عام على سقوط “البشير”.. ما الذي تحقق؟
عاين – 11 ابريل 2020
دقائق معدودة من عصر 11 ابريل العام الماضي هي التي التقطت فيها جموع السودانيين الهادرة في الشوارع الانفاس وهم في انتظار بيان القوات المسلحة بتنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة بعد ثلاثين عاما من الحكم، لكن بيان الجيش السوداني حقق الخطوة الاولى بإعلان تنحي البشير عن السلطة لكن نظامه ما زال قائماً، ليبدأ السودانيون مرحلة ثانية من الاحتجاج انتهت الى الشراكة المعلومة بين العسكر والمدنيين في الحكم.
عام مر على تنحي البشير، وقطعت الثورة السودانية اشوطاً في تحقيق شعاراتها بالحرية والعدالة والسلام، واستعادة الدولة السودانية الى محيطها الاقليمي والدولي بعد العزلة التي تسبب فيها نظام الرئيس المعزول، بجانب استعادة الثقة وفتح صفحة جديدة مع حركات الكفاح المسلح عبر الحوار الذي يجري حول كيفية حكم السودان في ظل التنوع الذي يتمتع به. هذا الى جانب الخطوة المهمة بصدور قانون يقضي بتفكيك دولة نظام الانقاذ ومصادرة ممتلكاته لصالح الدولة المدنية.
لكن هذه الخطوات تواجه بعقبات عديدة ابرزها الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بعد ان ورثت خزائن خاوية وينهش في المتبقى منها انصار النظام المخلوع ممن لم تطالهم يد التفكيك. مر عام على سقوط البشير، لكن ما الذي تحقق؟.. يجيب عدد من الفاعلين في الثورة وآخرين..
أخطر العقبات
ومن اول عقبة مرتبطة بالاقتصاد تواجه حكومة الثورة السودانية، يقول الفاعل في تجمع المهنيين وقتها امجد فريد لـ(عاين)، ” الثورة تعمل على ايجاد حلول للازمات التي تحيط بالبلاد، وتجاوز كل العقبات بما فيها الأزمة الاقتصادية، والعمل على معالجة ازمة النسيج الاجتماعي في البلاد، على أساس المساواة والعدالة، أن الثورة مستمرة لتحقيق العدالة وإنهاء الظلم، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن”. يقول امجد ذلك لكنه لا يقدم تفصيلا في الازمة الاقتصادية التي تمسك بتلابيب السودانيين، ويزيد ” الثورة عملية مستمرة، كلما تنهي خطوة، تبدأ خطوة جديدة، ان الثورة نجحت في فتح الباب والعمل على تأسيس دولة المؤسسات والعدالة، نجاحها الواضح أنها اقتلعت نظام المؤتمر الوطني من سدة الحكم الذي كان يتربع عليه منذ 30 يونيو 1989″.و يضيف “السودانيين كانوا ضحية التعذيب السياسي في العديد من مناطق النزاع، والمناطق الأخرى، والعمل على اقتلاع هذا النظام يعتبر عملية شاقة جدا، تحتاج إلى الكثير من الجهد”.
ولا يملك في الجانب الاقتصادي المتردي، وكيل اول وزارة الاعلام، رشيد سعيد، إلا الاقرار بان حكومته تواجه أوضاعاً صعبة خلفها النظام السابق. ويقول لـ(عاين)، “قضية معاش السودانيين يجب التعامل معها بجدية وأن الخروج من عنق الزجاجة يتطلب مزيداً من الخطوات والتحركات والحسم في مواجهة عناصر النظام السابق التي تحاول استغلال الاوضاع للإبقاء على سطوتها”.
لكن الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الانسان، أميرة عثمان، تبدو ساخطة على بطء انجاز مهام الثورة فيما يخص معاش المواطنين، وتقول لـ(عاين)، التغيير في معاش الناس تدهور للأسوأ لجهة ان 80% من مفاصل الحكم التنفيذي في البلاد مازال يسيطر عليها عناصر النظام السابق وسيطول ذلك ان لم يتم تعيين ولاة مدنيين للولايات، ولم يحدث تحسن على المستوى الاقتصادي للمواطن، بل الأوضاع تتأزم كل يوم، وتشير عثمان إلى أن لجنة ازالة التمكين تعمل على المستوى الفوقي وحده، اما على الارض والواقع النظام السابق موجود.
الحرية أولاً
نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، مستور أحمد محمد، يقول من أهم إنجازات ثورة أبريل انها حققت قضية الحرية في مفهومها الشامل والواسع، وبدأت خطوات جادة في تعديل بعض التشريعات التي كانت تقيد الحريات في الفترة السابقة، هذه التعديلات تساعد في بسط الحريات، بدلا من تقييدها، ويؤكد مستور أن تلك التعديلات تحقق كفالة الحقوق والحريات، وتنعكس ايجابا على الحقوق السياسية، وقطع بعدم وجود مضايقات بل لحماية حقوق الجماعات السياسية والمدنية.
يضيف مستور لـ(عاين)، ” تحققت ايضا بفضل الحكومة الانتقالية نقلة ممتازة في ملف العلاقات الخارجية، ووجدت الحكومة دعم منقطع النظير على المستوى الدولي والإقليمي، مقارنة بعلاقات النظام السابق غيرة الرشيدة في التعامل مع الملف الخارجي، إنها تلقت دعما ماديا ودبلوماسيا، وزيارة رئيس الوزراء إلى عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، أنها من إنجازات ثورة ابريل، وهذه الزيارات ستنعكس نتائجها في شكل دعم اقتصادي من أصدقاء السودان، من الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي، والتطور الملموس في ملف السلام مع حركات الكفاح المسلح، والثقة المتبادلة بين الطرفين، هذه الثقة لم تكن متوفرة في عهد النظام السابق”.
وذهب نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني- احد مكونات قوى الحرية والتغيير- لتأكيد قرب الوصول الى تفاهم حول صيغة علاقة الدين بالدولة، التي تطرحها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، ويقول “في انتظار الاتفاق على صيغة المحتوى علمانية الدولة أم مدنية.. في الفترات السابقة كان من المستحيل مناقشة مثل هذه المواضيع المعقدة وذات الحساسية، حكومة الفترة الانتقالية في تواصل مستمر مع جماعات الكفاح المسلح، وهذا اختراق في أعقد الملفات، وبالأخص قضية علمانية الدولة”.
حقيقة التغيير
تجزم الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان، أميرة عثمان، ان الثورة التي أسقطت رئيس نظام المؤتمر الوطني، لم تحقق أهدافها الموسومة في شعارها “حرية، سلام وعدالة”، تقول اميرة لـ(عاين)، “لم يحدث تغيير في منظومة القوانين المهينة للمرأة السودانية.. ولا زالت الحملات الحكومية التي تضطهد بائعات الشاي مستمرة”. وتزيد “قانون النظام العام في ولاية القضارف شرق السودان ما زال كما هو، وكل ما تم هو إلغاء قانون النظام على مستوى الممارسة المحلية، لكن كقوانين تشريعية موجودة على مستوى النصوص”.
ويذهب وكيل وزارة الاعلام رشيد سعيد في هذا الاتجاه ويقول، “ما زالت هناك كثير من القضايا التي لم تنجز في سجل الثورة على الرغم من أن الثورة قد أنجزت بعض من أهدافها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة واقامة الدولة المدنية”. ويضيف سعدي لـ(عاين) “الشعار الثالث للثورة شعار العدالة، يعتبر من أكثر الشعارات تعقيدا، وان السعي لإيجاد منظومات علمية وقانونية، هذا ما نفتقده حتى الآن”.
“رغم وجود بعض قيادات النظام السابق في الحبس، ومصادرة بعض ممتلكات النظام، إلا أن قضية العدالة تحتاج إلى مجهودات إضافية” يقول سعيد، ويضيف “الآن نعيش في ظل حكم انتقالي يفترض أن يقود الى تحقيق الحرية والسلام والعدالة، توجد مساعي تنظيم مؤتمر دستوري الذي يضع أسس الدولة السودانية الحديثة القادمة التي تستجيب مطالب الشعب في الاعتراف بالتنوع، وممارسة الديمقراطية، كل هذا يجب أن يكون في المؤتمر الدستوري، مفترض ان يتم في وقت قريب، باعتباره الأساس الذي تنطلق منه الدولة إلى الأمام”.
صوت من بعيد
أستاذ العلوم السياسية، بجامعة الدلنج، في ولاية جنوب كردفان، جمال كوكو يرى ان ما تحقق من الثورة، اولا ايقاف الحرب في منطقة جنوب كردفان، وسمح للمواطنين الذين كانوا تحت سيطرة الحكومة بالتداخل مع سكان المناطق المحررة، وحدث تواصل مجتمعي بين هذه الاسر، من دون مساءلات من الجانب الحكومي، يقول جمال لـ(عاين) وهو ناشط حقوقي في الولاية، الشباب في مناطق النزاعات أصبحوا مشاركين بفاعلية في القضايا المحلية لمناطقهم، هذه من ثمار الثورة التي أسقطت النظام السابق، والمشاركة القوية في لجان المقاومة وامتلكوا زمام المبادرة في مناطقهم، ساهموا في الضغط على إيقاف بعض شركات التعدين في مناطق تلودي التابعة للنظام السابق، والحديث عن نسبة حقيقية للسكان المحليين في مناطق الإنتاج، مثل هذه الانجاز ما كان ليتحقق لولا ثورة ابريل، ما حققته الثورة ايضا، لا توجد مضايقات من اجهزة الدولة، ومصادرة ممتلكات المواطنين، ثم ارتفعت الأصوات المنادية بالمصالحة الاجتماعية بين الرعاة والمزارعين بالولاية وغيرها من القضايا الاساسية في مناطق النزاعات.
نوافذ للسلام
يرى وكيل وزارة الاعلام، رشيد سعيد، أن ثورة أبريل تخلصت من النظام السابق، وأجهزته الامنية وقمعه، والاضطهاد، والسجون، وكل الممارسات التي كانت تضيق الخناق الشعب السوداني، و يستدرك تبقى انجاز دستور ديمقراطي يحكم البلاد يقوم على أساس المواطنة، وتبقى كذلك ازالة كل القوانين المقيدة للحريات، والتقدم في مجال الحريات، وتفكيك كل الاجهزة التي كان يستخدمها النظام السابق في قمع الجماهير.
ويضيف سعيد “حقيقة الثورة فتحت نوافذ كثيرة بالنسبة للسلام، يمكن القول بملء الفم إن اصوات البنادق قد سكتت في السودان، والمسارات الانسانية قد فتحت، والعزلة التي فرضها النظام السابق على مناطق الحرب قد رفعت، وهذه الانجازات يجب تؤطر على شكل اتفاقيات سلام، ما بين الحكومة المركزية في الخرطوم وحركات الكفاح المسلح التي ناضلت علي مدي الثلاثين عاما، من اجل الدفاع عن جماهير الشعب في تلك المناطق، التي شن عليها النظام حروبا عنصرية ودينية، بهدف السيطرة على الموارد، وفرض ثقافة المركز على هذه المناطق، ’الا ان جماهير تلك المناطق ناضلت ودافعت عن حقوقها، بالتالي لابد تؤطر إلى اتفاقيات سلام، تضع أسس الدولة السودانية الجديدة التي تقوم على أساس المواطنة الحرية العدالة، واسكات اصوات البنادق الى الابد، وتأطير النضال السلمي والديمقراطي بدل حمل السلاح، و تتوقف الدولة عن قتل مواطنيها، والاعتراف بالتنوع والاختلاف”.