“رمال تطوّق المنازل”.. زحف الصحراء يتمدد شمالي السودان
عاين- 18 سبتمبر 2025
في بعض قرى شمال السودان مثل “أمري 2″، لا تزال قصص البيوت التي ابتلعها الرمل حديث الناس.
يروي الأهالي هناك حكاية كل منزل اختفى تحت الكثبان، وكيف أن حياتهم نفسها صارت على المحك، حيث امتد الزحف الصحراوي ليطوّق المناطق السكنية، ويجبر المواطنين على التكيّف مع واقع قاسٍ يصفه عباس كرار العقيد، أحد أبناء القرية، بأنه “أقسى من أن تحتمله حياة الناس”.
ويهدد الزحف الصحراوي مساحات واسعة في الولاية الشمالية (شمال السودان)، ويبتلع تمدد الكثبان الرملية حولي 6 كيلومترات مربع من مساحة الولاية التي تبلغ 350 الف كيلو متر”.
تحت هذه المعاناة والمخاطر التي تجابه السكان في شمال السودان مع الزحف الصحراوي، جرى إطلاق مشروع “وادي المقدم” لزراعة آلاف الأشجار في الصحراء ضمن مساع لوقف الرمال المتحركة، والتي التهمت حياة الأهالي في تلك البلدات في كل جوانبها.

ويروي عباس كرار لـ(عاين)، معاناتهم التي بدأت بانقطاع المياه التي أوقف مشروعهم الزراعي، مشروع أمري الجديدة الزراعي، منذ السادس والعشرين من فبراير الماضي، وفشل موسم القمح، واستمرت معاناتهم حتى بعد عودة المياه بداية سبتمبر الجاري، تاركةً خلفها أرضاً بور لا تضمن لهم لقمة العيش أو العلف للماشية.
وقرية أمري الجديدة واحدة من القرى الصحراوية التي هُجِّر إليها المتأثرون بسد مروي شمالي السودان والذي بدأ العمل عليه في العام 2006، وافتتح خلال العام 2009.
يحاول الأهالي مواجهة هذا المصير بالوسائل المتاحة، كما روى عباس أنهم زرعوا الأشجار حول منازلهم وفي حقولهم، لكنها لم تصمد أمام قسوة الظروف، حتى المزروعة داخل المنازل، فالرمال تزحف ببطء وثبات، والمياه لم تعد متاحة كما كانت.
وشدد على أنهم اضطروا لبيع مواشيهم لعدم توفر العلف والماء، ما زاد أعبائهم الاقتصادية. وبينما يتحدث المسؤولون عن مبادرات لمكافحة التصحر، يشعر الأهالي بأنهم في معزل عن هذه الجهود. “سمعنا عن مشروع التشجير في ود المقدم في وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا لم نره على أرض الواقع، وفق عباس.
حلم على الورق
في مكان ليس ببعيد عن هذه المعاناة، احتفل مسؤولون حكوميون في نهاية أغسطس الفائت بـ”ختام برنامج الاستزراع الغابي” الذي نفذته إدارة غابات مروي في غابات وادي المقدم جنوب شرق منطقة كورتي. كان الحدث تتويجاً لما وصفه المدير العام لوزارة الإنتاج والموارد بالولاية الشمالية، المهندس عثمان أحمد عثمان، بأنه إسهام في مكافحة التصحر وزيادة مساحات الغابات والمراعي. حضر الفعالية عدد من المسؤولين، منهم المدير التنفيذي لمحلية مروي ومدير غابات الولاية، وجميعهم أثنوا على جهود العاملين، ودعوا إلى توسيع مساحات التشجير.
وقتها، أعلن مدير إدارة الغابات أن المشروع نجح في زراعة 1500 فدان بأشجار الطلح والسيال، مؤكداً على أهمية المحافظة على هذه الغابات لضمان استدامتها. وتحدث المسؤولون عن خطط طموحة وأهداف محققة، وجهود ميدانية تبذل لمواجهة خطر التصحر، لكن دون إشارة إلى خطط لاحقة حول كيفية الحفاظ على هذه الشتول ومتابعتها.
يُسلّط الخبير والناشط البيئي علي عمر، الضوء على الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني بشأن مشروع التشجير. يؤكد في مقابلة مع (عاين) أن المنطقة تقع على “تخوم الصحراء”، ما يجعلها عرضةً للتصحر المتسارع بفعل التغير المناخي وشح الأمطار. ويرى أن مبادرة التشجير في وادي المقدم هي “خطوة في الاتجاه الصحيح”، لكنها ليست الحل النهائي. ويشير إلى أن نجاحها يعتمد على توفر مقومات أساسية، وأهمها إشراك المجتمع المحلي.
منظومة متكاملة
ويوضح عمر، أن التشجير ليس مجرد غرس شتول، بل منظومة متكاملة تحتاج إلى تخطيط علمي، فالمساحة التي أُعلن عن زراعتها، وهي 1500 فدان، كبيرة جداً، وتحتاج إلى إشراف دائم ومتابعة، وتوفير مياه الري في السنوات الأولى، وإلا ستبقى المبادرات مجرد صور على الورق أو وسائل التواصل الاجتماعي، حسب وصفه.

وشدد علي، أن إشراك المجتمع المحلي ضروري لحماية الغابات من الرعي الجائر ومتابعتها. وبينما يثني الخبير البيئي على إخلاص وخبرة الكوادر العاملة في قطاع الغابات والزراعة، يرى أن جهودهم لن تكتمل دون متابعة ودعم من الدولة أو منظمات متخصصة، ويؤكد أن هذا ما يُفتقد في السودان.
حسب المعطيات الماثلة، تبقى الأسئلة مفتوحة حول فعالية هذه المبادرات على المدى الطويل، حول مدى صمود مشروع التشجير في وادي المقدم، ومدى اهتمام الدولة به لإنجاحه، وما إن كان أصوات معاناة السكان مع الزحف الصحراوي ستجد من يسمعها، أم تظل مجرد حكاية تُروى، وهم يعيشون تحت رمال متحركة ومهددة للحياة.