بعد تخلي الحلفاء … هل يستطيع البشير كسر عزلته

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

تقرير عاين :9 فبراير 2019

بدأت حلقات العزلة الداخلية والخارجية وحبال التواطؤ من أصدقاء الأمس تعمل ضد الرئيس السوداني عمر البشير، في وقت تحدثت تقارير عن احتمالات عودة صفوف الخبز والوقود مجددا في الخرطوم والولايات. أحزاب كانت هي الاقرب للحزب الحاكم والرئيس شخصيا باتت تطالب البشير بالاكتفاء بالسلطة حتى 2020، آخرون قرروا الانسحاب من حكومة الوفاق الوطني فيما تلهب قواعد الأحزاب الأخرى المشاركة مثل المؤتمر الشعبي أحد أكبر أحزاب الحوار،  قياداتها بمطالب الانسحاب من الحكومة تارة وبالمشاركة الفعلية في التظاهرات تارة أخري. قوات الدعم السريع والشرطة بل وحتى الاجهزة الامنية -الموثق جرائمها- نأت بنفسها عن قتل المتظاهرين وتركت البشير وحده من يدافع علانية عن قتل المتظاهرين الذي أصبح المحرك الأساسي للتظاهرات حاليا.

وهل ستتخلى قوات الجنرال عن قائدها في لحظة مفصلية وصعبة، مع ظهور بوادر تراخي كبير في التعامل بعنف مع المظاهرات ليس فقط من قبل الشرطة بل حتى من قبل الاجهزة الامنية، حسب العديد من المتظاهرين والناشطين. وفيما يبدو محاولة لكسرالعزلة الشعبية والعلاقات الخارجية المتأزمة لا سيما مع دول الجوار، ابتدر البشير عدد زيارات داخلية ورحلات غير مسبوق منذ قدومه للسلطة طاف خلالها كافة أرجاء البلاد اضافة لزيارته لقطر ومصر وإلغاء زيارات أخرى عقب الاعلان عنها مثل زيارة الكويت والإمارات.

انسحابات جماعية

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

حكومة الوفاق الوطني التي يجلس على سدتها الرئيس السوداني عمر البشير منذ مايو 2017 في التداعي التدريجي بعد خروج ما يقارب نصف عدد الأحزاب المشاركة بدرجات مختلفة عن المشاركة في الحكومة او البرلمان أو المجالس التشريعية الولائية أو على الأقل الخروج عن الحوار الوطني ونعيه واتهام المؤتمر الوطني بالانقلاب على مخرجاته التي وضعها بنفسه. أول المغادرين كان حزب الإصلاح الان برئاسة غازي صلاح الدين، وحزب الامة الاصلاح والتجديد بزعامة مبارك الفاضل.

وانضم إلي الرجلين مجموعة أحزاب أخرى تحالفت سويا فيما سمي ب(الجبهة الوطنية للتغيير) داعية إلى تغيير النظام واتخاذ إجراءات استثنائية ضمنها تشكيل حكومة انتقالية للخروج بالبلاد من الأزمات الاقتصادية والسياسية. حزب الأمة الفيدرالي برئاسة أحمد بابكر نهار لحق بالأحزاب المنسحبة، مبررا ذلك برفض قتل المتظاهرين وعجز الحكومة عن حل الأزمات وتخلي الحزب الحاكم صراحة عن مخرجات الحوار الوطني.

فيما بدأت مجموعة أخرى تعد الأقرب للحزب الحاكم  القفز بعيدا عن قضية اعادة ترشيح البشير في 2020. وأعلنت 26 حزبا برئاسة الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل المعروف بصلة القربي بالرئيس البشير، رفضها الواضح لتعديل الدستور في البرلمان من أجل إعادة ترشيح البشير لدورة أخري عقب 31 سنة سيكملها في سدة الحكم في عن طريق التظاهرات الحالية أو بسيناريو اخر.

ضغوط داخلية

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

أحزاب أخرى مشاركة في حكومة الوفاق الوطني على مستوياتها التنفيذية والتشريعية تعاني من ضغوط داخلية من قبل قواعدها وصلت لدرجة استقالة بعض القيادات وانسحاب بعض مكونات الحزب من الحكومة إضافة لمشاركة بعض عضويتها بالفعل في التظاهرات لا سيما من قبل الشباب. ونتيجة المظاهرات المستمرة، دفع كوادر من حزب المؤتمر الشعبي استقالة جماعية من الحزب، رافضين استمرار القيادة في المشاركة مع الحكومة، وأبدت هذه المجموعة المستقلة التي تقارب الأربعين، غضبها من خط الحزب في الحوار والمشاركة مع النظام، رغم عدم التزام المؤتمر الوطني بمخرجات الحوار، والإنكار والتخوين والقمع الذي يواجه ثورة الشعب السلمية، على حد تعبيرهم. وأكد مصدر بحزب المؤتمر الشعبي ان قواعد الحزب وشبابه يضغطون بشدة من أجل انسحاب الحزب من الحكومة لا سيما عقب مقتل المعلم أحمد الخير وهو أحد الكوادر القيادية للمؤتمر الشعبي في منطقة خشم القربة تحت التعذيب.

الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة الميرغني يواجه ذات الحراك، اذ طالبت قيادات شبابية رئيس الحزب بالخروج عن الحكومة، فيما أيد مطالبات الشباب ابن الميرغني نفسة ومساعد رئيس الجمهورية السابق محمد الحسن الميرغني.

الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة وزير الداخلية الحالي أحمد بلال عثمان يواجه ايضا الكثير من الضغوط الداخلية على نفس المنوال. عضو البرلمان والوزيرة السابقة عن الحزب الاتحادي الديمقراطي اشراقة سيد محمود اثارت جدلا داخل البرلمان متهمة رئيس حزبها بالاشتراك في قتل المتظاهرين. ووجهت اشراقة اتهاما مباشرا الى مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الاحزاب، فيصل حسن إبراهيم، بالتدخل في قرارات مجلس شؤون الأحزاب السياسية، واتخاذ قرارات لأحزاب بعينها.

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

انتهازية ام مكسب سياسي

خروج تلك الاحزاب من الحكومة أو انتقادها واجه ردود أفعال متباينة، ففيما رفضه الكثير من المتظاهرين على الارض الا ان بعض المراقبين رحبوا به باعتباره سيضعف الحكومة ويهزم مشروع الحوار الوطني. ويصف المتظاهر محمد علي بالسلوك الانتهازي خروج هذه الأحزاب ومطالبتها بالتغيير، متهما تلك الاحزاب في حديث لـ (عاين) بمحاولة تضليل الشارع الذي انتفض ضد النظام ككل.

متظاهر آخر شكك في نوايا تلك الأحزاب ودوافعها في الخروج عن الحكومة. من تلك الأحزاب، ويتهم الحكومة دفعهم للخروج من الحكومة، ويضيف علي أحمد ل (عاين) “انهم مجموعة اقلية انتهازية تنتفع من الحكومة، ولن ننخدع بهم، ولن نجعلهم يستغلون ثورة الشعب”.

لكن الكاتب والمحلل السياسي، محمد المعتصم الحاكم رحب بانسحاب تلك الأحزاب. مبينا في تصريح لـ (عاين) أن انسحاب هذه الأحزاب يمثل هزيمة لفكرة الحوار التي حاول النظام تسويقها خارجيا في اوروبا وامريكا باعتبارها حلا سياسيا للبلاد.

بينما تقول الكاتبة والصحفية شمائل النور لـ(عاين) ان اي انسحاب من المشاركة في هذه الحكومة يعد مكسب سياسي كبير، وطالبت الاخرين ان يرحبوا به، بدلا من ممارسة الإقصاء، وتؤكد شمائل أن ما يحدث من تطورات، ما هو الا رد فعل لما يحدث في الشارع.

تشظ

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

حالة التشظي السياسي لحلفاء النظام خوفا من استمرار الهبة الشعبية انتقلت إلى القوات المساندة له والتي تدافع عنه وتدعم بقائه. القوات المحسوبة للقصر الرئاسي وذات الوزن الثقيل بعضها تبرأت من قتل المتظاهرين، وحتى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي قال ان قواته لن تنزل إلى الأرض للتصدي للمتظاهرين. ورغم استمرار قوات حميدتي في حرب اليمن تحت أمر البشير، الا انه طالب بشكل واضح بضرورة دفع مستحقات قواته ومحاسبة الذين يمنعونهم المال بحجة تعسر البنوك وشح السيولة التي وصفها حميدتي ب “المفتعلة”.

ونفى حميدتي تدخل قواته في احتكاك مع المتظاهرين المطالبين بذهاب الرئيس البشير، رغم ان قدوم قواته إلى بعض المدن تزامن مع التظاهرات المستمرة لما يقارب الشهرين حتى الان.  قوات الشرطة والامن تبادلتا أيضا حالة الإنكار في قتل المتظاهرين، وشددت قوات الشرطة انها لا تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين ولم تقتل أي متظاهر، بل ودعت لضرورة التحقيق في وقائع القتل التي حدثت خلال التظاهرات. وفي سياق ذو صلة يوضح الكاتب عبد الباقي الظافر،أن مدير جهاز الامن صلاح قوش أبدي ترحيبه بالتظاهرات، سارع في تبرئة قواته من قتل المتظاهرين، مؤكدا أن مهمة حفظ الأمن تقع علي مسؤولية الشرطة.

مشيرا الى ان قوش قال في لقاء جمعه بعدد من الصحفيين “أن هناك تغيير نتيجة قراءة تستند لمعلومات، ليست متوفرة للعامة”، ويضيف الظافر ل (عاين)  أن صلاح قوش اتهم كبار التجار بالطمع والجشع لجني الأرباح، مبينا ان قوش خسر حربه المعلنة ضد القطط السمان بسبب مراكز القوي في النظام التي لا ترغب في محاربة الفساد.

كسر العزلة

ويرى مراقبون أن الرئيس البشير يحاول كسر العزلة الداخلية التي يعانيها بالزيارات المتعددة للولايات، وقام البشير بعدد مخاطبات غير مسبوقة لتأكيد شرعيته وشعبيته. ونظم الحزب الحاكم ومسئولين في الحكومة وولاة مواكب عديدة حضرها الآلاف رافعين شعار “تقعد بس” في مواجهة شعار الثوار ” تسقط بس” التي راجت في كل البلاد لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي. وعقب الموكب الذي نظمه الحزب الحاكم في الخرطوم تحت شعار “تقعد بس” في اوائل يناير الماضي انخرط البشير في زيارات لولايات دارفور، والنيل الابيض وكسلا بشرق السودان، بينما قضي أطول زياراته في الأقاليم في ولاية شمال كردفان التي مكث فيها ثلاثة أيام.

وتقول مصادر متعددة تحدثت ل (عاين) من نيالا وكسلا أن ولاة الولايات والمسؤولين الحكوميين ونافذي الحزب الحاكم عملوا باجتهاد غير مسبوق في تجميع المواطنين من القرى ومعسكرات النازحين للإيحاء بقدوم أعداد  ضخمة للترحيب بالرئيس البشير.

وفي ولاية النيل الأبيض رفض مواطنو منطقة “الكريدة” التي زارها البشير عنوة وخاطب جماهيرها، زيارة البشير للمنطقة، ووصفها أبناء المنطقة في بيان لهم بمحاولة “استغلال” المناسبة الدينية سياسيا من قبل الرئيس وأعوانه.

بعد تخلي الحلفاء... هل يستطيع البشير كسر عزلته

توقف أموال الخليج  

وعلى ذات المنوال يرى محللون ومراقبون أن زيارات البشير للخليج لم تأت بجديد لا علي مستوي الدعم الاقتصادي أو الترحيب به سياسيا ودبلوماسيا. كما يري  كبير منسقي السياسات بمنظمة كفاية عمر قمرالدين في حديث لـ(عاين) أن دول الخليج توقفت عن دعم نظام الخرطوم، بسبب التذبذب في المواقف التي وصفها قمر الدين ب “الصبيانية”، واللعب علي كل الحبال، فهو تارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومرة أخرى مع روسيا، وثالثة في المحاور الاقليمية، شبهه عمر كمن يريد أن يقوم بدور الحاوي، في عالم أصبح مكشوفا وواضحا الآن.

ويؤكد عمر ان الحراك الشعبي قد عمق عزلة الرئيس عمر البشير، لان العالم يعرف انه في ازمة، وان زواله قد يستغرق اطول مما يتوقع البعض، مؤكدا انه لا محال زائل، والعالم يعي ذلك، ويستحيل الرهان على حصان خاسر معروف بطبعه قبل بداية السباق، ويضيف “انه الان بامتياز الجنرال في متاهته)، يحاول  التمسك بأي قشة، في بحر هائج وموج متلاطم، لذا يلجأ الي العنف تارة و الحيل المكشوفة تارة أخري، لكن الشعب السوداني، ومن خلفه العالم يرى خط النهاية، حيث لا يصلح العطار ما أفسده الدهر”.

بينما يتوقع  الدكتور حامد علي، المحاضر في الجامعة الأمريكية في القاهرة، أن تتسع عزلة النظام الاقليمية والدولية بعد أن فقد مسوغات وجوده بقتل المتظاهرين. ويضيف لـ (عاين) “سينتهي عهد الانقاذ، ويتشكل عهد جديد للسودان، يشع بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في السودان، ويعودوا من تشردوا إلى بلدانهم، ويكون السودان جزء من المجتمع الدولي، ويعيش مع شعوب حبا، والحراك الشعبي دليل على أن التغيير أصبح مطلبا شعبيا لجميع السودانيين، وهذا ما يعمق عزلة الحزب الحاكم الذي أصبح  مرفوضا شعبيا”.