سلطات (كسلا) تتجه لإخلاء المدارس وتحويل النازحين لمراكز بديلة
حملة ساندوا السودان: أعداد وتحرير – مداميك
14 أبريل 2024
منذ اندلاع الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل العام الماضي، وجد الآلاف من السودانيين أنفسهم على موعد مع فرار ما زال مستمرا منذ عام كامل، يهيمون على وجوههم بين المدن والقرى مع توسع رقعة المعارك وتفاقم الأوضاع الانسانية، وتعذر الحصول على مساعدات انسانية نتيجة تعنت طرفي الصراع في الاستجابة للنداءات المحلية والدولية لفتح ممرات آمنة لإغاثة المحتاجين.
وتعد مدينة كسلا بشرق السودان واحدة من المدن التي استقبلت آلاف النازحين الهاربين من جحيم المعارك والاعتداءات والانتهاكات المتواصلة بحق المدنيين، والتي يرتكبها طرفا الحرب وتتحمل قوات الدعم السريع القدر الأكبر منها كلما سيطرت على مدينة او قرية، لكن هؤلاء النازحين يعانون من الفقر والامراض وتوقف مصادر دخلهم، إذ تمثل الاسر التي تضم الاطفال وكبار السن نسبة كبيرة بين النازحين.
وحسب منظمة اطباء بلا حدود في السودان، فإنه حتى فبراير 2024، يتواجد نحو 190,000 نازح في ولاية كسلا وحدها، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى مساعدة إنسانية شاملة، ومن بين هؤلاء، فر نحو 40,000 شخص خلال أعمال العنف الأخيرة في ولاية الجزيرة.
محنة
محنة النازحين في كسلا مثال معبر عن الأزمة الإنسانية الأوسع نطاقًا في السودان نتيجة النزاع الوحشي المستمر، إذ يعاني الناس من خسائر بشرية كبيرة وفقدان سبل العيش وانعدام الأمن الغذائي.
خططت منظمة أطباء بلا حدود لبرنامج مدته 10 أسابيع لتقديم مساعدات طبية وإنسانية استجابة لحالة الطوارئ الحادة، واختتم هذا العمل في 10 مارس. ويُشار إلى أنّ حجم الأزمة يتجاوز قدرة أي منظمة بمفردها، مما يتطلب إجراءات عاجلة ومنسقة من المجتمع الدولي.
وأكدت المنظمة في بيان صحفي نهاية مارس المنصرم، أن الرحلة إلى كسلا لم تكن سهلة بالنسبة للنازحين، الذين عانى الكثير منهم من النزوح عدة مرات قبل الوصول إلى هناك؛ ويشرح أحد النازحين الرحلة المحفوفة بالمخاطر التي خاضها هو وأسرته إلى كسلا.
ويقول عبد الغني وهو نازح في كسلا “بعد تأمين النقود اللازمة للذهاب من ود مدني إلى كسلا، أصبح التنقل صعبًا. بحثنا لمدة أربعة أيام لتأمين سيارة ولم نجد. استخدمنا الكارو (عربة خشبية يجرها حمار)، ثم استخدمنا التكتك، حيث تم تقسيم الناس لمجموعات”.
ويضيف “وكما أذكر، كنا في منطقة جسر البقاع للإخلاء، وكانت هناك طائرة حربية تحلّق فوقنا فردّت قوات الدعم السريع بمدافع مضادة للطائرات وكنا على بعد 20 مترًا. كان هذا واحدًا من أصعب المواقف التي مررنا بها”. ورصدت (مداميك) حالة من البؤس يعيشها النازحون الذين يقطنون بمراكز الايواء في المدارس، بينما فضّل عدد قليل السكن مع اقاربه أو ايجار منزل في المدينة، ويحاول الرجال الذين جاءوا بصحبة اسرهم الحصول على عمل لسد الفراغ الذي يعيشونه ومحاولة الصرف على أنفسهم دون انتظار المساعدات الانسانية التي تقدمها المنظمات العاملة، والتي تحاول باجتهاد سد حاجة النازحين من المواد الغذائية. يتخوف هؤلاء النازحون حاليا من قرار حكومي مرتقب حسبما تم ابلاغهم من قبل بعض المشرفين على مراكز الإيواء، يقضي بافراغ المدارس من النازحين لبدء الدراسة في المدارس، وقالت الحاجة فاطمة التي نزحت مع أبنائها من مدينة ود مدني بعد السيطرة عليها من قبل الدعم السريع لـ(مداميك) انه تم ابلاغهم بقرب إخراجهم من المدارس وتحويلهم إلى مراكز إيواء بديلة.
وتؤكد منظمة أطباء بلا حدود أن الظروف المعيشية للنازحين في كسلا سيئة للغاية، من حيث الملاجئ المكتظة ومحدودية الوصول إلى الغذاء والمياه النظيفة وعدم كفاية خدمات الرعاية الصحية والوصول إليها. ومنذ نهاية ديسمبر 2023، عالجت فرق أطباء بلا حدود 2,126 مريضًا من التهابات الجهاز التنفسي في مواقع تجمع النازحين المختلفة في المدينة – وهو مرض شائع في الجو البارد، إلا أن هذا الأمر يزداد سوءًا بالنسبة للأشخاص الذين ليس لديهم خيار سوى النوم في الملاجئ التي لا تحميهم بشكل كافٍ من البرد والرياح.
وتضمّنت استجابة منظمة أطباء بلا حدود توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية ورعاية الصحة الجنسية والإنجابية والرعاية النفسية ومبادرات التوعية الصحية. وتم نشر عيادات متنقلة للوصول إلى مواقع التجمع النائية، مما يضمن وصول الرعاية الطبية الأساسية إلى من هم في أمس الحاجة إليها. وقالت نائبة رئيس بعثة أطباء بلا حدود في السودان، كلير سان فيليبو، “لا تزال هناك تحديات كبيرة. فالتكلفة المرتفعة للخدمات الطبية، لا سيما بالنسبة للنساء اللواتي يحتجن إلى الرعاية الصحية الإنجابية، تشكل عائقًا كبيرًا.”
قلق
علاوة على ذلك، لا تزال حماية الناجين من العنف الجنسي والجنساني مصدر قلق دائم، في ظل محدودية القدرة على الوصول إلى المساحات الآمنة وخدمات الدعم التي تؤدي إلى تفاقم ضعفهم”. فيما لا تتوفر علاج الأمراض غير المعدية على غرار ارتفاع ضغط الدم والسكري إلا بقدر محدود جدا، مما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية في كسلا. وتلقى نحو 800 مريضا، 13 في المئة من العدد الإجمالي لاستشارات العيادات الخارجية، العلاج من الأمراض المزمنة من قبل فرق أطباء بلا حدود خلال الأسابيع العشرة من الاستجابة الطارئة. وأوضحت أطباء بلا حدود أن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدة وتعزيز التنسيق بين المنظمات القليلة العاملة من أجل ضمان توفّر أساسيات الرعاية الصحية، ويجب إعطاء الأولوية لإمدادات مستدامة من الغذاء والمياه النظيفة والصرف الصحي للتخفيف من معاناة المجتمعات النازحة ومنع المزيد من الخسائر البشرية.
السيدة نون ابراهيم التي تسكن في مدرسة بمدينة كسلا برفقة أسرتها، قالت لمداميك “إنهم فروا من الخرطوم نحو مدينة ود مدني بعد اندلاع الحرب، لكن الحرب لحقت بهم هناك أيضا فاضطروا للنزوح مجددا إلى كسلا” وأضافت “انه تم استضافتهم في احدى المدارس وقدمت لهم المنظمات الخيرية المساعدات، وأشارت إلى أن أوضاعهم سيئة بسبب توقف عملها وزوجها وتوقف تعليم اطفالها.
ونوهت إلى انهم يتخوفون حاليا من اخراجهم من المدارس، حسب ما قيل ليهم من بعض المشرفين على سكن النازحين، على أن يتم تحويلهم إلى مراكز إيواء جديدة بعيدة عن المدينة، واكدت انهم لن يذهبوا للمراكز الجديدة وسيحاولون تأجير منزل صغير بدلا عن ذلك، وإذا تعذر عليهم سيغادرون إلى مدينة أخرى.
وتعاني الكثير من المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء من الازدحام بسبب كثرة عدد النازحين ووصول نازحين جدد كلما تفجرت المعارك أكثر خصوصا في ولاية الجزيرة، وقد وجد المئات من الرجال أنفسهم عاطلين عن العمل بين ليلة وضحاها، وفشل الكثيرون في دخول السوق لعدم توفر رأس المال بأيديهم ومحدودية المجال الاقتصادي في الولاية، وباتوا يعتمدون على تلقي المساعدات التي تقدمها المنظمات بين الحين والاخر لاطعام اطفالهم، ويعيش هؤلاء النازحين كابوسا لا ينتهي، منتظرين ان تنتهي الحرب ليتنفسوا الصعداء وتتوقف معاناتهم.
(#) إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan