أسلحة الجيش بيد المواطنين والمليشيات.. فوضى السلاح تهدد دارفور

عاين- 30 نوفمبر 2023

بالتزامن مع استيلاء قوات الدعم السريع على مواقع عسكرية للجيش السوداني في إقليم دارفور غربي السودان، يتحول العتاد الحربي للجيش إلى أيدي المواطنين والمليشيات الأهلية، التي تتسابق على اغتنام أكبر قدر من الأسلحة والذخائر والمركبات القتالية- وفقاً لما رصده مراسل (عاين) بدارفور- الأمر الذي يعزز مخاوف توسع رقعة العنف في الإقليم الذي دائما ما يشهد عمليات اقتتال أهلي مميتة.

وفقد الجيش السوداني خلال سبعة أشهر من القتال المستمر مع قوات الدعم السريع، (4) فرق عسكرية مهمة في دارفور من بين (5) فرق كبيرة تحتوي على أنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة التي كان يحتفظ بها الجيش في الإقليم، خلال فترة الحرب الطويلة التي كان يخوضها نظام الرئيس السابق عمر البشير ضد الحركات المسلحة.

وحتى قبل اندلاع الحرب، كان الإقليم يعاني انتشار السلاح وسط المدنيين، لكنه وبعد الحرب اشتد التنافس المحموم على اقتناء الأسلحة بأنواعها المختلفة وسط تبريرات الدفاع عن النفس والممتلكات في ظل غياب الدولة. في وقت تسود مخاوف لجهة تداول الأسلحة والإقبال الكثيف على الشراء ما يؤدي إلى مزيد من التفلتات الأمنية وانتشار العنف وتهديد السلام المجتمعي بين المكونات الأهلية.

تحصد الصراعات الاهلية القاتلة في اقليم دارفور غربي السودان بإستمرار مئات الأرواح وتتسبب في نزوح الآلاف وحرق القرى ونهب الممتلكات.

 

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان دعا في مايو الماضي المواطنين للتسلح، وأعقب تصريح البرهان تأكيد من وزير الدفاع أعلن فيه استعداد وزارته لتسليح المدنيين ومعاشي القوات النظامية، الأمر الذي فسر وقتها بإقرار ضمني بتراجع دور الأجهزة الأمنية في حماية المدنيين.

وتزامن ذلك مع دعوة أطلقها حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، للمدنيين في دارفور بضرورة حمل السلاح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، ما حفز الأهالي على التنافس في امتلاك السلاح.

الاحتفاظ بأسلحة في دارفور

وكشف قائد عسكري سابق بالفرقة السادسة عشر مشاة بنيالا لـ(عاين)، أن الجيش يحتفظ بأسلحة وعتاد عسكري كبير في ولايات دارفور، ويرجع ذلك لأهمية المنطقة لكونها منطقة عمليات عسكرية لنحو (٢٠) عاماً، بالإضافة إلى ذلك أهمية الحدود مع دول الجوار مثل افريقيا الوسطى، جنوب السودان، تشاد وليبيا. وأضاف: “لهذا السبب الفرق والمواقع العسكرية في دارفور تحتوي على أعداد وأنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر”.

في كل مرة ينسحب الجيش من موقع يتدافع المواطنين وأفراد المليشيات إلى هذه المواقع، ويأخذون الأسلحة والذخائر والمركبات عشوائيا”.

قائد عسكري سابق بالفرقة 16 نيالا

ويقول المصدر العسكري الذي -فضل عدم ذكر اسمه- إن سقوط هذه المواقع المهمة في يد الدعم السريع يشكل خطراً كبيراً على الجيش نفسه والسلام المجتمعي في الإقليم. وقال: “إن الدعم السريع لا يستطيع توفير أي ضمانات تمنع وصول هذه الأسلحة للمليشيات الأهلية والقبلية، لجهة أن الدعم السريع في حد ذاته يعتمد على دعم ومساندة المليشيات الأهلية في الهجوم على المواقع العسكرية للجيش، وكل ما انسحب الجيش من موقع يتدافع المواطنين وأفراد المليشيات إلى هذه المواقع، ويأخذون الأسلحة والذخائر والمركبات عشوائيا”.

الحماية بشتى الوسائل

“الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع غيرت من تفكير المجتمعات الأهلية في دارفور وكردفان بشأن حماية مجتمعاتهم بعد غياب سلطة القانون، وجعلتهم في وضع تنافسي في التسليح لجهة أن هناك قبائل لم تُعرف تاريخياً بالحروب بدأت تعد نفسها، وأصبح السلام الاجتماعي مهدداً من أي وقت مضى”. يقول العضو في تحالف الحرية وتغيير بولاية جنوب دارفور بدر الدين أبكر.

 

“غياب أجهزة الأمن والشرطة اضطر الأهالي للتفكير في حماية أنفسهم لجهة أن السلم المجتمعي في دارفور وكردفان أكثر هشاشة”. عضو بتحالف الحرية والتغيير- جنوب دارفور

 

ويشير بدر الدين في مقابلة مع (عاين)، إلى أنه وبسبب غياب أجهزة الأمن والشرطة لجأ الأهالي للتفكير في حماية أنفسهم بشتى السبل لجهة أن السلم المجتمعي في دارفور وكردفان أكثر هشاشة، وهذا بدوره ساعد على التنافس على جمع السلاح والتدافع إلى المواقع العسكرية للحصول الأسلحة.

ويضيف: “هناك قبائل متحالفة مع الدعم السريع منذ تأسيسه حصلت على أسلحة بأعداد كبيرة من خلال هجماتها إلى مواقع الجيش والشرطة، مما جعل الآخرين يتدافعون للانخراط في الدعم السريع من أجل الحصول على السلاح بغرض حماية مكوناتهم الاجتماعية في ظل غياب الدولة، وآخرين من أجل التكسب من خلال بيع شراء السلاح”.

كيف وصلت الأسلحة للمليشيات؟

 

على الرغم من تأكيدات قوات الدعم السريع باستلام المواقع العسكرية بكل عتادها الحربي، إلا أن أعداداً كبيرة من هذه الأسلحة وصلت إلى المليشيات، وأصبحت متداولة في الأسواق بطريقة وتعرض للبيع بأسعار زهيدة، وهذا يدل على كميات العرض الكبيرة- وفقا لما رصده مراسل (عاين).

 

وعلى الرغم من تأكيدات قوات الدعم السريع باستلام الفرق المواقع العسكرية بكل عتادها الحربي، إلا أن أعداداً كبيرة من هذه الأسلحة وصلت إلى المليشيات، وأصبحت متداولة في الأسواق في أيدي عناصر المليشيات والأهالي بطريقة فوضوية في مدن وبلدات دارفور وتعرض بأسعار زهيدة في الأسواق، وهذا يدل على كميات العرض الكبيرة- وفقا لما رصده مراسل (عاين).

“بعض قادة الدعم السريع يساعدون قبائلهم في الحصول على التسليح بطريقة مباشرة أو غير مقصودة لجهة أن الانتماء إلى القبيلة في دارفور هو أقوى من الانتماء إلى أي جهة أخرى”. يقول الخبير العسكري، ولواء الشرطة المتقاعد، علي محمد إيدام لـ(عاين).

ويرى الخبير العسكري، أن الضوابط العسكرية وسط قوات الدعم السريع ليست محكمة لطبيعة التمدد الأفقي للقوات، وهشاشة نظام المحاسبة والإجراءات التي تقيد حركة الأفراد والأسلحة بالقوات، ومن خلال هذه المعطيات طبيعي أن تصل أسلحة مغتنمة من الجيش إلى أيدي المليشيات القبلية.

تصل الأسلحة والذخائر بمختلف أنواعها الى أيدي المواطنين والمليشيات في دارفور بسهولة وبأسعار زهيدة

 

ويضيف: “قوات الدعم السريع تعتمد على المليشيات في كل عملياتها ضد الجيش، وتطلق على ذلك “النفرة” وهؤلاء هم أعداد كبيرة من المقاتلين الأهليين يقاتلون في صفوف الدعم السريع وهدفهم الأول التكسب والحصول على أسلحة وذخائر، وفي معظم الحالات تتحول الأسلحة عبرهم إلى الأهالي، سواء كان عن طريق البيع أو مساندة عشائرهم”.

ويشير إيدام في هذا الصدد، إلى مشاركة عتاد العسكري تابع للحامية العسكرية في مدينة برام بولاية جنوب دارفور في المعارك الأهلية الأخيرة بين السلامات والهبانية. بجانب تأثير الأسلحة المغتنمة من مواقع الجيش من “أم دافوق وكأس ومنواشي” في القتال الأهلي بين قبيلتي السلامات والبني هلبة.

مهددات السلام الاجتماعي

بالرغم من محاولات قيادة الدعم السريع المحافظة على السلام الاجتماعي بين مكونات دارفور، حتى لا يؤثر سلباً على سير المعارك مع الجيش، إلا أن وصول السلاح إلى مليشيات القبائل كان أحد مسببات تحريك النزاعات الأهلية وجعها أكثر دموية لاسيما بين السلامات والبني هلبة من جهة، والسلامات والهبانية من جهة أخرى وهي من أكبر القبائل المساندة للدعم السريع في حربه ضد الجيش.

وكان الصراع الأهلي المميت بين المكونات العربية في دارفور، أحد أسباب وجود عبدالرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع في دارفور للإشراف على مؤتمرات الصلح بين قبيلتي السلامات والبني هلبا في بلدة “كاس” بولاية جنوب دارفور، وإعادة ترتيب القبائل في دارفور وكردفان للاستمرار في دعم قواته في حربها ضد الجيش.

ويرى الأستاذ بمركز دراسات السلام التابع لجامعة نيالا، د. محمد آدم حسن، أن نشاط التسليح وسط القبائل الذي أفرزته الحرب بين الجيش والدعم السريع أصبح أكبر مهدد للسلام الاجتماعي في دارفور.

ويقول محمد آدم في مقابلة مع (عاين) إن “القتال المستمر بين الطرفين أفرز واقعاً معقداً بين المكونات الاجتماعية في دارفور، وأصبح مستقبل السلام الاجتماعي مهدداً من أي وقت مضى لا سيما في ظل دخول مكونات اجتماعية جديدة من الدول الأفريقية، بجانب حركة التسليح بين القبائل وانتشار تجارة السلاح”.

ويشير آدم وهو مختص في دراسات السلام وفض النزاعات، إلى أنه وبسبب غياب نظام الدولة أصبحت مناطق كثيرة دارفور تدار بنظام العرف الاجتماعي التقليدي بين القبائل بدلا عن نظام الدولة الذي يدار عبر القوانين، وهذا في حد ذاته يمكن أن يقود إلى العنف الأهلي بين المكونات الاجتماعية حال لم تتوافق الإدارات والمكونات المحلية على النظام العرفي وإدارة شؤون المجتمع.