق السودان لأنها منطقة استراتيجية علاوة على نشاط مخابراتي متواضع للسعودية والإمارات.
التصعيد السياسي في الاقليم وصل ذروته في سبتمبر 2021 بعدما أغلقت تنسيقية مجلس نظارات البجا برئاسة محمد الأمين ترك اغلاق شرق السودان وإيقاف حركة الموانئ معللاً ذلك بتنفيذ مطلبين هما اسقاط الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك وإلغاء مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا.
في نهاية أكتوبر 2021 وبعد خمسة أيام من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالشق المدني أكد ترك أنه تراجع عن الإغلاق عقب سقوط الحكومة المدنية. وقال وقتها إنه يؤيد الجيش في استلام السلطة، لكنه قوبل بانتقادات مجموعات شبابية في المجلس تطورت خلافات حادة.
يُحيل العضو السابق في المجلس الاستشاري لشرق السودان هيداب أحمد، القتال الأهلي والاضطرابات الاجتماعية بإغلاق الموانئ في شرق السودان لمطامع بعض الدول الطامعة في الموانئ السودانية.
ويقول هيداب في مقابلة مع (عاين): “لا يمكن النظر بشكل منفصل بين الاضطرابات وملامح التفكك التي تلاحق الإقليم وبين الرغبة الإماراتية في السيطرة على الموانئ الجديدة على البحر الأحمر”.
مناهضة مصرية سعودية
خطوة التوقيع على صفقة الميناء الإماراتي والتي تمت في العاصمة السودانية مؤخراً وعلى الرغم من نشاط حكومة الانقلاب العسكري لتمريرها إلا أنها تواجه عقبات كبيرة.
مسؤول حكومي سابق: السعودية ومصر تعارضان الوجود الإماراتي في البحر الأحمر
من بين الأسباب القوية التي قد تمنع أبوظبي من إكمال مشاريعها على الساحل السوداني في البحر الأحمر وفق لما يقول لـ(عاين) مسؤول حكومي سابق في الحكومة الانتقالية العام 2021 “اعتراض السعودية ومصر على الوجود الإماراتي في البحر الأحمر”.
أشار المسؤول الحكومي الذي فضل حجب أسمه، إلى أن السعودية ومصر لا ترغبان في المشروع الإماراتي على ساحل البحر الأحمر. وأضاف: “لا يمكن أن تنفق دولة الامارات 11 مليار دولار على إنشاء الميناء بمشاريع مصاحبة تواجه اعتراضات اجتماعية في الإقليم إلى جانب معارضة اقليمية من الرياض والقاهرة اللتان لم تظهرا معارضة علنية”.
وينوه المسؤول الحكومي السابق إلى أن ميناء أبو عمامة في حاكورة مكون البشاريين ويحاورهم مكون الأمرأر وهما مكونين يرحبان بالمشروع الإماراتي باعتبار أن الميناء الجديد سيكون فرصة لهما لتشكيل مجتمع اقتصادي جديد خاصة مع شعورهما أن البجا يسيطرون على موانئ بورتسودان.. على هذا التناقض تتبنى أبوظبي مشاريعها في الشرق”.
بالمقابل يشدد العضو السابق في المجلس الاستشاري لشرق السودان هيداب أحمد، وهو مجلس يضم كوادر من المجتمع المدني لمكافحة الجهوية المتصاعدة، على أن ميناء أبو عمامة لن ينفذ حسب الوقائع التي أمامه لأن “الموت البطيء” لموانئ بورتسودان لن يكون محل ترحيب من المجموعات العمالية التي لديها الوسائل السلمية لتعطيل المشروع الإماراتي.
مصر ترمي بثقلها
في الشهر الماضي رمت مصر بثقلها في إقليم شرق السودان، وقدمت القاهرة مساعدات لرئيس الوزراء الأسبق في نظام المخلوع محمد طاهر أيلا للعودة إلى السودان وهبوط طائرته في مطار بورتسودان عبر طائرة مصرية خاصة من سلاح الجو المصري وتم ذلك بالتنسيق مع السلطة الحاكمة في الخرطوم طبقا للمسؤول الحكومي.
مكث أيلا قرابة الشهر في بورتسودان حسب المسؤول الحكومي أملاً في توحيد البجا ضد الإتفاق الإطاري الأخير وضد المشروع الإماراتي بشكل ثانوي وبالفعل نُفذ اغلاقا للميناء في منتصف هذا الشهر عبر شيبة ضرار المقرب من أيلا لكن الخطة فشلت.
وأضاف المسؤول في حديث لـ(عاين) : “غادر أيلا بورتسودان الأحد الماضي عبر طائرة مصرية خاصة وهذا يعني تراجع الدور المصري في شرق السودان”.
تقاطعات
بينما يُشدد المستشار السابق لشؤون السلام بمجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية السابقة، حسان نصر الله لـ(عاين)، على إن شرق السودان يواجه “تقاطعات ضخمة” وبحاجة إلى مشاورات اجتماعية وهم “أصحاب المصلحة الحقيقيين” وقد تستغرق عامين إذا كانت عملية عميقة لمعالجة الأزمة جذريا. يقول المسؤول السابق في الحكومة السودانية إن : “قضية شرق السودان يجب أن تحل عبر منبر جامع بتجميع الأطراف المتصارعة حول تأييد مسار الشرق والمناوئين له لأن هذا الخلاف حول المسار نقطة جوهرية”.
وأضاف: “يبدو للوهلة الأولى إن إلغاء مسار الشرق قرار سهل لكن نظرا لطبيعة الأوضاع على الأرض فإن مؤيدي الاتفاق من مكونات اجتماعية عدد لا يستهان به وفي ذات الوقت رافضي الاتفاق مكون اجتماعي لا يمكن تجاهله”.
وتابع : “أعتقد من ضمن القضايا الأربعة المطروحة على طاولة النقاشات داخل قوى الحرية والتغيير والقوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري مع الجيش قضية شرق السودان وهناك اتجاه عام لعقد مؤتمر جامع لجميع الأطراف وتنفيذ مقررات هذا المؤتمر”.
مؤتمر سنكات
كان عبد الله أوبشار مقرر المجلس لنظارات البجا وهو كيان منشق عن ترك – صرح في مؤتمر صحفي الأحد الماضي في العاصمة السودانية أن مجلس البجا يرحب بإشراف بعثة اليونيتامس التي زارت الإقليم قبيل أيام قليلة من الانقلاب العسكري العام الماضي على تبني مائدة للحوار بين سكان الاقليم ويرى أوبشار أن البعثة الأممية يجب أن تُكمل هذه النقاشات.
وترى بعثة الأمم المتحدة ، أن نقاش مقررات بين “أصحاب المصلحة” لتوصيات مؤتمر سنكات قد يكون مدخل لحل الأزمة -بحسب ما افاد (عاين) مصدر دبلوماسي مقرب من البعثة.
ومن أبرز توصيات مؤتمر سنكات الذي عقد في 2020 بضاحية سنكات جنوب مدينة بورتسودان على بعد 80 كيلومترا تنفيذ شروط “القلد” بين مجموعة البني عامر والبجا على خلفية الصراعات الأهلية كما أوصى المؤتمر بمراجعة إجراءات الحصول على الجنسية السودانية وإلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا.
ومع صعود التيار المنشق عن المجلس الأهلي لنظارات البجا، تراجع نفوذ محمد الأمين ترك بعد مساهمته في الانقلاب على الحكومة المدنية وتأييده للعسكر، فالرجل انتقل الشهر الماضي إلى تحالف عماده الحركات المسلحة ومن بين المتواجدين في هذا التحالف الذي أطلق على نفسه “الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية” الأمين داؤود وهو الذي وقع على مسار الشرق في اتفاق جوبا نيابة عن الإقليم فيما يعارض ترك مسار الشرق إلا أن هذه الخطوة قد تجعله بعيدا عن تبني قضايا الحركات الاجتماعية في شرق السودان ويظهر على أنه رجل برغماتي وفق ما يقول أحمد أوشيك المحلل في قضايا شرق السودان لـ(عاين).
ويضيف أوشيك : “ترك ظل متواجدا في العاصمة السودانية في الشهور الأخيرة وهناك في إقليم شرق السودان وفق الوقائع سحبت مجموعات مؤثرة البساط من تحت قديمه وفي نهاية المطاف تحالف مع الأمين داؤود أحد أبرز موقعي مسار الشرق في جوبا وكأن ترك فقد الذاكرة”.
ويرى أوشيك، أن إمكانية حل أزمة شرق السودان في المؤتمر المقترح بواسطة “الحرية والتغيير – المجلس المركزي” ضمن قضايا يطرحها هذا التحالف واردة جدا خاصة وأن ترك سيدخل هذا المؤتمر و”أظافره مقلمة” بسبب التفكك الذي طال شخصيته التي كانت لديها تأثير اجتماعي لا تنظيم مجلس البجا.
وأردف: “يبقى التحدي الأبرز كيفية الموازنة بين إلغاء مسار الشرق من عدمه لكن يمكن الوصول إلى نقطة مشتركة عبر المنبر التفاوضي المنفصل لشرق السودان لتكون القضايا التي تقلق مكوناتها الاجتماعية ضمن الأجندة الرئيسية أي بث تطمينات لجميع الأطراف”.
فيما يشدد العضو السابق في المجلس الاستشاري لشرق السودان هيداب أحمد، على أن التصدي لقضية اقليم شرق السودان يجب أن يكون عبر القوى المدنية لكن لا وجود للأحزاب السياسية والمجتمع المدني في الشرق ويكاد يكون هذا التواجد معدوما في مدينة رئيسية مثل بورتسودان ناهيك عن بقية المناطق.
وأضاف هيداب: “مناقشة قضية شرق السودان عبر الإدارات الأهلية لن تصل إلى حلول يجب أن تتدخل القوى المدنية بطرح مؤتمرات وورش مع المجتمعات وتنفيذ هذه الحلول”.
كما يتوقع هيداب، أن المؤتمرات التشاورية مع المجتمعات المحلية وصياغة الحلول لأزمة الشرق ستسحب نقاط القوة من الزعماء التقليديين لأن تنفيذها لن يترك مبررا لتهديد الإغلاق او التلويح بتقرير المصير.