أزمة شرق السودان.. إلى أين تتجه؟
2 أكتوبر 2021
تتجه الأزمة في شرق السودان إلى تصعيد يأخذ ابعاداً عديدة في مقابل صمت حكومي مطبق تجاه التطورات الميدانية التي نحت بالمحتجين على مسار شرق السودان في الأول إلى رفع سقف مطالبهم، ودعواتهم المستمرة لحل الحكومة الانتقالية القائمة في البلاد لاسيما المكون المدني، واخيرا ارتفع سقف المطالب من خلال الخطابات الجماهيرية العديدة التي يلقيها مؤخرا قائد المحتجين والزعيم الأهلي سيد محمد الامين ترك ومناداته بحق تقرير مصير شرق السودان وانفصاله عن الدولة السودانية.
أكثر من عامل جعلت من هذه التحركات الميدانية باغلاق الميناء الرئيس والطرق القومية لا تواجه الحسم المطلوب من السلطة المركزية لجهة التبيان والصراع بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية واستقواء قادة الاحتجاج بنافذين في السلطة القائمة.
لماذا يحتد الصراع؟
لكن وبحسب نشطاء سياسيين من شرق البلاد تحدثت إليهم (عاين)، فإن هناك أسباب موضوعية يجب النظر إليها في دائرة الصراع التي تتسع يوما بعد آخر. ويقول الناشط السياسي محمد نور جيلاني، أن غياب التنمية المتوازنة في شرق السودان والبيئة القاسية في المنطقة هما أهم أسباب الفقر والتي بدورها تنعكس على النزاعات في المنطقة نسبة لتدني نسب التعليم وغياب الخدمات الأساسية مما قد يسهل انقياده المجتمعات الى النزاعات.
فيما ترى الناشطة السياسية، رهام صلاح، أن مظاهر الفقر في ارياف شرق السودان أكثر بروز لأنه طوال الفترات السابقة كان هناك تغيب وتجاهل من التنمية وانعدام لأبسط مقومات الحياة وهذا بدوره إثر على النزاعات في الشرق لأن معظم المشاركين في النزاعات هم من مناطق بها ارتفاع في معدلات الفقر والأمية.
يقدم الناشط المدني عبد الإله خليفة، أسباب أخرى ساعدت على تفاقم الأزمة في شرق السودان. ويشير إلى انه وعلى الرغم من أن القبيلة في شرق السودان لها دور في النزاعات الأخيرة، لكن لا يمكن تصنيف الصراع نزاع قبلي لأن اذرع المؤتمر الوطني المحلول في الطرفين هي التي تدفع باستمرار النزاع ومعظم الذين تصدروا المشهد في النزاع هم أصحاب مصالح مهددة بعد سقوط النظام وهم أعضاء في المؤتمر الوطني.
ويشير عبدالاله في مقابلة مع (عاين)ـ إلى ان الصراع في أصله تم تصميمه من أجل أن تكسب هذه الأطراف سياسيا ولم يحدث وأن ذكرت هذه الأطراف قضايا خدمية. ويرى عبد الاله، ان شرق السودان من الأقاليم التي تمكن منها الإسلاميين بصورة واضحة لأنه يمثل بالنسبة إليهم مصالح استراتيجية لذلك نجدهم يدعمون النزاع بشكل مباشر.
تحرك المحسوبين على التيار الاسلاميين وعناصر النظام البائد في شرق السودان، لا يراه الناشط السياسي محمد نور جيلاني مؤثرا ، ويقول لـ(عاين)، ” ليس هناك ما هو مضبوط حول ضلوع النظام السابق في إثارة النزاعات، يمكن أن تكون هناك عناصر من النظام السابق مساهمة في اثارة النزاع و يمكن ان يكون هذا عامل من عوامل تغذية النزاع ولكنه ليس سببا رئيسيا”.ويضيف جيلاني، “تأثير الإسلاميين في شرق السودان مثله مثل تأثير باقي الاحزاب السياسية ليس لديهم تفوق عليهم”.
ناشط سياسي: مسار سلام شرق السودان بطرفيه الداعم والرافض هو امتداد لحزب المؤتمر الوطني المحلول
فيما تشير الناشطة السياسية ريهام صلاح، الى انه كانت هناك مشاكل موجودة مسبقا في الشرق مثل خطاب الكراهية لكنها برزت الى السطح ما بعد سقوط النظام وهناك عوامل ساعدت على ذلك منها النزاعات السياسية وظهور مسار الشرق إضافة الى السيولة الأمنية التي صاحبت الفترة ما بعد سقوط النظام”.
حول مسار سلام الشرق
“التمثيل السياسي لشرق السودان في الحكومة المركزية يمكن أن يسهم في الاندماج الوطني والشعور بالرضى تجاه الحكومة” يقول جيلاني متحسرا على عدم العمل على ذلك من قبل الحكومة المركزية، ويزيد : “عندما جاءت الثورة أسقطت العديد من الموظفين سوى كان على مستوى الحكومة المركزية او الولايات في شرق السودان ولم يتم استبدالهم بموظفين جدد وقد تسبب هذا في خلل سياسي في شرق السودان”. وتابع جيلاني متسائلا لا يمكن لإقليم به سبعة مليون مواطن لا يتجاوز تمثيلهم في الحكومة المركزية الشخصين.
ويشير جيلاني إلى انه ومنذ تأسيس مسار شرق السودان في مفاوضات جوبا، واجه رفض باعتبار أن الموقعين على المسار ليست لديهم قواعد على مستوى الإقليم ولم يكونوا جزء من العملية السياسية على مستوى الإقليم، أما من جانب آخر فقد كان هناك رفض اجتماعي باعتبار أن الموقعين على السلام يمثلون مكونات اجتماعية محددة وهذا ما حال دون تعريف المسار كمكسب سياسي لشرق السودان حيث خلف جوانب سلبية منها النزاعات .
وتوقع جيلاني تكرار النزاعات بصورة أعنف ودخول مناطق جديدة الى حيز النزاع وان تنشط العصابات في حالة لم يتم إصلاح سياسي في شرق السودان.
فيما يؤكد الناشط المدني عبد الاله خليفة، بان المسار تسبب في عدم تمثيل عادل لشرق السودان في السلطة بسبب عدم تنفيذه أو رفضه. ويضيف أن تقسيم السلطة على الأساس القبلي يؤثر على مدنية الدولة ويرجعها الى المستوى العشائري والقبلي ويسهم في استمرار النزاعات.
العسكريون هم من صنعوا المسار
لم يتوان المستشار السابق لرئيس مجلس الوزراء لشؤون السلام جمعة كندة في وصف المسارات التي افضت اليها اتفاقية جوبا بـ”الفخ”. وأشار كندة إلى أنها من صنع المكون العسكري باعتباره المسيطر على قيادة المفاوضات.
جمعة كندة: مسارات السلام في اتفاق جوبا “فخ” وصنعها العسكريين
ويقول جمعة كندة في مقابلة مع (عاين)، ان مسار الشرق الذي يرفضه الزعيم الاهلي سيد الامين ترك هو من صنيعة المكون العسكري الذي يمدحه ترك الآن ويكيل بالخصومة والنقد للمكون المدني.
شد الأطراف
“يجب النظر لأحداث الشرق من خلال سلسلة من الأحداث وما يحدث في شرق السودان هو محطة من محطات شد الأطراف والتي بدأت في دارفور وتراجعت بتوقيع اتفاقية جوبا ومن ثم انتقلت الى جنوب كردفان والتي شهدت في العام الماضي اقتتال قبلي بين مكوناتها وداخل كادوقلي المدينة نفسها إضافة الى مواجهات بين قوات نظامية وسرقات تحدث في منتصف الليل” يقول كندة ويعود للتاكيد على ان الشرق لديه مطالب سياسية وتنموية مشروعة وليس على الناس الخلط بين الحركة القائمة الآن والحقوق المشروعة لمجتمعات الشرق.
عودة الحزب المحلول
يرى المستشار السابق لرئيس الوزراء، ان حزب المؤتمر الوطني المحلول بعد ان فقد السلطة عاد ليستثمر في الزعامات القبلية والزعامات الدينية إلى حد ما وعندما جاء مسار جوبا قادوه فاعلين ليس لهم علاقة بالوضع ما قبل سقوط النظام وهم قيادات جدد سياسيا وقبليا مختلفين عمن هم يسيطرون على مسار الشرق ومن الطبيعي ان يشعروا بالخطر فهذه اتفاقية ستحل محل الاتفاقية القديمة .
مستشار سابق لرئيس الوزراء: إذا لم يتم الانتباه لأمر الشرق سيكون امتداد طبيعي لما يحدث في الصومال وارتريا واليمن وهي مناطق بها أطماع
وعندما برزت أصوات معارضة لمسار شرق السودان باعتبار أنه ليس هناك تفويض لممثلي المسار تم إيقاف المسار لإجراء مشاورات مع أهل الشرق لم تكن القضية هي المشاورات لأن ترك وموسى محمد أحمد لهم ارتباط بالنظام السابق ومشكلتهم ليست أن من هم في المسار لا يمثلون انسان الشرق لأن الصراع هو صراع سلطة وثروة ولديه ابعاد قبلية وهذا ما يوضح كيف استثمر المؤتمر الوطني في القيادات الأهلية التي لهم معها ارتباطات اقتصادية- بحسب كندة..
الذي يضيف متسائلا ، عن سبب امتناع ترك للمشاركة في مؤتمر الشرق لإصلاح الاتفاقية وتقويمها قبل أن يصفه بأنه مخلب قط تحركه قوى خارج الشرق، مشيرا إلى أنه إذا لم يتم الانتباه لأمر الشرق سيكون امتداد طبيعي لما يحدث في الصومال وارتريا واليمن وهي مناطق بها أطماع والقاسم المشترك بينها البحر الأحمر وهي مناطق نزاعات ذو أبعاد دولية .
وأشارت كندة، إلى أن ظاهرة ترك هي ظاهرة من الظواهر التي توضح كيف استطاع النظام السابق وفلوله المؤتمر الوطني من إعادة انتاج بعض الزعامات في واجهات ويختفوا خلف الاجندة الشرعية لمجتمعاتهم ومن ثم يشتغلون على العمل المضاد لتقويض الدولة من الأطراف وهذا ما تم تجريبه في جنوب كردفان ببعض الزعامات ولم ينجح وترك هو الزعيم الوحيد الذي التف حوله عدد من معتبر من اهله.
خطوة للأمام
“واحد من الحلول التي يجب عملها والتي تأخرت فيها الحكومة يكمن في الاجابة على سؤال لماذا تم تأخير مؤتمر شرق السودان باعتباره استحقاق دستوري لأن هذا مسؤولية الحكومة ورئيس مجلس الوزراء” يقول جمعة كندة.
ويشير إلى أن عدم التصدي الى قفل المناطق الحيوية هو البداية الحقيقية لإسقاط الحكومة واكد على انه لابد من الدخول في حوار مع ترك لفضح المخطط الذي يتبناه وارجاعه للأجندة الحقيقية لأهل الشرق.
ماذا يقول احد قادة مسار الشرق؟
أبرز الموقعين على مسار سلام شرق السودان في اتفاقية جوبا ضمن الجبهة الثورية الأمين داؤود، يقول ان المشكلات في المسار بدأت منذ وقت مبكر ويرى أنها مشاكل طبيعية في إقليم عانى كثيرا في السابق، واعتبر الأمين أن الرفض للمسار هو انتفاضة على الواقع.
الأمين داؤود يحمل الحكومة الانتقالية وقوى الحرية والتغيير مسؤولية ما يحدث في الشرق
ويقول داؤود في مقابلة مع (عاين)، اقرينا في وقت مبكر بأن يكون هنالك مؤتمر جامع لشرق السودان تشارك فيه كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والرافضين حتى نصنع توافق ما بين الاتفاق الذي تم توقيعه وما بين اتفاقيات كانت موجودة وهي اتفاقية اسمرا، لكن يبدو أن الحكومة بشقيها المدني والعسكري لم تكن جاهزة لترتيب الأوضاع في السودان عموما وفي شرق السودان بصفة خاصة.
ويرى الأمين أن الصراعات في شرق السودان هي انعكاس حقيقي لفشل الحكومة الانتقالية، وأصبح شرق السودان هو الميدان لهذه الصراعات. ويضيف، أن “ما جاء في المسار ليس طموح أهلنا في شرق السودان وليست هذه قضاياهم وأن الصراع الاجتماعي السبب فيه هو ضعف الأحزاب وضعف الفترة الانتقالية وعدم قدرة هذه الأحزاب في مخاطبة القضايا في الشرق”.