“عشوائية قاتلة”.. الحرب تضاعف فوضى تعدين الذهب شمالي السودان 

عاين- 17 يونيو 2025     

امتد أثر الحرب الدائرة في السودان إلى قطاع التعدين العشوائي عن الذهب خاصة ولايتي نهر النيل والشمالية، والذي يعيش حالة من الفوضى التي وصفت بـ”المدمرة” في الجوانب الإشرافية الحكومية المرتبطة بصحة البيئة لما تشهده مناطق التعدين في الولايتين من انتشار واسع لاستخدام مواد سامة في عمليات تخليص الذهب تضاعفت بعد بشكل كبير بعد الحرب دون أي رقابة حكومية.

“في سوق مدينة عطبرة، وتقريبا في كل أسواق التعدين الصحراوية في ولاية نهر النيل والشمالية تعرض هذه المواد شديدة السمية كالزئبق والثيوريا والسيانيد في العلن تتم عمليات البيع والشراء دون أي رقابة حكومية”. يقول المعدن التقليدي في ولاية نهر النيل الشيخ سليمان لـ(عاين).

ويشير سيلمان، الذي يبدي تذمرا من عمليات التداول لهذه المواد السامة دون رقابة حكومية، إلى أنه وبعد اندلاع الحرب في السودان ضربت فوضى عارمة هذا القطاع وسط صمت الجهات الحكومية ذات الصلة والمتمثلة في شركة الموارد المعدنية الجهة الإشرافية على التعدين بشقيه التقليدي والمنظم.

بين الأحياء والمنازل والوديان القريبة من مساكن المواطنين، انتشرت مؤخرا عمليات استخلاص عديدة للذهب عبر مادة السيانيد والثيوريا، وذلك بانتشار ما يعرف بالخلاطات، بجانب أحواض كبيرة ينشئها معدنون في منطقة طرفية من هذه القرى، لكنها على مجاري المياه، ويستخدمون فيها مادة السيانيد لاستخلاص الذهب من مخلفات التعدين التقليدي “الكرتة”.

استثمارات الجيش

يعيب عضو في تجمع الأجسام المطلبية بولاية نهر النيل- تجمع مدني مناهض لعمليات التعدين العشوائية- على سلطات الجيش في ولاية نهر النيل ابتدارها العمل على الأحواض التي تستخدم السيانيد وتأجيرها مساحة أرض تتبع للقوات المسلحة تعرف بميدان الرماية بالقرب من مدينة عطبرة، لعدد من المعدنين التقليديين، وبعد ذلك انتشرت هذه الأحواض بولاية نهر النيل.  ويقول عضو تجمع الأجسام المطلبية الذي فضل حجب اسمه لأسباب أمنية لـ(عاين): “لا يعقل أن تمارس سلطة الجيش هذه العمل المدمر لحياة الناس والبيئة في ولاية نهر النيل، وكيف لسلطة حكومية أخرى أن تمنع الآخرين والجيش يمارس هذا العمل”.

فوارغ المواد المستخدمة في التعدين

ويشير عضو تجمع الأجسام المطلبية إلى أنه، وبعد اندلاع الحرب كذلك دخلت القوات المساندة للجيش في حربه ضد الدعم السريع، في عمليات التعدين المختلفة عبر التنقيب والتجارة في المواد المستخدمة في عمليات تنقيب الذهب بما فيها المواد السامة التي تثير غضب السكان المحليين لما تسببه من تلوث بيئي بالغ الخطورة على مناطق ولاية نهر النيل القريبة من أماكن التعدين.

اعتصام جديد

والسبت الماضي، بدأ سكان بلدة “حلة يونس” غرب بربر، بولاية نهر النيل شمالي السودان، اعتصاماً سلمياً احتجاجاً على استخدام مادة “السيانيد” في استخلاص الذهب عشوائياً، ويخشى السكان هناك من توسع رقعة التعدين في مناطقهم وزيادة التلوث جراء استخدام مواد بالغة الخطورة على حياتهم ومواشيهم ومزارعهم.

ويقول خالد الفكي الخليفة، من سكان حلة يونس: “لاحظنا قبل وقت نشاط تعدين في خور ود القطيني الذي يعتمد عليه المواطنون في ري الزراعة وسقيا المواشي، وإذا سمحنا للمعدنيين بالتمدد نعرض قريتنا، ومن حولها قرى أخرى إلى مخاطر صحية وبيئية كبيرة، لذلك نفذنا اعتصام احتجاجا على التعدين العشوائي”، ويوضح الخليفة في مقابلة مع (عاين)، أنه بعد الاعتصام حضر أفراد من الشركة السودانية للتعدين والأمن الاقتصادي، ولكن لم يستجيبوا لمطالبنا، ونحن نعترض على المواد السامة التي تستخدم في معالجة الذهب التي تتسرب إلى الخور، ومنه إلى مزراعنا والمواشي سيما وأن المنطقة شديدة الانحدار.

جانب من اعتصام مواطني حلة يونس بولاية نهر النيل

وتعتبر ولايتا نهر النيل والشمالية من أكثر المناطق المنتجة للذهب في السودان وترفد الخزانة الحكومية بحوالي 750 مليون دولار سنويا طبقا- لمحمد المعز الباحث في مجال البيئة والمتخصص في تتبع آثار التلوث الناتج عن التنقيب والتعدين في السودان.

ويؤكد الخليفة، إنهم يملكون أدلة كافية عن استخدام مادة السيانيد لاستخلاص الذهب في الأحواض التي تبعد كيلومترات قليلة عن القرية وهناك عبوات كبيرة موجودة، وبعد الاعتصام أغلق سكان القرية مواقع التعدين، حتى لا تتمدد أو يُتَلَاعَب بالأدلة، وأضاف: “مطلبنا الرئيسي إزالة المواقع بطريقة علمية، ونتأكد أنه ليس هناك ضرر، وفي حال لم تُنَفَّذ سنستمر في التصعيد إلى حين إزالتها بشكل كامل، ورسالتنا للسلطات الولائية والاتحادية أن يُرْفَع الضرر عنا، لن نسمح لأصحاب النفوس الضعيفة باستخدام المواد القاتلة في وقت لم تتخذ الشركة السودانية للتعدين إجراء حاسماً تجاه مطالبنا”.

تسرب المواد السامة

ويقاوم السكان المحليون في أكثر من منطقة شمالي السودان، عمليات التعدين التي تقوم بها الشركات العاملة في مجال تعدين الذهب واستخلاصه عن طريق مادة السيانيد السامة. وشهدت أكثر من منطقة احتجاجات مماثلة.

تخشى إحدى سيدات القرية من تسرب السيانيد سيما وأن “حلة يونس” تقع في مجرى السيول، وأن موسم الأمطار قد بدأ بالفعل، وآثار استخدام السيانيد واضحة في الأحواض وبطريقة غير علمية، وتقول السيدة في مقابلة مع (عاين):”منطقتنا معرضة للسيول، هناك مجرى سيل يعرف بـ كريبش يجرف المياه إلى معظم القرى وقريتنا تحديدا، وهذا الخور يمتلئ بالمياه، ويلعب فيه الأطفال، وخطورة السيانيد معروفة، وعلى الجهات المسؤولة أن تتخذ إجراء حرصا على سلامة الناس الذين هم عرضة للإصابة بالأمراض، ولا نرغب أن نصل هذه المرحلة التي سترهقنا ماديا واجتماعياً، غير أن مواشي تنزل للشرب من الخور، لذلك نرى أن أثر السيانيد مباشر على أهل المنطقة.

وينشط حوالي 2 مليون معدن سوداني ينتجون 80% من الذهب بولاية نهر النيل التي تتصدر إنتاج ولايات البلاد من المعدن.

يوضح عمار محمد عبد الرحمن، من سكان حلة يونس، أنه قبل عشرين يوماً بدا المعدنيين بإنشاء موقع واحد يبعد حوالي أحد عشر كيلو عن القرية، وكان يتبع إلى جهة معينة، ومن ثم زاد عدد المواقع إلى أربعة، وما لفت انتباه سكان المنطقة أنهم يعدنون في مجرى السيل ما يعني أن يموت الزرع والمواشي وحدوث تلوث كبير، وأضاف في مقابلة مع (عاين): “نحن نعلم أن السيانيد مادة قاتلة، ويمكن تحدث تشوهات أجنة وسرطانات، ونطالب بإزالة فورية للمواقع؛ لأن الخريف على الأبواب، ولن ننهي الاعتصام قبل أن يُسْتَجَاب إلى مطالبنا لو فقدنا أرواحنا”.

ويحذر خبراء أن ولايتي نهر النيل والشمالية تمضيان إلى مرحلة خطيرة بسبب مخلفات التعدين، وتشير التحذيرات التي صدرت من أن المنطقتين لن تكونا صالحتين لعيش الإنسان قياسا بمستوى انتشار السموم.

وترى الناشطة في مجال حماية البيئة، أميمة حسين، في مقابلة سابقة لـ(عاين) والتي تقصت عن مخلفات التعدين شمال السودان، إن عشرات القرى التي يقطنها سكان لا يعرفون خطورة التنقيب قرب مساكنهم تضرروا من خلال ولادات مصابة بالعمى أو الشلل والسبب أن النفايات الكيميائية تقع بالقرب من مواقع يمارسون فيها حياتهم اليومية، دون أن يدروا أن السموم تحاصرهم.

جانب من الاحواض التي تستخدم فيها مادة السيانيد

وتابعت: “اندلعت عشرات الاحتجاجات في هذه المناطق قُمِعُوا من خلال السلطات الأمنية في ولاية نهر النيل، وفي بعض الأحيان تعتقد أن تعيين قادة الشرطة وجهاز الأمن يتم عادة من السلطة المركزية من لديهم القدرة على البطش بالاحتجاجات الرافضة لتنقيب الذهب، أو تلك المجتمعات التي تطالب بحصصها من هذه الثروات”

وأردفت “في العام 2022 أوقفت هيئة الاستخبارات العسكرية شركات روسية لديها علاقة بفاغنر وقوات الدعم السريع في ولاية نهر النيل كانت تعمل في تنقيب الذهب والسبب ليس حماية البيئة أو الفساد، لكن لأن الخلافات بين البرهان وحميدتي كانت قد بدأت توا”.

وتضيف أميمة “تقارير الطقس والنشرات الجوية تحذر من أن شمال السودان أصبح ضمن نطاق أحزمة الأمطار والسيول والفيضانات بالتالي يجب اتخاذ تدابير مشددة لمنع تسرب الزئبق والسيانيد ومخلفات التعدين إلى المياه والمدن والقرى ونهر النيل”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *