كيف ستنظر إدارة (ترمب) للملف السوداني؟

عاين- 13 نوفمبر 2024

يأمل السودانيون أن ينعكس فوز “دونالد ترمب” عن الحزب الجمهوري بمقعد رئيس الإدارة الأميركية في البيت الأبيض بشكل إيجابي على الصراع المسلح في السودان بوقف الحرب بعد 19 شهرًا من القتال وتعثر الجهود الأميركية السعودية في وضع حد لهذا الصراع.

تاريخيا، وخلال صعود الجمهوريين إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة شهدت الملفات السودانية تطورات على سبيل المثال جرى توقيع اتفاق السلام في ضاحية نيفاشا بين الفرقاء السودانيين بقيادة نائب الرئيس آنذاك علي عثمان محمد طه عن ورئيس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ووزير الخارجية آنذاك كولن باول الذي قاد العملية الدبلوماسية لوقف أطول حرب أهلية في السودان مدفوعًا برغبة بلاده في رؤية بلد جديد مستقل عن السودان الأم وهي دولة جنوب السودان.

كما شهدت فترات الحزب جمهوري في الولايات المتحدة ذروة التقارب بين البلدين وتشهد بعض الوقائع على ذلك أبرزها زيارة الرئيس السوداني الأسبق الجنرال إبراهيم عبود إلى البيت الأبيض في عهد الرئيس نيكسون في ستينيات القرن الماضي.

وتدخل الحرب في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في شهرها الـ 19 وشردت نحو 13 مليون شخص ويواجه فعليا نحو 900 ألف شخص من المجاعة وتهدد أكثر من خمسة مليون شخص بالوصول إلى مرحلة الجوع وتهديد الأمن الغذائي لـ 25 مليون شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وتعثرت المفاوضات في أغسطس الماضي في جنيف بدعوة من الوساطة الأميركية السعودية على خلفية مقاطعة القوات المسلحة للمحادثات مشترطا مغادرة الدعم السريع للمدن ومنازل المواطنين.

تحرك اللحظات الأخيرة

إزاء هذه التطورات التي حدثت خلال فترات الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة سواء كان من الكونغرس أو الإدارة الأميركية في البيض الأبيض إلى جانب سن قانون حماية الانتقال الديمقراطي في عهد الرئيس ترمب نفسه أواخر العام 2020 فإن الآمال ترتبط بالتجارب التي حدثت بين البلدين.

ويربط الباحث في الشؤون الإفريقية عادل أحمد إبراهيم بين زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي توم بيرييلو إلى بورتسودان وبين التحرك الأميركي في ما أسماها “الساعات الحاسمة لإدارة بايدن” لإحداث ولو اختراق طفيف في الملف السوداني قبل أن تغادر نهاية يناير 2025 بما في ذلك المبعوث نفسه الذي ستنتهي فترته في ذلك الوقت.

ويعتقد إبراهيم في حديث لـ(عاين) أن المبعوث الأميركي يريد منح بعض الحوافز التشجيعية لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان والذي يصر على تمثيل الحكومة القائمة في مفاوضات وقف إطلاق النار بدلا عن وفد الجيش باعتبار أن القوات المسلحة تمثل شرعية الدول.

ما سيفعله الجمهوريون في الأزمة السودانية قد يكون مختلفًا خاصة مع رغبة السعودية في وقف الحرب

باحث

وتابع: “هذه الشواغل يريد المبعوث الأميركي نقاشها مع البرهان وهي تمثل تحرك الساعات الأخيرة لإدارة بايدن التي لم تتمكن من إحداث اختراق حتى الملف الإنساني متعثر بالتالي فإن ما سيفعله الجمهوريون في الأزمة السودانية قد يكون مختلفًا خاصة مع رغبة السعودية في وقف الحرب”.

ويقول الباحث في الشؤون الإفريقية إن المملكة العربية السعودية هي الدولة المفضلة لدى ترمب لحل أزمة البؤر الساخنة في الشرق الأوسط بما في ذلك الأزمة السودانية.  مضيفًا: أن “هذه المؤشرات قادت المملكة إلى عقد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الرياض 10 نوفمبر الجاري وتعد رسالة من إدارة الأمير محمد بن سلمان إلى ترمب أنهم على استعداد للقيام بدور ملموس وجديد ويمكنكم الاعتماد علينا”.

ويتوقع إبراهيم إحياء منبر جدة لعقد مفاوضات بين الجيش والدعم السريع قياسا بالتقارب بين واشنطن والرياض في عهد إدارة دونالد ترمب.

السودان ليس أولوية

لم يتطرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملاته الانتخابية إلى الحرب في السودان ولم يشير إليها حتى ضمنيا وتحدث عن الأزمة الشاملة في الشرق الأوسط وسعيه إلى حلها حزمة واحدة.

ويقول رئيس مركز فكرة وأحد أعضاء فريق التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة الحكومة الانتقالية أمجد فريد، أن “الأزمة السودانية لن تكون موضوعة على مائدة ترمب كأولوية ولم يكن مهما في ذات الوقت خلال فترة إدارة بايدن التي عينت دبلوماسيين يفتقرون للخبرة والمعرفة الكافية بهذا البلد”.

الملف السوداني لن يكون أولوية لإدارة ترمب

أمجد فريد

وأضاف: “المبعوث الأميركي تجاهل حتى العناصر التي لها دراية بالملف السوداني داخل الحزب الديمقراطي وأُديرت الأزمة عبر سلسلة من الأخطاء بواسطة موظفي الخارجية الأميركية والاعتماد على العلاقات الشخصية والمجاملات وفي لحظات إعتقدوا أنه بإمكانهم تحديد عناصر وجغرافية المشهد السياسي السوداني”.

ويواصل أمجد فريد قائلا: “حتى بعد إجبار السفير الأميركي السابق جون غودفري على الاستقالة، فشل المبعوث الجديد بيريلو في صناعة نهج جديد واستمر في نفس النهج السابق”. وأردف فريد في مقابلة مع (عاين): “تأزم الوضع أكثر بخضوع المبعوث لضغوط ادارة الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية ومراعاة مصالح الإمارات في السودان”.

اختراق يتجاوز المدنيين

ويرى المتخصص في السياسات الأميركية في السودان سليمان بلدو في حديث لـ(عاين) أن المتغيرات التي أحدثها انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية مطلع نوفمبر الجاري ستنعكس على الشرق الأوسط بدعم غير محدود لإسرائيل على كافة المستويات.

إدارة ترمب قد تتمكن من وقف إطلاق النار وتجاوز المدنيين

سليمان بلدو

 ويقول بلدو: إن “الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائل وبعض الدول العربية بما في ذلك السودان ستكون أولوية بالنسبة لإدارة دونالد ترمب وقد تكلف المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر ومصر بالضغط على طرفي النزاع في السودان لوقف إطلاق النار وإيصال المعونات الإنسانية”.

ويرجح سليمان بلدو، تهميش دور المدنيين في هذه المرحلة التي قد تطول لو تحققت إلا إذا  استشعر المدنيون الآن ضرورة التنسيق بين مواقفهم المتنافرة بالاتفاق علي جهد مشترك لإيقاف الحرب واستعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي.

وزاد بلدو بالقول: “إذا لم يتفق المدنيون ويعملوا على تقوية التحالفات لصالح التحول المدني الديمقراطي، فإن الحلول المفروضة من الخارج ستتجاوزهم جميعًا”.

ويشير الباحث في الشؤون الإفريقية عادل إبراهيم إن حكومة عبد الفتاح البرهان لن تصل إلى تفاهمات مع المبعوث الأميركي خلال زيارته المرتقبة إلى بورتسودان خلال هذا الشهر لأن الحكومة القائمة تريد شراء الوقت حتى تتسلم إدارة دونالد ترمب وترى كيفية التواصل معها واستمالتها.

وأردف: “المصالح الأميركية في السودان في الوقت الراهن تمر عبر الإمارات بالتالي من الصعب مخاطبة المصالح المباشرة بين البلدين إلا في ملفات محدودة مثل الأمن على البحر الأحمر والإدارة الأميركية سواء كان رئيسها من الجمهوريين أو الديمقراطيين لا تفعل عكس مصالحها”.

مصالح الحلفاء أولا

ويقول الخبير الدبلوماسي عمر عبد الرحمن، إن تعامل إدارة دونالد ترمب مع الملف السوداني يعتمد بشكل رئيسي على عنصرين أساسيين هما علاقتها مع حكومة عبد الفتاح البرهان التي تمثل الجيش ومصالحها مع الإمارات اللاعب الرئيسي في الأزمة السودانية.

ويرى عبد الرحمن في حديث لـ(عاين) أن إدارة ترمب تعقب فترة الديمقراطيين التي شهدت فشلا ذريعا في الملف السوداني بالعجز حتى في سياسة “إطفاء الحرائق” ووقعت المجازر خلال الحرب والانتهاكات المروعة.

المعطيات ستضعها إدارة ترمب في الاعتبار لكن ليست بشكل مباشر بل عبر مصالحها مع دول الإقليم

دبلوماسي

وتابع: “كل هذه المعطيات ستضعها إدارة ترمب في الاعتبار لكن ليست بشكل مباشر بل عبر مصالحها مع دول الإقليم وهي مصر والسعودية والإمارات وهو مثل عملية النظر إلى ثقب السودان الصغير عبر هذه البلدان فقط لا غير”.

ويقول عمر عبد الرحمن: إن “الرغبة الأميركية لوقف الحرب في السودان غير كبيرة ولا تحيطها الدوافع الكبرى لإنهاء الصراع الأعنف من نوعه والذي قد ينتقل مرحلة الإبادة الجماعية للمواطنين في مدن كاملة كما يحدث في ولاية الجزيرة”.

ويرى عمر عبد الرحمن، أن الولايات المتحدة عجزت عن وقف تدفق السلاح ولا زالت الشحنات تتدفق عبر إقليم دارفور من دول الجوار إلى قوات الدعم السريع وهناك تقارير دولية تشير إلى وصول شحنات كبيرة من الأسلحة.

وزاد بالقول: “حتى إسرائيل ليست بعيدة عن العملية باعتبار أن حميدتي له علاقات مع الموساد بينما البرهان علاقته عبر القنوات الدبلوماسية الإسرائيلية”.

ويقول عبد الرحمن: إن “النظر إلى القضايا الجيوسياسية في حرب السودان مهم للغاية بمعزل عن من أشعل الحرب وعدم اختزالها في الصراع السياسي الداخلي لقد انتهى ذلك الوقت الآن الصراع يتجه نحو التدويل بين دول الإقليم”.

ويختم عبد الرحمن إفادته محذرا من أن الحرب قد تقود إلى انقسام السودان إلى دويلات وربما أصبح المجتمعين الإقليمي والدولي يعملان على التكيف مع الظروف التي قد تنتجها الحرب سواء بقيت دولة واحدة فاشلة تحت نظام عسكري قمعي أو دويلات مفككة وفاشلة.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *