حوار – والي ولاية كسلا السابق صالح عمار
26 سبتمبر 2021
حذر الوالي السابق لولاية كسلا، صالح عمار، من جرّ شرق السودان لمصير جنوب السودان ودارفور، واتهم عمار في حوار مع (عاين)، مجموعات داخل السلطة الحاكمة بامتلاكها رؤية محددة وتقرأ من نفس الكتاب القديم الذي فجر ازمة جنوب السودان ودارفور وتعمل على تطبيق ذلك في شرق السودان.
ولفت الوالي السابق لولاية كسلا، إلى انه ربما بدأ بالفعل تطبيق هذه الرؤية دون أن ننتبه لذلك، وزاد عمار مستدلا بما وصفه بخطورة الأوضاع في مدينة بورتسودان الساحلية والتي تضم الموانئ الرئيسية للبلاد. وقال: ” الآن مدينة بورتسودان يمكنني القول انها تعيش وضع وضعا حربيا، ومسرح عمليات وقتال، عمليا يمكننا القول ان هذا النزاع بدأ في شرق السودان ونحن غير منتبهين”.
وفيما يلي نص الحوار:-
مظاهر الأزمة في شرق السودان تتأرجح بين الصراع الأهلي والسياسي، أين تكمن الأزمة؟
انا لا اعتقد ان النزاع في شرق السودان هو نزاع أهلي، وحتى إذا كان هناك صراع أهلي هو نتيجة الهشاشة الماثلة في الدولة السودانية بسبب مرحلة الانتقال وهذا الأمر ظهر في ازمة شرق السودان بشكل اكبر نتيجة المشاكل الكبيرة الموجودة هناك. بمقابل ضعف اجهزة الدولة خصوصا القطاع الأمني.
الازمة في شرق السودان شاملة لكل مجالات الحياة وواضحة للعيان وهي ازمة سياسية في المقام الأول تبعتها أزمات اقتصادية واجتماعية، ويمكن القول عليها الآن انها ازمة مستفحلة والدليل على ذلك التقارير الدولية التي تتحدث عن الأزمة الإنسانية والأمنية.
والفترة التي أعقبت سقوط نظام البشير وقعت أحداث كثيرة في بورتسودان وكسلا وغيرها من المناطق بشرق السودان وراح ضحية لهذه الاحداث عدد كبير من المواطنين، وهذا يشمل مثلا الاحداث القبلية وبينها التي وقعت بين مكوني البني عامر والنوبة الاهليين والتي قتل في مواطنين لم تفصح السلطات عن الاعداد بشكل رسمي ودقيق لان الاحداث وقعت في مدن كثيرة، و تقديراتي ان المئات راحوا ضحية لهذا النزاع.
ذكرت بان هناك ضعف في اجهزة الدولة في مقابل الأزمة وكنت أكثر تركيزا على القطاع الأمني، ماذا يعني ذلك؟
لنكن أكثر وضوحا وصراحة، هناك مجموعات موجودة في أجهزة الدولة الحالية ربما لديها انتماءات للنظام المباد، لديهم رؤية محددة لشرق السودان ولديهم رغبة اعادة تجربة جنوب السودان ودارفور في شرق السودان، وهذه نقطة في غاية الاهمية.
هل هناك مؤشرات بعينها استندت عليها؟
يمكننا القول ان هذه المجموعات واجهت مشكلة في شرق السودان وتريد ان تحلها بصناعة صراع أهلي، ومن ثم التواطؤ والمشاركة في الصراع ومن بعد تجريب ما جربته في دارفور وجنوب السودان من 50 عاما، والمؤكد أنهم يقرأون من نفس الكتاب الذي توارثوه إثارة نزاعات محلية تجعلهم في وضع مريح.
ما الغرض من ذلك؟
لا إجابات محددة لذلك، لكن المؤكد أن أصحاب تنفيذ رؤية جنوب السودان ودارفور يدعمون الآن مجموعات محددة في شرق السودان.
اذا نحن امام مقارنة بدايات الحرب الاهلية في جنوب السودان ودارفور، هل تتوقع أن يتطور الأمر لهذا الحد وهل مكونات شرق السودان على وعي بما يجري حسب وجهة نظرك؟
صناعة الازمة الآن في شرق السودان ربما تكن طريقتها مختلفة عن جنوب السودان ودارفور، لكن المحصلة النهائية انها ازمة تجلب العنف والموت والدمار. اما الكيفية التي تدار بها الازمة والقوى المتصارعة وشعاراتها قد تكون مختلفة.
هل نحن على أعتاب ذلك في شرق السودان؟
إذا استمر تعامل الاجهزة الامنية مع شرق السودان بالشكل الذي تتعامل به الآن مؤكد نحن نذهب لذلك، وربما نحن في الوضع القائم الآن ذهبنا خطوات تجاه ذلك، لجهة ان الازمات الكبيرة لا يعرف بدايتها تكون بأي طريقة. ومن عاشوا ازمة حرب دارفور منذ بدايتها في العام 2003 ما كان في توقعاتهم بعد خمس سنوات تصل للمستوى الذي وصلت إليه.
فمثلا الآن مدينة بورتسودان يمكنني القول انها تعيش وضعا حربيا، ومسرح عمليات وقتال، عمليا يمكننا القول أن هذا النزاع بدأ في شرق السودان ونحن غير منتبهين.
برأيك من يغذي ذلك؟
كما قلت، الصراع الآن في شرق السودان مغذي من مجموعات في الحكومة المركزية تقرأ من نفس الكتاب القديم و تواطؤا مع الصراعات القبلية وممكن ان يكونوا قد شاركوا في صناعتها.
نحن أمام مؤشرات تنذر بخطر، ما العمل؟
أمام كل القوى الديمقراطية ضرورة العامل العادل على المسائل الجوهرية والتي على رأسها إعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية بما يعني وقف انتهاكاتها وفسادها وتحويلها مؤسسات قومية فيها شراكة من كل السودانيين.
كيف تنظر إلى قرار تعيينك من قبل التحالف الحاكم واليا لولاية كسلا وما صاحب ذلك من توترات اضطرت رئيس الوزراء لإقالته؟
المسألة الحاسمة في موضوع تراجع الشق المدني من تعييني واليا لولاية كسلا، كان سببه أفراد في المؤسسة، وهم من غيروا مجريات الأمور في ولاية كسلا بما لديهم من قوة وتأثير حتى على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتمثل ذلك في قرارات مجلس الأمن والدفاع بداية من منعي من السفر لولاية كسلا لتولي مهام وانتهاءّ بالتوصية ربما بإقالة الوالي نفسه.
برأيك هل استند ذلك على تقارير أمنية؟
مجلس الأمن والدفاع يعتمد بشكل أساسي على العسكريين وتقاريرهم وتوصياتهم. العسكريين لعبوا دورا حاسما في ازمة كسلا ولجانهم الأمنية في ولايتي كسلا والبحر الأحمر كانت ترسل تقارير مفبركة للمركز، لكن بالنسبة لي النقطة الجوهرية بعيدا عن تفاصيلها ان هناك مسعى لاضعاف السلطة المدنية وولاية كسلا كانت نقطة لعودتهم ووجدوا فيها فرصة، وهذه الفرصة اذا وجدوها في اي مناطق اخرى كان أن هذه المسألة تتكرر .
والعنوان العريض لما حدث من ملابسات تعيين إقالتي من ولاية كسلا هو صراع المكون العسكري مع المدني، والعسكريين ما كانوا راضين عن اقالة الولاة العسكريين وحتى الآن لديهم طموح في فرض حكام عسكريين على ولايات الشرق تحت مبررات وذرائع مختلفة مع استغلال المكونات الموجودة في الشرق، وبديهي انه اي مجموعة اذا وصلتها رسالة بأن الأجهزة الأمنية لم تقم بدورها تجاه فعلها بإغلاق الطرق المهمة والميناء الرئيسي ستقوم بنفس الفعل لأن ذلك سيعود عليها بعائد سياسي.
ذكرت من قبل بان هناك ضرورة لأن تقوم الاجهزة الأمنية بدورها في مقابل ما يجرى في شرق السودان، ماذا تقصد؟
من الأبجديات، وفي كل الدول أن الشرطة مهمتها حراسة المنشآت، وإلا لماذا تمنح الاجهزة الأمنية أكبر بنود الصرف في موازنة الدولة.
يتردد أن هناك دول لديها تأثير بالغ على العملية السياسية في البلاد ويتجلى ذلك في ازمة شرق السودان، كيف تنظر لذلك؟
الازمة في شرق السودان نتاج اسباب محلية وهذا بالتأكيد يفتح الباب للتدخلات الخارجية، وهذا عكس ما يجري تداوله بأن هذه الأزمات صناعة خارجية وهذا ليس صحيحا.
نحن الآن في شرق السودان نتحدث عن عامين ونصف لبداية الصراع ومن الطبيعي أن الصراعات الكبيرة من هذا النوع تستقطب تدخلات هذه الدول. ومعلوم بالنسبة لي أن هناك تدخلات دول لكني لا اراها انها كبيرة ومؤثرة. العامل الحاسم والمؤثر هول الداخلي وما زالت هناك إمكانية لحل إشكاليات الشرق إذا كانت هناك خطة وإرادة. ومع التأكيد انني لست بحاجة لنفي انا هناك دول خارجية تدعم نزاع الشرق وتدعم عناصر بعينها.
هل يقود ذلك للنظر في اتفاق سلام جوبا- مسار شرق السودان؟
انا في البدايات كنت لست متحمسا لمسار اتفاق سلام شرق السودان في اتفاقية جوبا، لكن الآن بعد عامين من النزاع مافي جهة بما فيها الحكومة تمتلك خطة تفصيلية لحل المشكلة في شرق السودان، الآن مسار شرق السودان هو الوحيد الذي يمتلك رؤية تفصيلية وافقت عليها أطراف رئيسية ومتفق عليها وموقع عليها من حكومة السودان وأعطت أهل شرق السودان حقوق، لكن إذا كانت هناك جهة ثانية لديها خطة مجمع عليها يمكن طرحها حتى تتم دراستها وهذا ليس موجودا الآن وبالتالي عدم وجودها يمنح مسار اتفاق الشرق افضلية.
اذا ماذا تطرح المجموعة المحتجة على المسار من حلول؟
المناوئين لمسار الشرق لا يطرحون حلولا، بل يطرحون خطابات كلها تأجيجية اقصائية. لا أحد لديه خطة واضحة، الحكومة إذا لديها خطة يمكن ان تطرحها، وهناك مسألة وقت اذا محتاجين نبدأ من الصفر. في تقديري أن مسار شرق السودان في اتفاق جوبا لم يمنح المجموعة التي وقت عليه كل السلطة وبالتالي هناك فرصة لمناقشة المجموعة المحتجة والاتفاق معها على معالجات.
تتحدث عن عامل وقت حاسم بالتزامن مع التوترات الماثلة الآن، ماهو المطلوب في هذا التوقيت؟
الحكومة الآن مطالبة باتخاذ قرارات يمكنني القول بأنها تؤجج الصراع على سبيل المثال تعيين حكام للثلاث ولايات الشرقية، وتقسيم السلطة في الولايات ومناديب في السلطة المركزية. لكن المطلوب الآن اتخاذ قرار حاسم مسار اتفاق سلام الشرق اما تنفيذه او الغائه، وهذا مطلوب خلال الاسابيع القادمة، وعليه هناك ضرورة لتحرك سريع لخلق توافق على قراراتك المرتقبة.