كيف تحرم الحرب السودانيين جرعات الدواء؟

عاين- 30 مايو 2024

في غرف المستشفيات الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، بالكاد يحصل المرضى على بعض الأدوية التي تساعد على تسكين آلامهم، فيما يتطلب دخول القليل من الدواء لمناطق سيطرة الدعم السريع إجراءات وتصاديق معقدة من قبل استخبارات الجيش السوداني.

القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع دمر قطاع الأدوية في السودان وفق خبراء وأعضاء في تجمعات للصيادلة، كما أن الحلول الحكومية لتوفيرها تعتمد على القطاع الخاص الذي يشتري العملة الصعبة من السوق الموازي.

ويشكو المدنيون في السودان من عدم الحصول على المساعدات الإنسانية التي تشمل شحنات الأدوية، وأرسلتها بعض المنظمات والدول إلى البلاد عبر رحلات جوية وشاحنات وصلت بالطرق البرية من مصر.

ولم يتمكن المدنيون من الحصول على مساعدات دوائية مباشرة خلال الحرب، ويضطر بعض المواطنين إلى السفر من مدينة إلى أخرى بحثا عن جرعة منقذة من الدواء لمرضاهم وفق ما يقول العامل في قطاع الأدوية أحمد عيسى لـ(عاين).

الموت بحثا عن الدواء

ويقول الهادي مصعب أحد النشطاء الفاعلين في ولاية الجزيرة لـ(عاين) إن “عشرات المصابين بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والصرع فارقوا الحياة لشح الدواء في قرى الجزيرة التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع منذ نهاية العام الماضي”.

وأردف: “الأدوية شبه معدومة في القرى الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع لا يمكن لمريض أن يعثر على صيدلية تبيع الأدوية في مناطق مأهولة بمئات الآلاف من المدنيين مثل قرى غرب سنار وضواحي ودمدني وفارس ومكركا والمعليق”.

خلال مارس الماضي، وفي محاولة لسد النقص الدوائي في البلاد ومع فقدان عشرات المصانع المتخصصة في صناعة الأدوية المحلية بالعاصمة السودانية عقد رئيس المجلس القومي للصيدلة والسموم “هيئة حكومية” علي بابكر لقاءاً مع رئيس هيئة الدواء المصرية والغرض توسيع الصادرات الدوائية من مصر إلى السودان.

انتظار المسافرين

انعدام الأدوية أكثر المشاكل التي تواجه المرضى بجميع الولايات بما في ذلك الواقعة خارج دائرة الحرب، ففي مدينة كسلا استغرقت عائلة “نون” وهي ربة منزل مريضة بالسكري أسبوعين للحصول على أدوية “الأنسولين” الخاصة بضبط الدم في السكر؛ لأن الأدوية وصلت من المملكة العربية السعودية عن طريق شخص قادم إلى السودان على متن إحدى الرحلات الجوية.

ويسرد أزهري وهو طبيب صيدلي المأساة التي يعيشها السودانيون خلال الحرب خاصة المرضى وعائلاتهم بسبب ارتفاع الدواء والندرة. مضيفا أن “بعض الشركات المستوردة للأدوية لا تفضل جلب شحنات كبيرة من الأدوية التي تحتاج إلى مبردات لوجود مشكلة قطوعات الكهرباء التي تصل بشكل شبه يومي إلى عشر ساعات في جميع المدن”. وتابع: “جرعات الأنسولين وبعض أدوية الأطفال وهي منقذة للحياة أحيانا توضع على أكياس الثلج عندما تقطع الكهرباء لساعات طويلة تمتد إلى نصف يوم”. وزاد: “هذا عمل مرهق ومكلف”.

صيدلي: أسعار الأدوية تضاعفت عما كانت عليها قبل الحرب، ومن الطبيعي أن يحدث ذلك نسبة لتوقف المصانع المحلية في العاصمة الخرطوم، والتي كانت تغطي 60% من الاستهلاك المحلي

ويشير أزهري لـ(عاين) إلى ن أسعار الأدوية تضاعفت عما كانت عليها قبل الحرب، ومن الطبيعي أن يحدث ذلك نسبة لتوقف المصانع المحلية في العاصمة الخرطوم، والتي كانت تغطي 60% من الاستهلاك المحلي بما في ذلك المعينات الطبية مثل القطن وقناع الوجه “الكمامات” والأدوات الصحية الخاصة بالمستشفيات.

وضاعفت الحرب اعتماد السودان على استيراد الأدوية سنويا إلى أكثر من 300 مليون دولار سنويا وما يسبب النقص في الأدوية عدم توفر العملة الصعبة لدى شركات الاستيراد التي تتخلى عن استيراد الأدوية المرتفعة.

مصانع أدوية مدمرة

وتحولت مصانع الأدوية في العاصمة السودانية خاصة الخرطوم بحري مركز الصناعات الدوائية في البلاد إلى ما يشبه “التشليع” وفق ما يقول العامل أحمد عيسى الذي يهتم بالصناعات الدوائية بسبب عمليات النهب وأغلبها تقع في مناطق تسيطر عليها الدعم السريع.

ويقول أحمد عيسى لـ(عاين): إن “الحرب أوقعت خسائر فادحة في قطاع الصناعات الدوائية في السودان قد تكون التقديرات التقريبية حوالي نصف مليون دولار”.

وأضاف: “دعت وزارة الصحة السودانية دولة قطر إلى استعادة النظام الصحي في مناطق سيطرة الجيش شمال وشرق البلاد لكن قد لا تشجع الحرب المستثمرين القطريين لإنشاء مصانع جديدة للأدوية في هذه المناطق”.

وأردف أحمد عيسى: “لا توجد سلاسل إمداد للأدوية بشكل منتظم الدواء يباع عن طريق مغامرات بعض الشركات أو المحاولات الفردية للصيدليات، لكن الدولة لا تملك حلولا”.

ويرى عيسى، أن انعدام الأدوية وارتفاع أسعار قد تشجع “مافيا التهريب” على إدخال أدوية منتهية الصلاحية أو خطيرة على صحة المواطنين؛ لأن الأجواء السائدة مواتية لحدوث الفساد في هذا القطاع.

تجمع الصيادلة: حوالي 70% من الأدوية معدومة في البلاد، وفي بعض الأحيان تُجرى العمليات الجراحية دون تخدير بسبب انعدامه.

فيما يرى عضو تجمع الصيادلة مكي إسماعيل السيد في حديث لـ(عاين): أن “قطاع الأدوية لا يقتصر على ارتفاع الأسعار في السودان، بل إن حوالي 70% من الأدوية معدومة في البلاد، ويعاني المرضى من البحث عنها”.

وأضاف: “في بعض الأحيان تجرى عمليات الطوارئ في المستشفيات دون تخدير المريض؛ لأن هناك نقصاً كبيراً في أدوية التخدير والمحاليل”.

خسائر

وخسرت وزارة الصحة الاتحادية مستودعات الأدوية في العاصمة السودانية بمنطقة “الإمدادات الطبية” جنوب الخرطوم، وتقدر قيمتها بنصف مليار دولار حسب تقديرات حكومية، وتقع المنطقة تحت سيطرة الدعم السريع منذ نشوب القتال.

وتقول آلاء التي تقيم في مدينة كوستي، وتتابع حالة طفلها المصاب بالصرع إن “الأدوية الخاصة بمرضى الصرع معدومة في الصيدليات في بعض الأحيان نحصل عليها من بورتسودان عن طريق القادمين إلى هنا”.

وقالت آلاء لـ(عاين) إن “الناس باتوا يلجأون إلى السعودية ومصر للحصول على الأدوية عن طريق الأقارب ينتظرون شهراً أو أسابيع إلى وصولها عن طريق الأفراد كعادة السودانيين في التكافل”.

وتابعت: “قيمة الدواء الذي يكفي لشهر واحد لمريض الصرع 130 ألف جنيه ورغم ذلك غير متوفر”.