“المُسيرات”.. قنابل الجو توسع الاضطرابات في السودان
عاين- 31 يوليو 2024
منحى جديد تتخذه حرب السودان، عقب تكثيف هجمات الطائرات المسيرة التي ستهدف المناطق الآمنة، والتي تصاعدت قبل أن تطال اليوم الأربعاء تجمعا لقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان في قاعدة جبيت العسكرية بولاية البحر الأحمر شرقي البلاد، في تحول كبير بمسار القتال المستمر لأكثر من عام.
ونجا البرهان من محاولة اغتيال بطائرة مسيرة استهدفت حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الجيش في قاعدة جبيت الحربية، وسقط على إثر ذلك 5 عسكريين، إلى جانب عدد من المصابين بينهم مدنيين كانوا يتابعون الفعالية عن قرب.
وهي المرة الأولى التي تشهد فيها ولاية البحر الأحمر استهداف عسكرياً منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وهي بعيدة عن نطاق العنف، ويتخذ قائد الجيش حاضرتها بورتسودان مقراً لإقامته، ومركز بديلا لحكومته.
وخلال الأسبوع الحالي، طلب المبعوث الأمريكي للسودان، أن يتم لقاء وفد واشنطن الذي كان ينوي زيارة البلاد لبحث سبل مفاوضات السلام، مع البرهان في مطار بورتسودان؛ لأن المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر غير آمنة وفق تقديره، لكن قيادة السلطة رفضت ذلك، مما أدى إلى إلغاء زيارة المسؤولين الأمريكيين.
هجمات متفرغة
وخلال هذا الأسبوع، سبقت حادثة جبيت، أخرى مماثلة شهدتها مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، والتي تعرضت لقصف بخمس طائرات مسيرة، سقطت في مبنى جهاز المخابرات ورئاسة قوات الشرطة، وأدى ذلك إلى مقتل ضابط مخابرات وجرح آخرين، وهذه الواقعة جاءت بعد ساعات قليلة من استهداف مسيرة لمدينة ربك، وتسببت في مقتل شخصين على الأقل، وفق ما نقله شهود ومصدر عسكري لـ(عاين) فيما هاجمت مسيرة أخرى مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل .
وبحسب الشهود، فإن المسيرات أثارت الرعب وسط المواطنين، وبدأ البعض في مغادرة المدينة نحو دولة جنوب السودان، لكون المنطقة صارت غير آمنة، ومستهدفة عسكريا.
وفي كل حوادث المسيرات التي استهدفت المناطق الآمنة التي يسيطر عليها الجيش بشكل تام، تلاحق الاهتمامات قوات الدعم السريع، لكنها لم تعلن تبني أي عملية بصفة رسمية، كما لم تنفي تنفيذها، وكانت تلزم الصمت دائما.
لكن اليوم ولأول مرة نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق مسؤوليتهم عن استهداف تجمع قائد الجيش في منطقة جبيت العسكرية، وقال لـ(عاين) “محاولة اغتيال البرهان هي تنفيذ للتهديد الموجه له من لواء البراء في حالة موافقة البرهان على إرسال وفد الجيش إلى مفاوضات السلام المقررة في جنيف”.
ويضيف طبيق “ما تم اليوم رسالة واضحة من تيار الحرب داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، ومن المتوقع أن نرى عمليات تصفيات واغتيالات داخل قادة الجيش”.
تفاوض مشروط
ودعت الإدارة الأمريكية كل من الجيش وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات في العاصمة السويسرية جنيف منتصف أغسطس المقبل، تهدف لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات، وكان الطرفان قد رحبا بها.
وقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في كلمة مصور بثها التلفزيون الرسمي عقب نجاته من الاغتيال، إنه “معركتنا مستمرة مع العدو ولن نتراجع، أو نستسلم ولن نتفاوض مع أي جهة مهما كانت. نرحب بكل الجهود المخلصة نحو السلام، ولكن يكون سلام يحفظ عزة وكرامة الشعب، نريد أن تتوقف الحرب وراسنا فوق ومنتصرين، ولا يمكن أن تتوقف الحرب والعدو موجود في منازل المواطنين ومحاصر المدن”.
وأضاف: “نرحب بأي مفاوضات سلام، ولكن يجب أن تستوعب كل القطاعات الشعبية وحركات الكفاح المسلح، وأن تعترف أي جهة تدعو للتفاوض بحكومة السودان وسيادتها على أراضيها، والجلوس معها لاستماع وجهة نظرها بشأن وقف الحرب وتحقيق السلام.
أصابع خارجية
من جهته، يقول الخبير العسكري خالد محمد عبيد الله في مقابلة مع (عاين) إن قوات الدعم السريع تقوم باستخدام المسيرات في هذا التوقيت لإحداث هالة إعلامية، ولفت نظرا تمهيدا لمباحثات جنيف المرتقبة.
ويضيف: “استخدام المسيرات يتميز بعلاقته بالأقمار الصناعية، مما يعني دعماً دولياً غير محدود، ويبدو جلياً أن من يديرون الحرب مصرين على استمرارها وإحداث أكبر خسائر ممكنة خلال الفترة القادمة حتى موعد انطلاق مفاوضات جنيف في 14 أغسطس المقبل، ومن جهة أخرى تبقى القوات المسلحة محاصرة، ويمنع عنها الأسلحة وأجهزة التشويش لنظام المسيرات”.
وتابع “أثبتت عملية اليوم (استهداف البرهان) بأن هذه الحرب لا أخلاق فيها وغير معنية بأمن المواطن ونعول حكمة القيادة العسكرية في استخدام ما تملكه من أسلحة ذات تقنية عالية، وسيكون رد الفعل واضحا في أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وعبور الملاحة الجوية بأسباب منطقية ومعلومة للعالم أجمع، والأيام حبلى”.
وبدأت أحداث المسيرات باستهداف إفطار رمضاني لكتيبة البراء التي تقاتل مع الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع، في مدينة عطبرة شمالي السودان خلال شهر أبريل الماضي، مما تسبب في مقتل 12 شخصاً على الأقل وجرح آخرين.
كما استهدفت مسيرة أخرى في التاسع من أبريل الماضي، مدينة القضارف شرقي السودان التي يسيطر عليها الجيش، وأصابت مقر جهاز المخابرات العامة وقتها. وخلال الأسبوع الماضي ضربت طائرة مسيرة مدينة الدامر بولاية نهر النيل، وسقطت بالقرب من منزل والوالي.