كيف تدار شؤون الحكم في أربع ولايات تسيطر عليها الدعم السريع بدارفور؟

عاين- 22 يناير 2024

بعد أشهر من سيطرة قوات الدعم السريع على (4) ولايات رئيسية في إقليم دارفور غربي السودان، شهدت الولايات حالة من الارتباك حول إدارة شؤون الحكم، في ظل تقاطعات شائكة ما بين قوات الدعم السريع التي تتحكم على مقاليد الأمن، والإدارات  التنفيذية المكلفة من الحكومة الاتحادية، بجانب إدارات شعبية ومبادرات مجتمعية أوجدها الفراغ الإداري.

السؤال الأبرز هو كيف يتم تصريف شؤون الحكم في أربع ولايات بدارفور لجهة انعدام الأمن، ومقومات الحياة الضرورية، علاوة على الدمار الذي لحق بمؤسسات الدولة جراء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي دخل شهره العاشر دون أدنى مؤشرات لوقف القتال؟.

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي اختفت مظاهر سلطة الدولة في ولاية جنوب دارفور بعد سقوط مدينة “نيالا” ثاني أكبر المدن السودانية في يد قوات الدعم السريع، وبرز السؤال المُلح” هل يستطيع الدعم السريع إدارة الشأن العام للمدينة المدمرة، وتوفير مقومات البقاء لسكانها الذين بدأوا في العودة التدريجية؟

وبعد أيام من خروج الجيش من جنوب دارفور برزت على السطح عدداً من المبادرات المجتمعية لإعادة الخدمات الضرورية إلى مدينة “نيالا”، بغية تهيئة أسباب عودة النازحين إلى منازلهم، إلا أن معظم هذه المبادرات لم تخرج من نطاق تأثير قوات الدعم السريع، لجهة أنها لا تخطو خطوة دون موافقة أو معرفة رأي قائد قوات الدعم السريع فيها.

تقاطع الصلاحيات

وبالتوازي مع ذلك عقدت الحكومة التنفيذية بولاية جنوب دارفور برئاسة أمين الحكومة وعضوية مدراء عموم الوزارات أول اجتماع مجلس وزراء منذ حكومة الولاية منذ اندلاع الحرب، الذي ناقش خطة مرحلية لتقديم الخدمات للمدنيين خلال الفترة من يناير إلى مارس القادم، تشمل الكهرباء والمياه والمساعدات الإنسانية بجانب الأمن.

إلا أن التحديات الأمنية وتقاطع الصلاحيات الإدارية بين السلطة التنفيذية التي يرأسها أمين الحكومة المعين من قبل رئيس المجلس العسكري قبل اندلاع الحرب، وقوات الدعم السريع صاحبة السلطات الأمنية على الأرض، يظل أكبر مهددات استمرار عمل الحكومة، خاصة في ظل الهجمات المكثفة التي مازال يشنها الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على عاصمة الولاية.

ورغم من التقاطعات بين الحكومة وقوات الدعم السريع في إدارة شؤون الولاية، قال أمين عام الحكومة، صلاح محمد إبراهيم  في تصريحات عقب اجتماع مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، أن “خطة تأمين الولاية ستتم مناقشتها في اجتماع مشترك مع لجنة أمن الولاية المعينة من قبل قوات الدعم السريع”.

وفي نوفمبر الماضي، شكل القائد العام لقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لجنة لأمن الولاية برئاسة “صلاح الفوتي” قائد الدعم السريع في جنوب دارفور، وضمت اللجنة مدير قوات الشرطة، بعد استجابة نحو (300) شرطي من بين (5) ألف وافقوا على العمل وفتح ثلاثة أقسام رئيسية للشرطة داخل مدينة نيالا.

إلا أن الالتزام بدفع أجور أفراد الشرطة ظل أكبر تحد، يواجه عملية انخراط القوات في العمل بصورة فعالة، بالرغم من التزام الدعم السريع والحكومة التنفيذية بدفع حوافز أفراد الشرطة العاملين في تأمين الولاية.

فيما تشهد ولاية شرق دارفور أوضاعاً مماثلة لولاية جنوب دارفور في تصريف الحكم وإدارة دولاب عمل الدولة، وتعمل معظم المؤسسات الخدمية بكوادر حكومية يرأسها أمين حكومة مكلف من قبل وزارة الحكم الاتحادي، بمساعدة منظمات المجتمع المدني، والتنسيق في إدارة الشأن الأمني مع قوات الدعم السريع، لكن حالة من الإحباط وسط العاملين الذين لم تصلهم أجورهم لنحو (7) أشهر.

حكومة (دوائر) في وسط دارفور

أما في ولاية وسط دارفور التي تخضع أيضا للدعم السريع، يختلف الوضع تماماً عن جنوب دارفور، فقد خرجتْ حكومة شعبية مطلع يناير الجاري بمسمى “اللجنة الشعبية لتسيير مهام الولاية” على نسق الطاقم الوزاري للحكومة التنفيذية، بغية سد حالة الفراغ الإداري الناتج عن خروج الجيش من الولاية.

وأعلنت اللجنة في مؤتمر صحفي في مدينة “زالنجي” عن تشكيل حكومة مصغرة تسمى “دوائر” تتكون من دائرة القانون وحقوق الإنسان، دائرة الخدمات الأساسية، دائرة المال والاقتصاد، دائرة الشؤون الاجتماعية، دائرة الزراعة والثروة الحيوانية، دائرة الثقافة والإعلام، دائرة العمل الطوعي والإنساني، بالإضافة إلى دائرة للرعاة والمزارعين، وتأجل تشكيل دوائر أخرى للتشاور.

ووفقاً لرئيس اللجنة الشعبية “يوسف عبد الكريم” أن اختيارهم للعمل المجتمعي والإداري والخدمي في الولاية جاء نتيجة اجتماع جمعية عمومية ولجنة تحضيرية تضمن مكونات المجتمع المدني بوسط دارفور على رأسها الإدارة الأهلية، والمبادرات المجتمعية بمدينة زالنجي عاصمة الولاية، وهي مبادرة مستشفى زالنجي، ومبادرة الجامعة، ومبادرة الأساتذة، وجمعية الخضر والفاكهة، والغرفة التجارية، والطرق الصوفية وقيادات ورموز المجتمع الفاعلين” رأوا تكوين لجنة لإدارة شؤون الولاية خلال الظرف الاستثنائي الذي تمر البلاد

ولاء للدعم السريع

إزاء ذلك قال رئيس اللجنة في مقابلة مع (عاين)، إن “اللجنة تمثل قاعدة عريضة من مكونات المجتمع، وتتمتع باستقلالية كبيرة، نافياً أي وجود لعناصر الدعم السريع في اللجنة”. موضحا أن اللجنة تهدف إلى استعادة الخدمات الضرورية مجالات الصحة، المياه، التعليم، والكهرباء، إضافة إلى المحافظة على الأمن والسلام الاجتماعي، بجانب معالجات أوضاع النازحين، القدامى والجدد الذين تكتظ بهم المدينة.

بالإضافة إلى العمل على إعادة تفعيل وحدات وأقسام الشرطة مع رجال الشرطة الموجودين في الولاية بجانب فتح الطرق التجارية المحلية والعابرة للولاية للاستفادة من خيارات جلب البضائع من الدول المجاورة.

بالرغم من وصف اللجنة الجديدة بالاستقلالية، إلا أن الشكوك تلاحقها لجهة ولاء اللجنة لقوات الدعم السريع التي تحكم السيطرة الأمنية على الولاية، بجانب الصلاحيات ومشروعية اللجنة خاصة فيما يتعلق بتمويل الموازنة ولوائح الإيرادات والمصروفات وكيفية تحصيلها، في ظل الظروف الأمنية المعقدة.

حاكم الأمر الواقع

ومنذ مقتل “خميس عبدالله أبكر” والي ولاية غرب دارفور في يونيو الماضي تُدار شؤون الحكم عن طريق “التجاني كرشوم” نائب الوالي المقرب من الدعم السريع، الذي تجاهل قرار إعفائه بعد أن وجد تضامن من قبل المواطنين، ومساندة من قوات الدعم السريع.

ويقول مسؤول محلي -فضل عدم ذكر اسمه- لـ(عاين): إن “نائب الوالي رفض الاعتراف بقرار إقالته، وظل يمارس مهامه دون التواصل مع الحكومة الاتحادية مستغلاً بعد المسافة بين الولاية الحدودية مع تشاد ومدينة بورتسودان العاصمة السودانية المؤقتة”.

وأضاف: أن “برامج حكومة الولاية تعتمد على مساندة منظمات المجتمع المدني، والمساعدات الإنسانية التي تصل الولاية عبر الممر الإنساني من دولة تشاد، لاسيما في مجالات الصحة وإيصال مواد الإغاثة”.

استعادة نظام الدولة

ويرى خبير الحكم المحلي في دارفور عبدالله الزين، أن وجود أي جسم لإدارة مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور خارج النظام المؤسسي للدولة القائم يعتبر جسماً غير شرعي، ولا يستند للوائح وصلاحيات قانونية، واصفاً نظام اللجنة الشعبية لإدارة شؤون ولاية وسط دارفور بأنها “أقرب للنظام الشعبي”، لملء الفراغ الإداري، ولا يمكن أن تحل محل مؤسسات الدولة بأي حال من الأحوال، وهي تعمل بمعزل عن الحكومة الاتحادية.

ويقول الزين في مقابلة مع (عاين): إن “محاولة استعادة نظام الدولة وتصريف الحكم في ولايات دارفور من قبل قوات الدعم السريع يصطدم بتحديات وتعقيدات كبيرة أولها عدم موافقة منسوبي الأجهزة المدنية الحكومية على العمل في ظل الأوضاع الراهنة، لجهة أن الوضع على الأرض غير آمن، علاوة على عدم مقدرة الحكومة، سواء كانت من عناصر حكومية سابقين أو الدعم السريع أو الأجسام الشعبية والمجتمعية، على الإيفاء بأجور العاملين في الظروف الراهنة”.

تصاعد حوادث قتل المزارعين على يد مسلحين بدارفور
وبالمقابل أشار المحلل السياسي “حسن محمود عمر” في مقابلة مع (عاين) إلى أن الضرورة حتمت وجود أجسام مجتمعية لإدارة شأن الحكم بدارفور في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها السودان، ورهن نجاح تجربة الحكم الشعبي في دارفور بضرورة ابتعاد طرفي القتال والأحزاب السياسية من عمل اللجان المجتمعية، لكنه أشار مخاوف أن تدين اللجان الشعبية التسيرية والمسؤولون الحكوميون في دارفور بالولاء لقوات الدعم السريع نسبة لمعطيات الوضع الراهن في المنطقة.

وفي ذات الشأن عزا مصطفى محمد إبراهيم، مستشار قائد قوات الدعم السريع في تصريح لـ(عاين)، تشكيل اللجنة التسييرية في وسط دارفور جاء نتيجة لعدم قبول الإداريين والتنفيذيين والموظفين في حكومة الولاية مواصلة مهامهم في ظل سيطرة الدعم السريع على الولاية.

ويضيف المستشار: “الدعم السريع ليس لديه مصلحة في منع أو اعتراض أي عمل مدني لصالح المواطنين”. لافتاً إلى استمرار مسؤولين حكوميين معينين من قبل الحكم الاتحادي في ثلاث ولايات بدارفور لم يتدخل الدعم السريع في عملهم.