حكومة (قحت) بين ضغوط أهداف الثورة ومواجهة التطرف الديني
تقرير: عاين 3 ديسمبر 2019م
بعد انتظار طويل للثوار لتحقيق واحدة من أعز مطالب ثورة ديسمبر وهو تفكيك نظام حكم الاسلاميين والغاء كافة القوانين المقيدة للحرية والتي تضطهد كافة فئات المجتمع لاسيما المرأة، حسمت حكومة الثورة بمكونيها المدني والعسكري أمرها بإجازة قانون تفكيك نظام الانقاذ وإلغاء قانون النظام العام الذي استخدم لإذلال المرأة السودانية لسنوات طويلة.
مراقبون وثوار يرون ان “تجنب المواجهة” مع الإسلاميين من النظام البائد، ربما كان هو العنوان الأبرز لأداء حكومة الثورة السودانية وتحالفها الحاكم قوى إعلان الحرية والتغيير الأمر الذي عطل امكانية تحقيق أهداف وتطلعات الثورة السودانية في تحقيق الدولة المدنية الذي يتضمن بالقطع إلغاء وتعديل بعض التشريعات والقوانين التي حكم بها النظام المخلوع.
ويمضون للإشارة إلى أن المنظومة الحاكمة التي توافقت عليها قوى الثورة السودانية، تمضى بخطوات متثاقلة في حسم بعض القوانين وتعديل الاخرى، وكانها تتجنب المواجهة مع الإسلاميين الذين تم اقتلاعهم شعبيا من الحكم.
كما يرون أن الحكومة الانتقالية منذ استلامها مقاليد الحكم في البلاد تعد باستمرار بتعديل قوانين وإلغاء بعضها والمصادقة على اتفاقيات دولية ذات تعارض مع توجهات الاسلاميين او “الشريعة الإسلامية”، دون تنفيذ.
وفي المقابل يواصل الاسلاميون ضغوطهم علي الحكومة الانتقالية عن طريق تحالفات معسكر الإسلام السياسي الذي عرف بـ”تيار نصرة الشريعة” الذي يقوده عدد من السلفيين و رموز النظام السابق وغيرهم من أئمة المساجد والمقربين من حكومة المخلوع عمر البشير.
تهديد
وعقب اجازة قانون تفكيك النظام السابق بعد اجتماع مطول بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء الاسبوع الماضي، ندد الإسلاميون بالقانون و وصفوه بالتمييز علي الاساس السياسي والاستهداف الفكري وهددوا بمواجهته بمختلف السبل السلمية.
واندلعت عدة مواجهات فكرية وسياسية بين الجماعات الاسلامية التي يعمل أنصار النظام السابق تحت عباءتها ووزراء ومسئولي الحكومة الانتقالية وقيادات قوى الحرية والتغيير خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يتخوف الكثيرون ان تتحول لمواجهات مباشرة و استقطاب مجتمعي تحاول أن تقوده قوى الثورة المضادة.
وكانت وزيرة الشباب والرياضة تعرضت للتكفير من قبل القيادي السلفي المقرب من نظام البشير- عبدالحي يوسف، فيما تعرض معرض الاخوان الجمهوريون في معرض الخرطوم الدولي للكتاب لهجوم مسلح من قبل متطرف لكن تم احتواء الحادثة دون خسائر، وليس اخيرا فقد تعرض مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي في الحكومة الانتقالية د. عمر القراي لهجوم عنيف بعد عقده لمؤتمر صحفي هو الأول بعد تسلمه لمنصبه أعلن فيه أن المنهج الذي يدرس للطلاب حاليا مسيّس ويخدم أغراض النظام البائد ويثقل التلاميذ الصغار بحفظ سور كثيرة من القرآن.
الثورة المضادة
يرى الناشط السياسي، أمجد فريد، ضرورة التصدي العاجل والصارم فكريا وسياسيا لتحركات الإسلاميين لجهة أنه يعتبرها تحركات الثورة المضادة بالضبط. ويقول لـ(عاين)، ان المعركة الاساسية لقوى التغيير في الفترة الانتقالية هي تصفية جيوب النظام القديمة بشكل ديمقراطي وعادل، وان “هذه التركة الموروثة قد قام عليها نظام المخلوع واعتمدت على التمييز بين مكونات الشعب السوداني دينيا واثنيا، لذا واجب المرحلة التخلص من هذا العبء”.
ويشير فريد، إلى انه كان من المعلوم استغلال الاسلاميين كل ادوات التشويه بعد فقدانهم ما سماه بحبل الغذاء السري من مقدرات الشعب السوداني في دولته المنهوبة لثلاثين عاما ولذا اصبح من الضرورة بالنسبة لهم تبديل شعاراتهم، فقبل أشهر كان الاسلاميين يهتفون بشعارات “فلترق كل الدماء” واليوم ينادون بالحقوق والعدالة التي غيبوها عن الشعب السوداني طوال سنوات حكمهم.
تردد وخطوات ناقصة
بينما توجه قيادات نسوية هجوما على الحكومة الانتقالية و تتهمها بالاستجابة لضغوط خطاب الثورة المضادة الأمر الذي قاد لترددها وبطئها تجاه تنفيذ مطالب الثوار.
وترى أن الخطوات التي تم اتخاذها بالغاء قانون النظام العام ما تزال منقوصة، مشيرين الى تردد الحكومة تجاه المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو“، بسبب الحملة التي قادها الإسلاميون ضد المصادقة عليه.
وتقول سكرتيرة مبادرة لا لقهر النساء، أميرة عثمان، أن خطوة إلغاء قانون النظام العام ما تزال جزئية ولا تحترم نضالات المرأة السودانية ما لم تتبعها خطوات بتعديل في الباب 15 المتعلق بالآداب في القانوني الجنائي. وتشير عثمان إلى أن الباب المذكور بجميع مواده يكتنفه الغموض وعدم الوضوح وتعتمد على تفسير المنفذ وهذا بالقطع يندرج تحت السلطة التقديرية له.
وتضيف أميرة عثمان، في مقابلة مع (عاين)، بأن ما تقدمت به المبادرة ضمن منظومات نسوية أخرى للمطالبة بالانضمام لسيداو والغاء منظومة قانون النظام العام كاملة وقانون الأحوال الشخصية لم يتم الرد عليه من قبل مجلس السيادة، وبالتالي لا نفهم تقديراتهم بالضبط لعدم الرد لكننا علمنا منهم أن هناك لجان قانونية تعمل على تعديلات في القانون الجنائي والأحوال الشخصية. وتدعوا عثمان إلى ضرورة اشراك مبادرة لا لقهر النساء مع غيرها من المجموعات المهتمة بقضايا المرأة في عملية إجازة هذه التعديلات والوقوف على تفاصيل هذه التعديلات.
ضغوط
وضمن الضغوط التي تمارسها المجموعات النسوية التي شاركت بصورة غير مسبوقة في الثورة، تجمعت عضوات منظمات نسوية لحظة اجتماع مجلسي السيادة والوزراء المزمع لتعديل القانون وسلمن مجلس السيادة مجددا مذكرة تطالب بإلغاء المنظومة الكاملة للنظام العام لجهة أن القانون لا يمثل كل المنظومة التي تنتهك حقوق المرأة في القوانين السودانية.
ودعت المذكرة للمصادقة على الغاء منظومة النظام العام كاملة ( قانون وشرطة ومحاكم) ودمج كل رجال تنفيذ القانون تحت إدارة الشرطة العامة، إلى جانب إسقاط وإلغاء كل المواد من القانون الجنائي التي تخالف الوثيقة الدستورية وتهين كرامة المواطن/ة والتي استخدمت تحت مظلة النظام العام في العهد البائد وهي المواد (152،153،154،155)من القانون الجنائي لسنة 1991.
كما سلمت منظمات نسوية في 19 أكتوبر الماضي مذكرة لوزير العدل نصرالدين عبدالباري تطالب بالانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو“وإلغاء كل من قانون النظام العام، والأحوال الشخصية.
وسارع عبد الباري بالتعهد بتنفيذ المطالب، قبل ان يصمت ازاء الانضمام لـ”سيداو” وقد اثرت حملة قادها الإسلاميون ضد الاتفاقية وتحريضهم ضدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ورفع رئيس الحزب المحظور إبراهيم غندور شعار عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجد تجاوبا وسط أعضاء حزبه سماه “لا لسيداو” شن فيه هجوما ضاريا ضد المادة الثانية من الاتفاقية التي تنص على أنه يجب على الدول الموقعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني.
بجانب “إعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلال القضاء وسيادة القانون” بالاضافة للعمل على تمكين المرأة السودانية ومحاربة كافة أشكال التمييز والاضطهاد التي تتعرض لها”. وقد مثلتا الفقرتين 5، و6 من إعلان الحرية والتغيير الموقع بين مكونات سياسية ومدنية في يناير من العام 2019 والتي التف حولها الشعب السوداني خلال التظاهرات التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل الماضي.
المواجهة
وإزاء الخطوة التي ألغت قانون النظام العام وسن قانون يفكك دولة الانقاذ وسياسة التمكين التي انتهجها النظام السابق، فإن نشطاء مدنيين وسياسين يعتبرون أن الخطوة جاءت متأخرة ويتهمون قوى التغيير بتجنب المواجهة مع الإسلاميين، إلا ان ردة الفعل الحادة للجماعات الإسلامية كانت كبيرة عبر أنشطتهم في منابر المساجد ووسائل التواصل الاجتماعي.
وإعلان رئيس حزب المؤتمر الوطني المخلوع ابراهيم غندور ان “حزبه لن يكون في المعارضة المساندة للحكومة الانتقالية و تمايزت الصفوف بين اليسار واليمين”.
ويعزو الكاتب والمحلل السياسي علاء الدين بشير، ارتفاع نبرة الإسلاميين وتهديداتهم المستمرة واعلان حرصهم على الدين في أعقاب الإجراءات الإصلاحية في الدولة على مستوى القوانين والتشريعات، إلى يقينهم ان هذه الاجراءات ستعمل على تفكيك خطابهم السياسي الأيديولوجي، وسيعودون الى استدرار العاطفة الدينية في مواجهة اجراءات قوى الحرية والتغيير هذا التحالف العريض والذي هو من صلب المجتمع السوداني المعتدل دينيا. ويلفت بشير، إلى الفرق الكبير بين الدين وايدلوجيا التنظيم السياسي للاخوان المسلمين، ويقول لـ(عاين)، ” ان ما طبقوه خلال فترة حكمهم هو تصورهم للدين ومن المهم الفصل بين أيديولوجية الاخوان المسلمين وقيم المجتمع السوداني”.
صعوبات
وفي رده على سؤال (عاين) عن تجنب “قوى إعلان الحرية والتغيير” المواجهة مع التيارات الدينية المتشددة يقول، علاء الدين بشير، ان هذا الامر يعود الى عدة اسباب من بينها عدم وضوح الرؤية لقادة الحرية والتغيير وأن الخوض في المعارك الفكرية الدينية موضوع مخيف، وهذا بالقطع غير مبرر فمثلا الفكر الجمهوري يقر رؤية واضحة بأن الشريعة الإسلامية التي طبقت في عهد الرسول لا تصلح أن تطبق في عصرنا هذا.
إن هذه الرؤية الواضحة للجمهوريين في موضوع الدين لا تمتلكها معظم قيادات قوى الحرية والتغيير- بحسب علاء الدين – الذي يقول ان الصراع فكري بين المفاهيم الدينية السلفية وايدلوجيا الإخوان المسلمين في مواجهة الأفكار والمفاهيم الدينية الحديثة. ويشير إلى أن أغلب القيادات تتوحد في موقف أن المعركة الدينية لم يحن وقتها، لكنى اعتقد انهم لا يمتلكون أدوات خوضها.
ويرى علاء الدين، أن لجوء الحرية والتغيير لاستغلال سلطة الدولة لفرض مواقفها في موضوع الدين مواجهة بصعوبات عديدة ولا يعقل أن نستغل سلطة الدولة في زمن التغيير كما كان يستغلها النظام البائد، لذلك من الأفضل مواجهة العمل على اقتلاع جذور الهوس الديني، وأن نقول كلمة الحق ونتبعها لان الفترة الانتقالية قصيرة والتحديات جسيمة ويجب تجنب الخوف ومواجهة الأفكار بمثلها، ويلاحظ انه ومن خلال كل الانشطة والنقاشات الفكرية هناك جيل متعطش للمعرفة ويمتلك جرأة في طرح افكاره “يجب أن نتيح له الفرصة”.
وينوه بشير، إلى ان هناك عاملاً آخراً يراه مهما في ان الثورة السودانية لم تنته بنصر ثوري ساحق ومعلوم انها انتهت إلى شراكة مع مكون عسكري كان يمثل بعضهم اللجنة الامنية للنظام السابق وبالتالي تظهر لديهم من وقت لآخر مشغولية حماية بعض الرؤى والتصورات الموروثة من النظام السابق.