“8 أشهر حرب”.. مصاعب خلق مسارات بديلة لتأمين الغذاء بدارفور
عاين-24 ديسمبر 2023
بعد أكثر من ثمانية أشهر على حرب السودان، يعاني سكان إقليم دارفور غربي البلاد إيجاد ممرات آمنة تمكنهم من الحصول على الغذاء والعلاج، وتؤمن رحلاتهم التجارية في أعقاب توقف حركة النقل والسفر من وإلى بعض المدن الآمنة في وسط وشمال وشرق البلاد.
وعزز انسحاب قوات الجيش من أربع ولايات مهمة في إقليم دارفور وسيطرة قوات الدعم السريع على الأوضاع، من مخاوف السكان بأن يحول الصراع دارفور إلى “منطقة مقفولة” خاصة بعد توقف الخدمات الأساسية والمعاملات الحكومية في أربع ولايات بالتزامن مع انسحاب الجيش.
وتسببت المواجهات المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ الرابع عشر من أبريل الماضي، في واقع إنساني يوصف بـالمعقد، ووضع آلاف المدنيين في ولايات دارفور أمام خيارات قاسية للبحث عن ممرات ومسارات إنسانية بديلة للتجارية والعبور إلى المناطق الآمنة، لا سيما الوصول إلى دول الجوار الأفريقي في ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان.
مسارات بديلة
واضطر السكان إلى فتح مسارات داخلية لأول مرة من دارفور وكردفان عبر الصحراء إلى مدينة “الدبة” في شمال البلاد، وإلى العاصمة السودانية المؤقتة في مدينة بورتسودان أقصى شرق السودان، بدلا من طريق الإنقاذ الغربي الشريان الرئيسي الوحيد الذي يربط دارفور بالعاصمة الخرطوم، الذي توقف نتيجة تداعيات الحرب.
إزاء هذه الأوضاع، يؤكد الناطق الرسمي باسم حكومة ولاية شمال دارفور، زكريا آدم محمد، أن الحرب فرضت واقعاً إنسانياً واقتصادياً جديداً في الإقليم، ودفعت الحكومة والمواطنين للبحث عن مسارات إنسانية وتجارية بديلة لتأمين ضروريات الحياة للمواطنين، بعد توقف الرحلات والقوافل التجارية والإنسانية من وإلى الإقليم؛ بسبب تمدد العمليات القتالية مؤخراً.
ومنذ أكتوبر الماضي، تضاءلت القوافل الإنسانية والتجارية التي كانت تسيرها القوات المشتركة المكونة من الحركات المسلحة في دارفور، من ميناء بورتسودان ومدن وسط السودان إلى الإقليم، بعد اتهام قوات الدعم السريع، القوات المشتركة بنقل أسلحة وذخائر للجيش في مدينة نيالا من خلال القوافل الإنسانية،
“لأول مرة تفتح ولايات دارفور ممر إنساني وتجاري إلى الولاية الشمالية عبر الصحراء إلى مدينة الدبة، لجهة أن الانفتاح على الولاية الشمالية ونهر النيل يتيح الفرصة للمدنيين الوصول إلى الخدمات الضرورية في الغذاء والعلاج بجانب الوصول لشرق السودان ودولة مصر، وذلك بعد فشل المساعي بإعادة تفعيل القوافل الإنسانية عبر طريق الإنقاذ الغربي”. يقول زكريا لـ(عاين).
ويشير المسؤول الحكومي، إلى أن الحرب فتحت الباب أمام عودة تجارة الحدود مع دولة ليبيا مجددا بعد توقف العمل لنحو (29) عاماً في النقطة الجمركية في مدينة “مليط” نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، التي تعطل بسببها التطور والنمو الاقتصادي في دارفور الناتج عن النشاط التجاري مع دولة ليبيا.
ظروف الحرب أعادت مسارات تجارية مع دولة ليبيا توقفت لنحو (29) عاماً في منطقة “مليط” بولاية شمال دارفور.
ووفقاً لتجار التقتهم (عاين)، فإن الحرب أعادت مسارات تجارية مع دولة ليبيا توقفت لنحو (29) عاماً في منطقة “مليط” بولاية شمال دارفور، وأصبحت شريان رئيسي لتغذية دارفور وكردفان بالمواد الضرورية، مما ساعد على فك ضائقة شح المواد الغذائية والبترولية في دارفور، بجانب نقل المرضى والدواء.
ويقول التاجر، محمد أبكر، في مقابلة مع (عاين): إن “سوق مليط أصبح مورد سلع رئيسي لمدن الفاشر، نيالا، الضعين، كبكابية بجانب مدينة النهود في شمال كردفان في ظل صعوبة جلب البضائع من العاصمة السودانية الخرطوم وميناء بورتسودان، نتيجة الحرب”. ويشير إلى نقل التجار في المدن الرئيسية في دارفور نشاطهم إلى منطقة “مليط” التي أصبحت ميناء تجارياً رئيسياً مع دولة ليبيا.
ونظرا للتطورات العسكرية المتصاعدة بين الجيش وقوات الدعم السريع في الإقليم، فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية والوقود على نحو غير مسبوق، مع وجود ندرة في البضائع بالتزامن مع عدم توفر السيولة المالية لدى المواطنين، بسبب إغلاق المصارف والتأخر في دفع استحقاقات الموظفين الحكوميين لأكثر من (7) أشهر، مما أثّر في الاقتصاد والظروف المعيشية للمواطنين.
ويضيف التاجر أبكر، المقيم بمدينة الفاشر: أن “فتح المسارات التجارية مع ليبيا ساعد على انتعاش الحركة الاقتصادية خاصة في ولاية شمال دارفور وتدفق كميات من السكر والدقيق، الأرز، المعكرونة، الصابون، المشروبات الغازية إضافة إلى الوقود إلى منطقة مليط”.
ومنذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي في السودان اعتمدت ولايات دارفور على استيراد الوقود وبعض السلع الأساسية من دول الجوار “ليبيا وتشاد وجنوب السودان” رغم التحديات والتعقيدات الأمنية؛ بسبب سيطرة المليشيات الأهلية على الطرق وفرض رسوم عبور على ذلك.
وفي نوفمبر الماضي تسبب النزاع المسلح في منطقة أبيي الحدودية مع دولة جنوب السودان بين مجموعتين مسلحتين في غلق المعبر الرئيسي لحركة البضائع القادمة إلى مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور عبر معبر “النعام” الحدودي في ولاية غرب كردفان، أحد أهم الممرات الإنسانية إلى دولتي جنوب السودان ويوغندا، بالإضافة إلى ذلك يعتبر ممر إنساني لنقل المرضى إلى مستشفيات جنوب السودان.
تداعيات تطورات الحرب لم تتوقف في التأثير على الحركة التجارية والنقل من وإلى ولايات دارفور فحسب، بل امتدت لتشمل التعاملات وشكل العلاقة بين الحكومة المركزية في بورتسودان، والحكومات الولائية التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع في دارفور.
وضاعفت المواجهات المسلحة بين الجانبين من معاناة المدنيين بدارفور في الحصول الغذاء والعلاج والعيش بسلام، بعد أن قيدت من الحركة التجارية وانسياب السلع الأساسية التي تكاد تكون معدومة في بعض الأوقات، جراء توقف الرحلات التجارية والنقل عبر الطرق الرابطة بين ولايات دارفور والمناطق المستقرة وسط السودان.
ولم تتوقف تداعيات تطورات الحرب في التأثير في الحركة التجارية والنقل من وإلى ولايات دارفور فحسب، بل امتدت لتشمل التعاملات وشكل العلاقة بين الحكومة المركزية في بورتسودان، والحكومات الولائية التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع في دارفور.
ويؤكد مسؤول حكومي بولاية شرق دارفور لـ(عاين)، تعليق المعاملات الحكومية بين الولاية والحكومة المركزية بطريقة مباشرة بعد يوم واحد على استيلاء قوات الدعم السريع على الفرقة (20) في مدينة الضعين.
وأضاف المسؤول الحكومي الذي -فضل عدم ذكر اسمه: أن “عمل المؤسسات المدنية تعطل بصورة غير متوقعة، بجانب عمل قوات الشرطة والمصارف التجارية التي كانت تعمل قبل سقوط حامية الجيش، علاوة على قطع شبكات الاتصال والإنترنت عن الولاية”.
وينسحب تعليق العمل الحكومي والخدمات المدنية بين المركز والولايات على ولايات جنوب، وسط وغرب وشرق دارفور التي تخضع بصورة كاملة لسيطرة قوات الدعم السريع.
ويرى المحلل السياسي، حسن محمود عمر، أن ردود فعل الحكومة المركزية تجاه ما حدث بدارفور بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدن في الإقليم، حفز المواطنون إلى تفعيل نشاط اقتصادي أكبر مع دول الجوار الإفريقي، وعزز من فرص الدعم السريع لتكوين أجسام إدارية وخدمية بمعزل عن الحكومة الاتحادية.
ويقول عمر لـ(عاين): “لا ينبغي ترك مواطني الجنينة، نيالا، زالنجي والضعين في الوضع الحالي، فهم مواطنون لا علاقة لهم بالصراع الجاري، ولا يمكن حرمانهم من حقوقهم الأساسية والخدمية، ويجب أن تصلهم المساعدات والخدمات الضرورية، وفتح المؤسسات الخدمية كبقية ولايات السودان، والفصل بين الشأن العسكري والمدني”.
“المساحة الشاسعة لإقليم دارفور، وبعده عن الخرطوم، بجانب حدود الإقليم الممتدة مع أربع دول جعلته موقعاً جاذباً للجماعات المسلحة والمرتزقة”
ضابط شرطة متقاعد
“المساحة الشاسعة لإقليم دارفور، وبعده عن الخرطوم، بجانب حدود الإقليم الممتدة مع أربع دول جعلته موقعاً جاذباً للجماعات المسلحة والمرتزقة، ومن ثم النشاط التجاري المفتوح يمكن أن يؤدي إلى استمرار القتال وتكوين مجموعات مسلحة داخل مدن دارفور لتغذية الصراع في الخرطوم، والمحيط الإقليمي”. يقول اللواء شرطة متقاعد، علي محمد إيدام في مقابلة مع (عاين).
ويضيف: “يمكن أن تحافظ العلاقات عبر الحدود على احتواء القتال، أو تتسبب في انتشاره بسبب تأثير تنظيمات مثل مجموعة فاغنر الروسية، التي تعمل على جانبي الحدود بين أفريقيا الوسطى والسودان، وتنشط في جنوب ليبيا”.