السودان: انتشار حمى الضنك في ظل وضع صحي متهالك
22 نوفمبر 2022
تعرضت ولايات سودانية في الشهر الماضي لموجة انتشار كبيرة لمرض حمى الضنك الوبائي، ووصلت أعداد الحالات في بعض الولايات لما يفوق الـ 400 حالة مؤكدة ضمن حالات الاشتباه، وانتقل المرض لأكثر من 8 ولايات وعدد مصابين يصل لأكثر من 10 آلاف.
وكان لولايتي شمال وجنوب كردفان النسبة الأكبر من الإصابة وسرعة الانتشار، حيث سجلت ولاية شمال كردفان حسب إحصاءات رسمية 11 حالة وفاة وإصابة ما يزيد على الـ1000 شخص بحمى الضنك، فيما سجلت ولاية جنوب كردفان حالات متزايدة بشكل سريع في الأيام الماضية، في ظل الإهمال الحكومي وقلة الإمدادات الحكومية.
وسجلت مستشفيات مدينة الأبيض أول حالات الإصابة بحمى الضنك في منتصف أكتوبر الماضي بحوالي 26 حالة تم تأكيدها بعد الفحص المعملي، لتعلن وزارة الصحة الولائية حالة الطوارئ الصحية رغم تكتمها في البدء على حدوث وفيات جراء الإصابة بالمرض.
وتعد حمى الضنك من الحميات الفيروسية التي تنتقل بلدغة البعوض وتنتشر بكثافة في الأماكن التي تتكاثر فيها تلك الحشرات، وبشكل أسرع في المناطق التي يكثر فيها توالدها، خاصة الاستوائية وشبة الاستوائية، ومن أعراضها الحمى الشديدة التي تبلغ 40 درجة مئوية والصداع وألم العضلات أو العظام و المفاصل، فضلا عن الغثيان، والقيء والألم خلف العينين وتورم الغدد وكذلك الطفح الجلدي.
وبحسب تقرير تقديري لمنظمة الصحة العالمية، فإن حالات الإصابة بعدوى فيروس حمى الضنك تبلغ 390 مليون حالة سنوياً لما يتراوح عدده بين 284 و528 مليون حالة، ووفقا لإحصائيات المنظمة، فقد ازداد عدد حالات الإصابة بحمى الضنك التي تم تسجيلها بأكثر من 8 مرات طوال العقدين الماضيين من الزمن، من 430 إلى 505 حالة في عام 2000 إلى ما يزيد على 2.4 مليون حالة في عام 2010، وإلى 5.2 مليون حالة في عام 2019. كما ازدادت الوفيات المبلغ عنها بين عامي 2000 و2015 من 960 وفاة إلى 4032 وفاة، ولا سيما في أوساط الفئة الأصغر سنا، فيما تراجع العدد الإجمالي للحالات خلال عامي 2022 و2021.
وما زال العالم يعمل على إيجاد لقاحات لحمى الضنك، إلا أن أفضل طريقة لمنع العدوى في الوقت الحالي خصوصا في المناطق التي تشيع فيها حمى الضنك هي تجنب لدغات البعوض واتخاذ الخطوات اللازمة للحد من أعداد البعوض.
وبالرغم من المعروف عن حمى الضنك سرعة انتشارها، إلا أن ضعف النظام الصحي بالبلاد ساهم بصورة كبيرة في تزايد حالات الإصابة ومن ثم تزايد حالات الوفاة، حيث تفتقد مستشفيات الولايات التي تنتشر فيها الحمى الأدوية المنقذة للحياة والمحاليل الوريدية التي يتطلبها المصاب بالحمى والكادر الطبي المعالج، بجانب تدهور البيئة الصحية جراء الفيضانات والسيول والصرف الصحي غير الآمن، في الوقت الذي بادر فيه مواطنو مدينة الأبيض والنشطاء المحليين بتكوين لجان وأجسام عن طريق الدعم الذاتي لمحاربة الوباء وتوفير الدعم اللازم من الأدوية ومبيدات الحشرات الناقلة.
وشكلت وزارة الصحة بولاية شمال كردفان، غرفة طوارئ صحية لمجابهة انتشار الوباء والاستجابة السريعة، فيما تطالب أجسام طبية بتفعيل حالة الطوارئ وإعلان مدينة الأبيض منطقة كوارث، وكشفت اللجنة المركزية لأطباء السودان، أن الوفيات تصل لعشرات فيما تصر وزارة الصحة على عدم وصول الوفيات لأكثر من 10 حالات، وانتقدت اللجنة قرار حكومة الولاية بإعادة فتح المدارس وانتظام العام الدراسي في ظل الأوضاع التي سمتها بالكارثية، كما طالبت بإغلاق المدارس والمعاهد واستخدام طائرات القوات النظامية في حملات الرش الضبابي وتهيئة فرق الاستجابة ومراكز الرعاية الصحية والمستشفيات وتوفير الناموسيات.
من جانبها، أصدرت رابطة الأطباء الاشتراكيين تقريرا عن الحميات في أغلب ولايات السودان وأعربت عن قلقها من الوضع الصحي بولاية شمال كردفان، وكشفت أن بنك الدم بالولاية رغم تغطيته لـ5 مستشفيات، إلا أنه ظل يعمل بنفس السعة قبل انتشار الوباء بفريق كادر طبي يتكون من 8 أفراد فقط.
وبحسب مصادر طبية لـ(عاين)، فإن نسبة حملات الرش الضبابي والرش الرزازي التي تساعد على إنهاء توالد البعوض في ولايتي شمال وجنوب كردفان من قبل الحكومة 0%.
وانتظمت في مدينة الأبيض، حملات شبابية تطوعية للتوعية بمخاطر المرض وتعليم كيفية الوقاية والمساعدة في حملات النظافة والتخلص من البرك وأماكن توالد البعوض الناقل للوباء.
ويقول مدير مكافحة الأمراض في وزارة الصحة بولاية شمال كردفان، د. عامر آدم لـ(عاين)، إن السيطرة على الوضع الصحي تواجه مشاكل متعلقة بشح الدم، وأضاف: أن احصائية وزارة الصحة من المستشفيات الحكومية سجلت 657 حالة اشتباه حتى يوم أمس الإثنين وحالتين داخل مركز العزل و 5 وفيات منذ بداية انتشار الوباء.
وعلق مدير مكافحة الأمراض على قرار الحكومة بإعادة فتح المدارس وانتظام العام الدراسي، أن الوزارة شكلت إدارة باسم الصحة المدرسية لمتابعة الوباء وضمان عدم تأثير استمرار العام الدراسي على انتشار الوباء، والإشراف على عمليات رش المدارس، وقلل من نسبة الإصابة وسط التلاميذ قائلا إن “الوضع بالمدارس لا يستدعي إغلاقها”.
وأشار المسؤول الحكومي، إلى أن حصيلة التقصي المجتمعي وصلت إلى 1080حالة لم تذهب إلى المستشفيات، موضحا أن طرق الرعاية الطبية تقدم لهم عن طريق الرعاية المنزلية والتمريض والمراكز الخاصة بصورة بعيدة عن المستشفيات الحكومية، وأضاف أن “التبرع بالدم تم إيقافه من داخل مدينة الأبيض باعتبارها مدينة موبوءة”.
وفي ولاية جنوب كردفان التي سجلت 63 حالة إصابة و3 وفيات، وفقا لإحصائية وزارة الصحة، يقول المواطن محسن موسى محمود لـ(عاين) إن مدينة كادقلي تشهد ارتفاعا مستمرا في عدد حالات الإصابة في ظل وضوح مشهد الإهمال الحكومي بصورة كبيرة، رغم استقرار الأوضاع بصورة مؤقتة.
وكشف محمود، أن نسبة الرش ومكافحة توالد البعوض ضعيفة جدا بالمقارنة مع سوء تفشي المرض، وتوقع أن الأوضاع ستسوء في الفترة القادمة طالما انعدمت أساسيات الإهتمام الحكومي في التعامل مع الوباء، في الوقت الذي لم تبدأ فيه أي حملات للتوعية بطرق الوقاية أو مكافحة انتشار المرض.
ونشطت سابقا في مدينة كادقلي عدد من المبادرات الشبابية بالتعاون مع ادارة المعامل وبنوك الدم بوزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بجنوب كردفان، في تنظيم حملة التبرع الطوعي بالدم لدعم مرضى حمى الضنك بشمال كردفان، وقال مدير ادارة المعامل وبنوك الدم د.فخر الدين أحمد شداد في تصريحات صحفية، إن تلك الحملات تنظم سنوياً بداية كل عام لكنها جاءت هذه المرة في ظروف استثنائية لإنقاذ أرواح المرضى. وأوضح أن الحملة جاءت بمبادرة عدد من الجمعيات الشبابية منها شباب شارع الحوادث، شباب عشان بلدنا، شباب حي تافري، وشبكة تثقيف الأقران الشباب.
ومن جانبه أرجع عضو المكتب الموحد للأطباء د. علاء الدين نقد، الانتشار السريع للمرض إلى عدم استعداد الحكومة والنظام الصحي للوباء، مؤكدا أن الحميات ليست جديدة على البلاد ويمكن بمجهود صحي مناسب السيطرة عليها، وأضاف أن لكل وباء ثلاث مراحل تتمثل في الاستعداد والاستجابة والتعافي، يكمن سر نجاح السلطات في التعامل معه على مرحلة الاستعداد التي ما زالت مفقودة نظرا للوضع الصحي الحالي.
وحذر نقد في حديثه لــ(عاين)، من ازدياد الأوضاع الصحية سوءا بمدينة الأبيض، منبها في الوقت ذاته لخطورة انتشار المرض في كل ولايات السودان، وأضاف أن السلطات الصحية بولاية شمال كردفان لم تساهم بأي شيء ملحوظ في تطوير النظام الصحي للتمكن من احتواء الانتشار، خاصة في ظل الشح الذي تعانيه الولاية في الدم وتوقف التبرع من داخلها رغم وجود 7 ولايات أخرى موبوءة بالمرض.
وانتقد علاء الدين التعتيم الذي تفرضه الحكومة على الوضع بولاية شمال كردفان، والإحصائيات الخاطئة وغير الدقيقة عن انتشار المرض، وإنكار وجود الحمى في بداية انتشارها، منوها إلى أن هذه الطريقة مصحوبة مع انهيار النظام الصحي ستقود لانتشار أوسع للمرض، وقال :”اذا استمرت الأوضاع بهذا الحال فسيكون الوضع كارثي لأبعد الحدود”.