الاختفاء القسري في الخرطوم بالتزامن مع فض اعتصام القيادة
تقرير: عاين25 يونيو 2019م
ضمن الانتهاكات الواسعة التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم منذ فض اعتصام القيادة في فجر الثالث من يونيو، كانت حالات الاختفاء القسري لعدد كبير من المواطنين بينهم ناشطين ومتظاهرين كانوا في ساحة الاعتصام لحظة الهجوم الذي شنته القوات الحكومية بقيادة الدعم السريع والاجهزة الامنية. وما تزال تضج وسائل التواصل الاجتماعي ولقاءات الثوار بالبحث عن الاصدقاء أو الاقارب المفقودين.
الكثير من الأسر ترسل رسائل بمواصفات وشكل بناتهم وابنائهم في معظم الحالات لا توجد إجابة شافية حتى الآن. يتم ذلك وسط تقارير طبية وصحية ومشاهدات لعدد كبير من ضحايا أحداث فض الاعتصام تفيد بارتكاب حرائق وطفو جثث تم إلقاءها في النيل، فيما كشف تجمع المهنيين عن 12 حالة اغتصاب تم توثيقها عن طريق مراكز متخصصة.
متاريس
خلال الساعات التي تلت فض الاعتصام الاثنين قبل الماضي، تجمع “وليد وعاصم وخليفة” واثنين آخرين من أصدقائهم في محطة سراج الفتيحاب أم درمان وانخرطوا في عمل التروس التي انتشرت في كل أحياء العاصمة الخرطوم فور انتشار خبر فض الاعتصام في وقت مبكر من الصباح.وبينما يجمع هؤلاء الصبية كل ما من شأنه إغلاق الشارع من كتل خرسانة وطوب وغيرها، ظهرت سيارة تتبع لقوات الدعم السريع عليها عدد من الجنود، لم يكترث الشباب المتجمعين لاقترابها وواصلوا عملية غلق الشوارع المحيطة بالمنطقة، لكنه ولحظة انتقالهم الى محطة الخليج في المنطقة، فاجأت القوات المهاجمة المتظاهرين الغاضبين بوابل من الرصاص الحي وفق ما قالت شاهدة العيان، ماجدة كوكو لـ(عاين).
وتضيف كوكو ، سقط على الفور اتنين من الشباب احدهم اصيب بطلقتين في رقبته والآخر في الرأس وآخر اصيب ودمه ينزف من صدره وسقط على الأرض ووقتها كانت القوات المهاجمة تحاول رفع القتلى والمصابين بالقوة للحيلولة دون إسعافه، لكن الشباب الموجودين وقتها في المكان تدخلوا وبعدها لم يتمكنوا من سحب الجثتين بالقوة من بين عناصر قوات الدعم السريع التي تمكنت أثناء هذه المحاولة من رفع أحدهم والهرب به.
ومن يومها– بحسب ماجدة كوكو– لم يتم العثور على الشاب حيا او ميتا. واشارت الى ان عائلته واهل احياء بحثوا لدى كل الجهات التي يمكنهم العثور عليها فيه. وطافوا جميع المستشفيات في المنطقة لجهة انه ولحظة رفعه الى عربة القوات كان مصابا بجانب اعتقاد بأن عملية الهرب به من المتظاهرين الغاضبين كانت بنية اسعافه.وأشارت كوكو، لم يكن احد يتصور ان عملية هروب القوات بالشاب الغرض منها إخفاء الجريمة التي تقول انها كانت مشهودة وبحضور العشرات من المتظاهرين في المحطة المكتظة.
أعداد كبيرة
اعداد المفقودين المبلغ عنهم كانت بالعشرات في الأيام التي تلت فض الاعتصام، وتقول عائلات وأصدقاء وزملاء عدد من الذين اختفوا بعد عملية فض الاعتصام فجر الاثنين قبل الماضي بأن هناك أعداد كبيرة من المتواجدين في ميدان الاعتصام لجأوا الى مقار وبنايات قريبة من المكان وآخرين مصابين تم اسعافهم مع مئات الجرحى الى المستشفيات، وانقطع التواصل بينهم و اسرهم واصدقائهم لجهة تأكيدهم بأن أي معتصم تم القبض عليه يومها في ميدان الاعتصام تم نهب هاتفه الجوال من قبل القوات المهاجمة وآخرين مصابين لجأوا الى المنازل في منطقة بري التي لاذ إليها عدد كبير ممن كانوا في ميدان القيادة العامة للجيش.ويقول ناصف الأمين، وهو احد الشهود، انه كان محتجزا لأيام بعد عملية فض الاعتصام مع العشرات داخل مبنى كلية الاشعة في محيط الاعتصام قبل ان يتمكن بعضهم من التسلل والهروب. ويضيف الامين لـ(عاين)، “كنا محتجزين في ظروف سيئة للغاية ونخاف الخروج لأن القوات المهاجمة كانت ترتكز في البوابات وبعضها اقتحم وكسر بعض قاعات ومكاتب الكلية بحثا عن المعتصمين المختبئين“.
اختفاء مريب
يقيم الناشط المسرحي، أسامة يوسف، طيلة أيام الاعتصام مع جمع في خيمة الدراميين بأرض الاعتصام، ونهار يوم فض الاعتصام وبتفقد المقيمين في الخيمة والخيام المجاورة تكشف لهم ان يوسف مفقود حتى اللحظة بعد أن فقدت نقطة الاتصال به. وقال عدد من مرتادي خيمة الدراميين لـ(عاين)، ان ليلة الفض وبعد عمليات الكر والفر شوهد اسامة موجودا في الصفوف الأمامية التي واجهت القوة وعرفت عنه شجاعة منقطعة النظير اصيب على اثرها في حادثة 8 رمضان بشارع النيل.
في الساحة التي عرفت بساحة المفوضية وتقع خلف مقر مفوضية الشؤون الانسانية في محيط الاعتصام انتصبت خيام عديدة ومن بينها خيمة أبناء أربجي بولاية الجزيرة، ليلة فض الاعتصام نام عدد كبير من نشطاء المنطقة داخل خيمتهم وبعد مهاجمة الساحة من قبل القوات المقتحمة تشتت من في الخيمة وقتل منهم ثلاثة على الفور وأصيب آخرون، لكنه وبعد أيام من الحادثة غاب نحو 8 من افرد الخيمة وجميعهم نشطاء مدنيين في قضايا مختلفة.
وتقول عبير الطيب، وهي من سكان منطقة اربجي وناشطة في المنطقة، انه وبعد اقامة العزاء للقتلى الثلاثة في منطقة اربجي تكشف لنا ان 8 من أبناء المنطقة لم يتم العثور عليهم. واضافت لـ(عاين) لكن بعد ايام تم العثور على بعضهم في المستشفيات مصابين وآخرين احتموا بمنازل قريبة من محيط الاعتصام وبعض المصابين مازالوا يتلقون العلاج في المستشفيات.
واشارت الطيب، الى ان الناشط في مجال التطوع الطبي “النور حسين التوم” لم يتم العثور عليه حتى اليوم. وتبين عبير الطيب، “تجرى عائلته منذ وقت محاولات عديدة شملت كل المستشفيات في العاصمة تقريبا بجانب دور الشرطة واي مكان تأمل عائلته بأن يكون موجودا به لكن دون جدوى حتى الآن”. وتضيف “المنطقة تعيش حالة حزن كبيرة وعائلة النور يلفها الحزن وتعمل جاهدة في الحصول على أي تفاصيل بشأنه لكن لا أثر له حتى الآن“. واوضحت الطيب، ان عدد كبير من اصدقائه اجمعوا على تواجده في ميدان الاعتصام ليلة الاقتحام وهو من الشباب الذين لم يبرحوا مقر القيادة العامة منذ 6 أبريل الماضي يوم دخول السودانيين الى ارض الاعتصام.
صعوبة الحصر
هذه الإفادات تعضد منها، أحاديث متطابقة لنشطاء العمل الطوعي في البلاد وقالت عضوة في مبادرة شارع الحوادث بالخرطوم فضلت حجب اسمها لـ(عاين)، هناك مفقودين عددهم ليس محصورا ونعمل على تبيان الأمر وجمع اكبر قدر من المعلومات حول المفقودين من عائلاتهم. وأضافت “ميدان الاعتصام ضم عدد مقدر من المشردين والمشردات.. المجزرة كانت كبيرة و ستكتشف المزيد من خيوطها وبشاعتها في مقبل الأيام“.
وتؤكد مصادر طبية أن محاولات حصر المفقودين من ساحة الاعتصام لا سيما عقب حالة الاستهداف الشرسة التي وجهت ضد الناشطين والفتيات المتظاهرات و الطبيبات والاطباء بصورة خاصة، والتي اتسعت لاحقا لتشمل الشباب المقاومين في لجان الاحياء وغيرها من قواعد تجمع المهنيين في القطاعات المهنية المختلفة.