أمن دارفور.. ماذا تقترح الحركات المسلحة؟
تقرير – 21 يوليو 2020م
في الوقت الذي تقترب فيه الجبهة الثورية من التوقيع على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في مسار اقليم دارفور الذي شهد حرباً امتدت لما يقارب الـ17 عاماً، لا تزال مظاهر الحرب تسيطر على الإقليم على الرغم من انخفاض وتيرتها بعد ثورة 19 ديسمبر الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
انفلات وقتل
“الأوضاع الأمنية في دارفور مقعدة في ظل التسليح الكثيف للمليشيات التي كانت تساند نظام الرئيس المعزول في قتاله ضد الحركات المسلحة بالإقليم وغيرها من تاثيرات مظاهر الحرب وتعبئة المكونات الاهلية ضد بعضها البعض”. يقول الناجي قسم السيد احد سكان الاقليم لـ(عاين)، ويضيف ” الانتهاكات والقتل وتسليح المليشيات الذي حدث خلال السنوات الماضية ترك غبناً شديداً.. ودوننا قضايا الارض والرعي والتي تظل عنصرا رئيسياً في تغذية الصراع الأهلي والانفلات الأمني بالإقليم في اي زمان ومكان..”.
بينما يقول أحد سكان ولاية شمال دارفور، علي إدريس آدم، ان الانفلات الأمني أصبح ظاهرة يومية في العديد من مدن ومحليات الولاية، فالجماعات التي تحمل السلاح خارج الإطار القانوني، معروفة للجهات الامنية. ويقول أدريس لـ(عاين)، ان الحكومة تغض الطرف عن الانفلات الامني، بذريعة أنها لا تريد أن تغضب بعض المكونات الاهلية، ويطالب الحكومة المركزية ان تسعى الى نزع السلاح من المليشيات التي تسبب عدم الاستقرار، وتمارس النهب والقتل والسرقة في ضوء النهار، أي سلام تريد ان توقع عليه الحركات المسلحة عليها تطالب الحكومة المركزية ان تضع في اعتبارها قضية انتشار السلاح المزعجة في دارفور.
ويضيف آدم، “انتشار السلاح والفوضى الامنية، اكبر مهدد لتحقيق السلام في الإقليم الغربي، كي تحافظ الدولة على الأمن، عليها التعامل بحسم مع العصابات والمجرمين بقسوة، وسن قانون يسجن كل من يتورط في قتل الافراد او الجماعات”.
فيما يعتقد قسم السيد، انه “ليس واضحا حتى الآن تصور الحركات المسلحة لمعالجة هذه القضايا”. (عاين) ومع التطورات التي تحدث على الارض في الاقليم والانفلاتات وتصاعد عمليات الاقتتال الاهلي حاولت فهم رؤية هذه الحركات والتقت عدد من قادتها الذين يتفقون على ان عودة الامن والاستقرار الى دارفور يستلزم نشر قوات مشتركة بين الجيش السوداني والحركات المسلحة، ونزع السلاح، حماية المواطنين من عنف المجموعات المنفلتة، وأيضا مخاطبة المظالم التاريخية.
قوات مشتركة
ويذهب، رئيس حركة تحرير السودان -المجلس الانتقالي ورئيس الجبهة الثورية، الهادي ادريس، إلى ان الوضع الأمني في الاقليم له شقين، سياسي مرتبط بالازمة الوطنية، والتفاوض الجاري الآن حول القضايا السياسية التي لها علاقة وثيقة بجذور الازمة، وكذلك الاختلالات في الخدمة المدنية في المركز ودارفور. ويقول الهادي لـ(عاين)، ان “مسألة العدالة تمثل احد ركائز الاستقرار المجتمعي في دارفور وهناك ضرورة لتقديم مرتكبي جرائم الحرب الى محاكمات”، ويشير إلى مشاكل الأرض باعتبارها أحد المنافذ التي بدأ منها الاقتتال، وتسعى الحركة لإيجاد حلول لها، ويشدد أن الأرض والحواكير لابد أن تعود إلى اصحابها، ويصر أن يعود النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، وعلى الدولة أن تقدم تعويضات لضحايا حرب دارفور. ويضيف ادريس، بأن هناك مبادئ واضحة لتقسيم السلطة والثروة في البلاد، ويطالب أن يكون الحكم في السودان حكما فيدراليا، وكل إقليم يحكم نفسه.
أما فيما يتعلق بمسائل الأمن، يقترح الهادي، أن تكون هناك قوة مشتركة من الجيش وحركات الكفاح المسلح والدعم السريع، لحفظ الأمن والاستقرار في الاقليم الغربي، أن ينحصر دورها في حفظ الأمن، ونزع سلاح المليشيات، وان لا يترك السلاح لأي مجموعة خارج هذه المجموعات الثلاثة، يوضح الهادي بعد نهاية الفترة الانتقالية أن تدمج هذه القوات تدريجيا لتصبح نواة للجيش السوداني القومي في المستقبل، وتكون عقيدتها حماية المواطن السوداني، مشيرا الى الجيش السوداني فيه خلل هيكلي، يقترح اصلاح المؤسسة الامنية بعد الفترة الانتقالية، ويطلق عليها آلية القوة الوطنية لحفظ الأمن والسلام. ويشدد “دورها ان تحفظ السلام وتنزع السلاح، وتضمن عودة النازحين، ويجب أن يكون لهذه القوة هيئة أركان مشتركة ولجنة عسكرية عليا، بعد انتهاء مهامها يجب استيعابها في الجيش القومي في المستقبل.”
بينما يؤكد الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة معتصم أحمد، أن انتشار جرائم القتل في الإقليم الغربي، لا تحقق سلام دائم في البلاد، ودور الدولة المتعارف عليه أن توفر الأمن وتحمي المواطن. ويوضح معتصم، أن الأمن لا يتحقق على الارض الا بسلام مستدام، ويقول لـ(عاين)، الفوضى الامنية تحتاج الى ترتيبات أمنية وهي نتاج للاختلال الامني في الاقليم.ويشدد أحمد، على ان المعالجة تتطلب تكوين قوة مشتركة من قوى الحركات المسلحة والقوات الأخرى لتوفير الأمن، ومنوط بها التدخل لإيقاف الاعتداءات ضد الأبرياء.
لماذا الانفلات؟
“السؤال الذي تطرحه حركة جيش تحرير السودان- قيادة مناوي على طاولة التفاوض دوماً، لماذا يحدث الانفلات الأمني؟، ولماذا تتكرر المشاكل الامنية؟”، يقول الناطق باسم الحركة الصادق علي النور، ويضيف لـ(عاين)، إن “الانفلات الامني الاخير في منطقة فتا برنو بولاية شمال دارفور، امتداد لفوضى أمنية ضربت عدد من مدن السودان، ولن تقف على فتا برنو وحدها”.
وينحو النور، إلى ان الاحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة فتابرنو ومناطق أخرى في البلاد، “لم يكن صدفة، وهناك جهات مستفيدة، تريد افشال مفاوضات السلام الجارية في عاصمة جنوب السودان”، ويؤكد “رؤية الحركة للسلام في إقليم دارفور واضحة، أبرزها تحقيق الامن والاستقرار، ثم اعادة النازحين واللاجئين الى قراهم كأولوية، تحقيق السلام الشامل والمستدام على الأرض.”
ويلفت الصادق، إلى إن الحركة تطالب بترتيبات أمنية حقيقية، والاجابة على سؤال لماذا تكون هناك حروب؟، وتطالب ايضا باعادة توزيع السلطة والثروة بصورة عادلة، والعمل على محاسبة المجرمين، ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية في دارفور، والعمل على تشكيل محاكم للعدالة الانتقالية في المناطق التي دارت فيها الحرب، ما يساهم في اعادة الاستقرار، والإعداد للمؤتمر الدستوري لترسيخ دستور دائم في البلاد، يؤسس لبناء دولة جديدة، دولة المؤسسات التي ينشدها الجميع. ويزيد “كل هذه المطالب تؤدي الاستقرار الدائم في البلاد”.
تعقيدات وأمل
على الرغم من تعقيدات الاوضاع في اقليم دارفور، بحسب الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية محمد زكريا ، الذي يقول انهم في الجبهة الثورية التمسوا جدية حكومة الفترة الانتقالية، في مساعي تحقيق السلام، وتحملها مسؤوليتها المباشرة في توفير الأمن للمواطنين. ويقول زكريا ـ(عاين)، ان “النظام السابق ترك وضعا هشا، قابل للانفجار تحت أى ظرف”، ولذا هناك حاجة لحلول عاجلة، وفقا لزكريا الذي يرى انها تكمن في تنفيذ بنود اتفاقية السلام، والسعي إلى إرساء مبادئ العدالة، نزع السلاح من المجموعات المتفلتة، وبسط الأمن، ويعتقد أن ذلك يساهم في استقرار دارفور، بجانب تكليف الولاة الاكفاء في حكم الولايات والمحليات، واعادة التعمير في المناطق التي دمرتها الحرب.