سكان بعاصمة السودان البديلة يشربون مياه المجاري
عاين- 4 ديسمبر 2023
تُكابد “حواء هارون” عناء الحصول على المياه النقية لأسرتها يومياً، وهي ربَّة منزل وأم لسبعة أطفال، ونزحت بمعية أطفالها إلى مدينة بورتسودان بعدما استبدت بهم أحوال الحرب في العاصمة الخرطوم التي تشهد قتالاً عنيفاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.
تستهلك هارون، ما لا يقل عن أربع (جركانات) أوعية بلاستيكية ـ حوالي ٨٠ لتراً من المياه يومياً، ويبلغ سعر الجركانة الواحدة حوالي مائتي جنيه سوداني، بحسب افادتها في مقابلة مع (عاين). وتضيف: “هذا المبلغ باهظٌ نسبةً للحالة الاقتصادية المتردية التي نعيشها”.
وتواجه مدينة بورتسودان أزمة تاريخية مع مياه الشرب النقية، وتفاقمت هذه المعضلة لاسيما بعد أن صارت المدينة إحدى الوجهات الرئيسية للفارين من ويلات حرب العاصمة واتخذ منها قادة الحكومة التي يسيطر عليها الجيش مقراً. وتقع المدينة على ساحل البحر الأحمر على بعد ٦٧٥ كيلو متراً عن العاصمة الخرطوم وتضم موانئ البلاد الرئيسية.
يقول (معاذ أحمد) وهو يسكن في حي” ترانسيت “أحد أحياء وسط المدينة، إنهم يعتمدون بشكل أساسي على نوعين من المياه، الأولى مالحة لأغراض الاستخدام العام، ومياه مكررة تستخدم في المشرب والمأكل.
ويقوم المواطنون ببناء آبار أرضية لحفظ المياه، يضيف معاذ: “أقوم شهرياً بشراء عربة مياه مكررة سعة (٥ أطنان) لتخزينها في البئر الأرضي، وتبلغ تكلفة شرائها (٢٥) ألف جنيه”. ويشتري معاذ يومياً حوالي ٤٠ لتراً من المياه المعدنية لأغراض الشرب.
في أقصى حدود غرب بورتسودان تختلف مصادر المياه باختلاف الوضع المعيشي للمواطنين، حيث يحمل السكان الأواني، وينزلون إلى (وادي كسارات) الذي تتجمع فيه بعض مياه الأمطار في برك متقطعة، ويستخدمون هذه المياه في كل احتياجاتهم اليومية، ومن هم أحسن حالاً يشترون المياه من أصحاب الكوارو (عربات تجرها حمير).
تقول مواطنة ـ- فضلت حجب اسمها – إنها “اكتشفت أن المياه التي تُباع لهم مصدرها أحد المجاري في طرف المدينة، وأن المجري يستخدمه البعض لغسل الملابس، ويستخدم أيضاً كحوض للاستحمام”.
مراسل (عاين) تحقق من الأمر، وعند وصوله المنطقة رأى أن المجرى أشبه بوادٍ كبير يمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهو يحد الأحياء المدينة الغربية، وتأتي بعده سلسة جبلية ضخمة.
لاحظ مراسلنا، وجود عدد من النساء يجلسن على مسافات متباعدة، ويغسلن الملابس بمحاذاة مجرى المياه، كما أن هنالك أعداداً من الأطفال دون سن ١٥ يسبحون في برك المياه.
وتمنع قوات الشرطة نقل مياه هذا المجرى وبيعها للمواطنين، لذلك يتحايل البعض، ويأتي لنقل المياه عبر الكوارو في ساعات متأخرة من الليل.
ذباب وإسهالات
بأعين غائرة وملامح متعبة وحركة بطيئة، يجلس الطفل محمد صاحب الثلاث سنوات على الأرض، ويحاول بيديه الناحلتين إبعاد أسراب الذباب التي تجتمع حول وجهه.
تقول أمه حواء هارون إنه ظل يعاني الإسهال والدسنتاريا منذ وصولهم إلى بورتسودان، وتُرجع سبب الإسهالات إلى المياه غير النظيفة التي يشربونها.
وذكرت لـ(عاين)، بأنهم عندما يشترون المياه يتركونها حتى تترسب لمدة يوم كامل، ومن ثم يستخدمونها.
ويشتكي المواطنون في هذه الأيام من الذباب الكثيف الذي غزا المدينة بعد هطول الأمطار في أكتوبر الماضي، وينتشر الذباب بكميات كبيرة مهدداً صحة آلاف المواطنين.
وبحسب إفادة الطبيبة العمومية د. إسراء زين العابدين، فإنه في حال لم تحفظ المياه في أماكن نظيفة وملائمة، فإنها تكون بيئة خصبة ليضع الذباب عليها بيضه وبالتالي يتكاثر.
تضيف د. إسراء: يتسبب الذباب في نقل العديد من الأمراض مثل الإسهالات، وذلك لأنه وسيط ناقل للجراثيم.
وحذرت د. إسراء زين العابدين من أن انعدام المياه النقية قد يتسبب في الإصابة بأمراض الكلى والأمعاء والحساسيات والبلهارسيا.
معالجات جذرية
بحسب المصادر الرسمية، فإن تاريخ محطات تحلية المياه بمدينة بورتسودان يرجع إلى العام ٢٠٠٣، والآن توجد عدد من المحطات الخاصة التي تساهم في تخفيف الأزمة عبر تحلية مياه أربعات، كما أن هنالك بعض محطات التحلية الأهلية تعمل على تحلية مياه البحر الأحمر وأخرى تقوم بتحلية مياه الآبار.
تحصلت (عاين) على دراسة أعدها المدير السابق لهيئة مياه البحر الأحمر، مبارك فتح الرحمن، أرجع فيها سبب قلة مياه ولاية البحر الأحمر النقية إلى الطبيعة الجيولوجية للولاية.
ومن ضمن التوصيات التي جاءت في الدراسة أنه ينبغي إيجاد طريقة لتوصيل مياه النيل إلى ولاية البحر الأحمر، كما يجب تأهيل وصيانة مصادر المياه التي تغذي محطة أربعات وصيانة محطات التحلية وإنشاء محطات جديدة. وشددت الدراسة على ضمان السلامة العضوية لمياه الآبار المالحة التي تستخدم في الأغراض الأخرى.