«موت وإعدام».. المدنيون والعسكريون في معتقلات طرفي حرب السودان
11 أكتوبر 2023
يتبادل طرفا حرب السودان الاتهامات حول انتهاكات القانون الإنساني فيما يتعلق بالمحتجزين من ضباط وجنود الجيش والدعم السريع بجانب الانتهاكات التي طالت المواطنين الذين يجري اعتقالهم نتيجة لإشتباه أحد الأطراف بالتبعية لطرف آخر.
قبل نحو ثلاثة أشهر اعتقلت قوات الدعم السريع من حي الديم بوسط الخرطوم رجلا ستينياً بالاشتباه وقامت باقتياده إلى مكان مجهول. وظلت أسرته تبحث عنه لوقت طويل، وبعد شهر من البحث المضني علمت بمكان احتجازه ووضعه الصحي الذي يزداد سوءا بسبب التجويع والتعذيب.
وفي نهاية الشهر الثالث من الاعتقال تلقت الأسرة نبأ وفاة هذا الرجل المسن، بعدما طلبت قوات الدعم السريع منهم الحضور لاستلام الجثمان- بحسب ما أبلغت عائلته (عاين).
وبحسب تقرير“معتقلات الموت” الذي أعده محامو الطوارئ ، نشأت أثناء حرب السودان، العديد من مراكز الاعتقال التابعة للطرفين المتحاربين في العاصمة الخرطوم، (44) منها لقوات الدعم السريع و (8) للجيش السوداني. ولفت التقرير إلى أن المعتقلات تعاني من عدم التهوية والرطوبة العالية التي تؤدي إلى صعوبة في التنفس، الأمر الذي أدى إلى وفاة عدد من المعتقلين.
وكانت منظمات ونشطاء معنيون بالدفاع عن حقوق الإنسان في السودان قالوا في وقت سابق لوكالة رويترز: “إن لديهم أدلة على أن قوات الدعم السريع شبه العسكرية احتجزت أكثر من 5000 شخص في ظروف غير إنسانية بالعاصمة الخرطوم.
وفيما يرى الحقوقي عبد الباسط الحاج، أن القانون الدولي الإنساني وضع قواعد قانونية ملزمة للأطراف المتحاربة سواء أن كانت الحرب دولية أو داخلية. يصنف القانون الدولي القتال في السودان إلى أنه يرقى لمستوى نزاع مسلح غير دولي (داخلي). وتشمل القوانين التي تنطبق في هذه الحالة المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والتي تحدد المعايير الدنيا للمعاملة المناسبة للأشخاص الخاضعين لسيطرة الطرف المتحارب، أي المدنيين والمقاتلين الجرحى والأسرى؛ و”البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف بشأن النزاعات المسلحة غير الدولية”؛ والقوانين العرفية للحرب، خاصة فيما يتعلق بأساليب ووسائل الحرب.
وأوضح الحاج، في مقابلة مع (عاين) أن تلك القواعد وُضعت لأن الحروب عادة ما تحدث بها الكثير من التجاوزات التي يُجرمها الضمير الإنساني. وبناء على ذلك فإن القانون الدولي الإنساني يُوجب الأطراف المتصارعة على الالتزام بضوابط الحرب ويُجرّم الخروج عنها.
وتؤكد اتفاقية جنيف للعام 1949 في الفقرة الأولى المتعلقة بحماية المدنيين، أن الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم والأشخاص العاجزين عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز، يعاملون في كل الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز يقوم على اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد، كما يوضح الخبير الحقوقي.
ويضيف: كما يحظر وقفاً لنص المادة الثالثة الفقرة الأولى، الاعتداء على السلامة البدنية والحياة والمعاملة القاسية والتعذيب أو التشويه، كما يحظر أخذ الأشخاص كرهائن كما يحظر الاعتداء على الكرامة الشخصية.
ولفت الحاج، إلى أن القانون الدولي الإنساني يحمي أيضاً الجرحى والغرقى والحرقى والمرضى من طرفي النزاع بحيث تتم معاملتهم معاملة إنسانية كريمة.
وينوه الحقوقي عبد الباسط الحاج، إلى أن القانون الدولي الإنساني وضع اعتبارا خاصاً للمدنيين الموجودين تحت مناطق سيطرة أطراف النزاع حيث يجب أن حمايتهم وعدم التعرض لهم ومعاملتهم معاملة إنسانية كريمة.
وأوضح الحاج، أنه ووفقا للقانون الجنائي الدولي فإن التجاوز الذي يقع أثناء الحرب للمجموعات المشمولة بالحماية تمثل جريمة حرب خطيرة يجب أن يحاسب عليها حيث إنها تدخل ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية نسبة لخطورتها.
فيما يؤكد عضو مجموعة محامو الطوارئ، عثمان البصري، أن تعذيب وتجويع المحتجزين يعد مخالفاً للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولفت البصري إلى أن إلقاء القبض على المدنيين بأي شبهة كانت هو انتهاك لحقوق الإنسان الواردة في اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين وقت الحرب والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، التي تجرّم إلقاء القبض على المدنيين بالاشتباه.
وأكد عضو مجموعة محامو الطوارئ، أن أي انتهاك يقع على المدنيين من قبل أي طرف من أطراف القتال المسلح يعرض مرتكبه للمعاقبة الدولية.
حرب السودان
في السودان، تم استيفاء معايير النزاع المسلح غير الدولي بعد اندلاع اشتباكات مسلحة خطيرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومناطق أخرى في 15 أبريل 2023. ويميّز القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، بين النزاعات المسلحة “الدولية” و”غير الدولية”. بموجب “اتفاقيات جنيف لعام 1949”.
وفقا لذلك، يقول الباحث المعني بشؤون السودان في منظمة هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان في حديث لـ(عاين): إن “وصف المحتجزين من المدنيين أو العسكريين في الصراع بين الأطراف السودانية بـ الأسرى هو وصف خاطئ لأن الصراع السوداني يُصنف كصراع مسلح داخلي غير دولي”.
وفي الصراع المسلح غير الدولي، أوضح عثمان، أن الطرف المُحتجِز يجب أن يلتزم بما يعرف بالمادة الثالثة المشتركة في اتفاقية جنيف التي تلزمه بالتعامل الإنساني للمحتجزين من العسكريين والمدنيين. وأكد أن الدولة في الصراع المسلح غير الدولي من حقها تطبيق قانونها الوطني على المعتقلين سواء كانت قوانين ترتبط بالتمرد على الدولة أو الإرهاب.
وتابع عثمان: “بغض النظر عن ماهية الطرف المُحتجز يجب عليه احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالاحتجاز خاصة الاحتجاز غير المشروع”.
ولفت إلى أن هذا يشمل عدة معايير وقواعد منها الحق في الحصول على محامي وإبلاغ أسرة المحتَجَز الحق في الحصول على العلاج والغذاء والماء.
ومع التأكيد على أن المعتقلين أو المحتجزين لدى أطراف القتال في السودان، ليسوا أسرى حرب، فهذا لا يعني عدم وجود التزامات قانونية تحفظ حقوق هؤلاء المحتجزين. يشير عثمان.
وينوه إلى أن وصف “أسير الحرب” ينطبق على الصراع الدولي مثل الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا على سبيل المثال، مشيرا إلى أن أسير الحرب لا يجوز محاكمته وهذا هو الفرق الوحيد بين المعتقل في الصراع المسلح غير الدولي والصراع المسلح الدولي.
ويشدد عثمان على أن “تعرض المدنيين للاحتجاز أو الاعتقال هو جزء من منهجية الحرب بين الجيش والدعم السريع”.
ويضيف: “منذ إندلاع المعارك بين الجيش والدعم السريع لم يضع الطرفان أي احترازات لتفادي الإضرار بالمدنيين سواء بالقتل أو الاحتجاز غير المشروع أو الاغتصاب أو النهب أو تدمير المنازل والمستشفيات وغير ذلك”.
تصفية
ودرجت الأطراف المتنازعة في السودان على تبادل الاتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين والأعيان المدنية.
والاثنين، تبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بالتورط في تصفية ما يُزعم أنهم(أسرى) كما يصفهم طرفي النزاع؛ بعد عصب أعينهم واجبارهم على النزول إلى حفرة ومن ثم اعدامهم رميا بالرصاص.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله في تصريح صحفي الخميس، إن قوات الدعم السريع قتلت (أسرى) للجيش بدم بارد ونشرت مقطع مصور لقواتها بزي القوات المسلحة في محاولة تضليل مكشوفة، حسب البيان.
وكانت قوات قوات الدعم السريع بثت مساء الأربعاء الفائت مقطعاً مصورا بالحادثة متهمة الجيش ومن أسمتهم بكتائب حزب المؤتمر الوطني المحلول بتصفية ثلاثة من جنودها بعد عصب أعينهم.
بينما أعلن المركز الحقوقي الموحد الذي يضم أجسام مهنية ومنظمات مدنية تقوم برصد انتهاكات حقوق الإنسان، إنه يتقصى حول ملابسات الحادثة والمقطع المصور.
وقال في بيان الأربعاء، إن حالات تصفية مشابهة وقعت من طرفي النزاع ما يعد مؤشرا خطيرا لوصول مستويات العنف إلى مراحل مروعة، طبقا للبيان.
وسبق وراجت مقاطع مصورة في منصات التواصل الاجتماعي أظهرت عناصر من الطرفين يقومون بتصفية أعدائهم.
وإعتبر المركز الحقوقي الموحد، أن هذه الجريمة وحالات أخرى مشابهة ارتكبت بواسطة طرف النزاع مؤشرا خطيرا لوصول مستويات العنف إلى مراحل مروعة وسط خطابات التعبئة والكراهية القائمة على أسس اجتماعية جهوية وقبلية واثنية.
ولفت البيان، إلى أن الإعدام خارج نطاق القضاء يعد تعسف وجريمة محظورة ويخالف العهود والاتفاقيات الدولية التي تحث على احترام ومراعاة قواعد الشرف الحربي عند الاستسلام.