حكومات “الدعم السريع” بدارفور .. رسوب في اختبار السلطة
عاين – 10 يوليو 2024
بعد ما يقرب الشهر من إعلان قوات الدعم السريع تشكيل إدارة مدنية في ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا، ما تزال المنطقة تعيش تحت حالة من الفوضى الأمنية والفراغ التنفيذي العريض، وسط تراجع في الوضع الإنساني والمعيشي للمواطنين العالقين في المدينة.
وتمضي الأوضاع في نيالا على نحو ما حدث مع الإدارة المدنية التي شكلتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة أواسط السودان فور سيطرتها عليها في ديسمبر الماضي، وكانت المحصلة فرار غالبية السكان؛ بسبب الانتهاكات المتزايدة من مسلحي الدعم السريع بحق المدنيين العزل، بينما لم تستطع السلطة المدنية تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين الذين فضلوا البقاء في منازلهم.
وكانت خطوات قوات الدعم السريع المتسارعة نحو تشكيل إدارات مدنية في إقليم دارفور الذي تسيطر فيه على 4 ولايات من أصل 5، والجزيرة، مثيرة لقلق بعض المهتمين لاعتقادهم بأنها تحمل نوايا لحكم ذاتي؛ وبذلك تظل وحدة السودان مهددة، لكن التجربة القليلة السابقة تكشف صعوبة تعايش المواطنين مع مسلحي الدعم السريع، نظراً للفرار الجماعي للسكان من المناطق التي يدخلونها.
وفي 10 يونيو الماضي، أعلن رئيس الإدارة المدنية في ولاية جنوب دارفور التابعة لقوات الدعم السريع محمد أحمد حسن، عن تشكيل هيكل تنفيذي من عشر وزارات هي المالية والاقتصاد، البنى التحتية، الصحة، الشباب والرياضة، الحكم المحلي، الزراعة والغابات، الثروة الحيوانية، التربية والتعليم، الثقافة والإعلام، الشؤون الاجتماعية.
ولم تقابل المجتمعات المحلية خطوة تشكيل الإدارة المدنية بأي حماس، وسط توقعات بأن تواجه تحديات أمنية ولوجستية وأزمة إنسانية معقدة تعيشها المنطقة بالفعل، ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أكتوبر 2023، تشهد حالياً تردياً في الحالة الإنسانية والأمنية ومليئة بالمخاطر، إلى جانب انتهاكات واسعة يركبها مسلحو الدعم السريع بحق المدنيين، وفق مراسل لـ(عاين).
تجربة فاشلة
ويقول عضو لجنة المحاميين الديمقراطيين بولاية جنوب دارفور محمد حماد إن “فشل قوات الدعم السريع في إعادة فتح أقسام الشرطة والنيابات العدلية بعد سيطرتها على المنطقة، أثر بشكل سلبي على ثقة المواطنين في قدرتها على تسيير دولاب الدولة، خاصة أن معظم الانتهاكات التي ارتكب كانت بواسطة العسكريين أنفسهم، ولم يتحصل الضحايا على إنصاف”.
ويضيف حماد في مقابلة مع (عاين) “الإخفاقات الواسعة جعلت المواطنين يشككون في إمكانية فرض سلطة مدنية على منطقة تسيطر عليها قوة عسكرية في ظل استمرار الحرب، إذ إن كثيراً من حالات الانفلات الأمني والانتهاكات تأتي كنتاج لسلوك بعض عساكر الدعم السريع أو المليشيات الموالية لها، فهم لا يخضعون لأي سلطة قانونية في الوضع الحالي”.
وشدد أن قوات الدعم السريع لم تتمكن من تطبيق تجربة الإدارات المدنية بالشكل المطلوب في ولايتي الجزيرة وجنوب دارفور، وفشلت في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، مع استمرار الانتهاكات وتصاعدها بحق المواطنين، لا سيما في قرى ولاية الجزيرة.
ولم تستطع قوات الدعم السريع تشكيل سلطات مدنية في العديد من المناطق التي سيطرت عليها نتيجة لرفض المجتمعات، وهو ما حدث في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، والتي تعالت فيها أصوات الرفض خلال أول اجتماع مع لجنة الدعم السريع المشرفة على تكوين السلطة المدنية مع المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية في ولاية شرق دارفور.
وكشف عضو باللجنة الإشرافية لقوات الدعم السريع لـ(عاين) أن اجتماعا عقد في مدينة الضعين مايو الماضي، أمن على ضرورة استمرار نظام الحكم القائم، بالإبقاء على الجهاز التنفيذي للدولة الموجود أصلاً، وتواصل المحاكم الأهلية الفصل في القضايا عبر “مجالس العمد”، على أن تتولى قوات الدعم السريع مهمة حفظ الأمن، وتبقى هذه الوضعية إلى حين توقف الحرب.
وبحسب عضو اللجنة الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الإدارات الأهلية في ولاية شرق دارفور تخشى تشكيل سلطة مدنية بواسطة قوات الدعم السريع، لأن ذلك من شأنه التسبب في انتقال الحرب إلى الولاية على نحو ما حدث في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وسادت حالة من الفوضى مدينة نيالا منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها في أكتوبر الماضي، إذ تشهد تراجع أمنياً كبيراً، وعمليات نهب وسلب واسعة طالت مؤسسات الدولة ومنازل وممتلكات المواطنين، علاوة على غارات جوية استهدفت مناطق حيوية بالمدينة، وتسببت في نزوح آلاف المدنيين.
تعقيدات واسعة
وأقر رئيس الإدارة المدنية بولاية جنوب دارفور محمد أحمد حسن خلال حديث لـ(عاين) بما وصفه بتعقيدات كبيرة في الملف الأمني بالولاية، نتيجة للانهيار في مؤسسات الدولة والتحديات الأمنية الشائكة على الأرض، إلا أن ذلك لم يجعلهم مكتوفي الأيدي -بحسب تعبيره- مشيراً إلى خطة حكومته التي بدأت بإصدار أمر الطوارئ وقرارات حظر التجوال وإنشاء المحاكم الأهلية.
لكن عضو لجنة المحاميين الديمقراطيين في جنوب دارفور محمد حماد، يرى أن قرارات السلطة المدنية في ولايته ربما تواجه صعوبات في تنفيذها نتيجة لعدم وجود الإمكانيات المالية اللازمة، وغياب الشرطة المستقلة التي تتولى تنفيذ تلك الإجراءات.
وفي هذا السياق، يشير رئيس السلطة المدنية في جنوب دارفور إلى أنهم شكلوا قوة مشتركة من قوات الدعم السريع والشرطة مهمتها تنفيذ أوامر الطوارئ والقرارات التي أصدرتها حكومته مؤخراً، وقال “لن تحدث تقاطعات سلطات بين الإدارة المدنية والعسكرية على أداء الحكومة المدنية التي تشكلت برضاء وتوافق المجتمع المدني وقوات الدعم السريع”.
ويبدي قطاع الموظفين الحكوميين مخاوف كبيرة من الإدارات المدنية في دارفور، ويقول موظف في وزارة المالية بولاية جنوب دارفور في حديث لـ(عاين) مفضلاً حجب اسمه إن “موظفي الدولة سيكونون الأكثر تضرراً من قيام هذه الإدارات المدنية الجديدة، لأنهم معرضون لإيقاف أجورهم التي تدعمها الحكومة المركزية من الحكومة في بورتسودان بنسبة 60 بالمئة”.
ويضيف:”تلقينا تهديدات بوقف الأجور من الدولة حال انخرطوا في العمل مع الإدارة المدنية المكونة بواسطة قوات الدعم السريع، وفي حين طالبتهم الإدارة المدنية بمواصلة العمل وفتح المؤسسات، الأمر الذي أجبر معظم الموظفين على مغادرة نيالا إلى مناطق نائية، واضطر آخرون للعمل مع حكومة الدعم السريع”.
وفي مايو الماضي، أصدر والي ولاية جنوب دارفور بالمكلف بشير مرسال حسب الله الذي يقيم في بورتسودان، قراراً قضى بتعليق عمل الجهاز التنفيذي في الولاية، وتوعد الموظفون الذين يعملون تحت إمرة الإدارة المدنية التابعة للدعم السـريع بإجراءات إدارية قاسية، واستثنى العاملون في المهن الطبية.
رسائل سياسية
من جهته، يشير خليل إسحاق وهو صاحب أحد المحال التجارية في سوق قادرة جنوب غرب مدينة نيالا في حديثه لـ(عاين) إلى أن الأوضاع الأمنية في الأسواق بدأت تتحسن تدريجيا بعد القرارات التي صدرت من السلطة المدنية في ولاية جنوب دارفور، لكنه يتخوف من انتكاسة جديدة؛ لأن قوات الدعم السريع تقوم بحملات لبسط الأمن خلال أوقات محددة وبالتالي تتوقف، مثلما حدث خلال الأيام الأولى لسيطرتها على نيالا.
ويشدد عضو لجنة الطوارئ في ولاية جنوب دارفور محمد أحمد عبد الله الذي تحدث لـ(عاين) أن حالة الفراغ الأمني والسياسي في ولايات دارفور الخاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع حتمت وجود جسم مدني لإدارة شؤون المواطنين وتقديم الخدمات الضرورية، مثل الأمن والصحة، لا سيما بعد فشل مساعي الإبقاء على الجهاز التنفيذي السابق؛ بسبب مغادرة موظفي الخدمة العامة.
ويقول عبد الله: “رغم الاعتراضات، لكني أرى وجود إدارة مدنية أفضل من عدمه؛ لأنه يحدد المسؤولية في تقديم الخدمة، فمع تطاول أمد الحرب سيتوافق الجميع على ضرورة تشكيل سلطة مدنية لتسيير شؤون المواطنين”.
ويضيف: “تجربة الحكومة المدنية في جنوب دارفور، أمام اختبار حقيقي، خاصة فيما يتعلق بتسيير الجهاز التنفيذي، علاوة على التحديات الأمنية الممثلة في الغارات الجوية التي يشنها الجيش على المدينة، كما أن الدعم السريع يسعى لتعمم التجربة في وسط وشرق دارفور لتقوية موقفه في أي مفاوضات مرتقبة لوقف الحرب”.
الباحث في مركز الدراسات والسلام التابع إلى جامعة نيالا د. محمد خليفة يرى أن قوات الدعم السريع تريد بتشكيل الإدارات المدنية، للقول بأنها قادرة على حكم المناطق التي تسيطر عليها، لكن ما تقوم به الآن في الواقع لا يعكس أي سلطة، لأن الحكم له مستويات من رئيس الدولة إلى السلطات القضائية والعدلية والشرطة والعملة، وهذا ما لم يتوفر في تلك إدارات الدعم السريع.
ويضيف خليفة في مقابلة مع (عاين): “الحرب المستمرة لا تترك مجالاً لتقديم الخدمات والأمن إلى المدنيين، وربما أراد الدعم السريع إيصال رسالة سياسية للمجتمع الدولي والإقليمي إنه قادر على إدارة مناطق سيطرته، رغم أنهم غير متحمس حيال خطوة تشكيل حكومة موازية للسلطة المركزية في الوقت الراهن”.