عسكر السودان.. مخالفة محتملة للدستور تهدد بفض شراكة الحكم
23 سبتمبر 2021
يأمل صناع ثورة ديسمبر 2018 في السودان نقل رئاسة مجلس السيادة الانتقالي، بحلول نوفمبر القادم من العام الحالي وفقاً للوثيقة الدستورية الحاكمة، مع تنامي المخاوف من رفض المكون العسكري تقلد المدنيين الرئاسة بذريعة الأمن، خاصة أن حدوث ذلك استبقته محاولة انقلابية فاشلة صبيحة الثلاثاء الماضي وتصريحات للعسكريين وصفها المدنيين بأنها مهدد للانتقال الديمقراطي في البلاد.
“المهدد الأكبر الذي يواجه البلاد حاليا هو القيام بإجراء تعديل جديد للوثيقة الدستورية بهدف تمديد فترة رئاسة العسكريين لمجلس السيادة الانتقالي، الأمر الذي سيهزم مشروع التغيير الكامل”. يقول رئيس المبادرة السودانية لحقوق الانسان، الشريف علي الشريف.
ويضيف الشريف في مقابلة مع (عاين): أن “الوثيقة الدستورية فصلت بوضوح طبيعة السلطات التنفيذية وأكدت على طبيعة سلطات مجلس السيادة التشريفية، مشيراً إلى أن خرق الدستور أدى لتغول العسكريين وتوسع سلطاتهم خصماً على سلطات المكون المدني بالحكومة الانتقالية، الأمر الذي يتنافى مع روح الوثيقة الدستورية”.
“المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، يسعى للاستمرار في رئاسة المجلس طوال الفترة الانتقالية وستلاحقهم العقوبات الأمريكية” صلاح الدومة بينما يرى استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، صلاح الدومة، أن المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، يسعى للاستمرار في رئاسة المجلس طوال الفترة الانتقالية، وإلى ما بعد الانتخابات، في محاولة لاعادة عقارب الساعة للوراء.
وينوه الدومة إلى أن الأطراف الخارجية والدولية، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تقتضي مصالحها في كل من السودان ومنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر دعم الانتقال في البلاد، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
وأقر الكونغرس الأمريكي في الحادي عشر من ديسمبر العام الماضي، مشروع قانون يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، ويشدد على الرقابة على قوى الأمن والاستخبارات السودانية، ويتطلب المشروع من وزارة الخارجية الأمريكية تقديم استراتيجية تتعمل على تفصيل الدعم الأمريكي للعملية الانتقالية التي تجري في السودان نحو حكومة مدنية.
وأوضح الدومة أنه حالة رفض المكون العسكري تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين فسيتم تفعيل “قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والشفافية المالية للعام 2020.
ويعود رئيس المبادرة السودانية لحقوق الانسان، الشريف علي الشريف للتأكيد بأن تنفيذ عملية انتقال رئاسة المجلس السيادي من العسكريين إلى المدنيين سوف تدعم الشراكة بينهما كما تدعم استقرار السودان، مشيراً إلى أن انتقال الرئاسة للمدنيين يعتبر أحد إشتراطات الوثيقة الدستورية.
“الشارع السوداني لن يقبل بعودة الحكم العسكري للبلاد والاتهامات تلاحق المؤسسة العسكرية في دورها في إضعاف التحول المدني.” الشريف علي الشريف
ويشدد الشريف، إلى أن المؤسسة العسكرية سيطرت على مقاليد الحكم في البلاد لسنوات طويلة، داعياً إلى عودة الجيش لتادية المهام المطلوبة منه، من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي.
وأشار الشريف، لوجود سخط كبير على مسار الانتقال الحالي، الأمر الذي يظهره العجز عن إحداث الاختراقات المأمولة في عدة ملفات بينها العدالة و الأمن، موضحاً أن بعض الاتهامات تلاحق المؤسسة العسكرية في دورها في إضعاف التحول المدني.
وأكد الشريف، على أن إلتزام المكون العسكري بإنتقال رئاسة مجلس السيادة إلى رئيس مدني سيعمل على إعادة الزخم لرمزية الانتقال، كما سيعمل على ضخ روح جديدة في ثورة ديسمبر المجيدة.
وأوضح الشريف، بأن الشارع السوداني لن يقبل بعودة الحكم العسكري للبلاد مُجدداً، مشيراً إلى أن الفرصة مواتية أمام المكون العسكري ليختط طريقاً جديداً، لكسب ثقة السودانيين، كما أن هناك فرصة لنفي الاتهامات المتوالية المتعلقة بمحاولة الاستئثار بالسلطة من جديد، بالانحياز إلي دولة الدستور وتنفيذ العهود.
مراجعات واجبة
يتساءل رئيس حزب الأمة القومي المشارك في الحكومة الانتقالية- فضل الله برمة ناصر، حول قدرة المدنيين على السيطرة على الجيش كما يفعل العسكريين، ويشير ناصر في مقابلة مع (عاين)، إلى أن المكون العسكري بالحكومة المدنية هو الذي تصدى للمحاولة الانقلابية التي جرت الثلاثاء الماضي.
“إكمال هياكل السلطة لا يتصل بالمكون العسكري في الحكومة الانتقالية وحده. وهل المدنيين يستطيعون السيطرة على الجيش كما يفعل العسكريين الآن؟” رئيس حزب الأمة
ودعا برمة رئيس حزب الأمة لضرورة تقييم الأداء في الفترة الانتقالية للمدة الماضية، للإجابة على هل تستمر رئاسة مجلس السيادة بذات الوضعية أم من الضروري إحداث تغيرات عليه. مشيراً إلى أن الإجابة على ذلك تتطلب إخضاع الأمر للدراسة بناء على مؤشرات الوواقع.
وأوضح برمة أن عدم إكمال هياكل السلطة لا يتصل بالمكون العسكري في الحكومة الانتقالية وحده، مشيرا إلىً أن كلا المكونين المدني والعسكري، بالاضافة للحاضنة السياسية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير يتحملون المسئولية مناصفة. ودعا ناصر، لعدم قياس الوضع القائم بالمحاصصة السياسية، بل عن طريق المصلحة العامة من أجل الحفاظ على الفترة الانتقالية حتى نهايتها بدون تقسيم الفترة الانتقالية لمدنيين وعسكريين.
جدل قانوني
ويقول رئيس اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير، نبيل أديب، :” إن المادة 7 من الوثيقة الدستورية تنص على أن تكون مدة الفترة الانتقالية 39 شهراً تحسب من تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية. وأشار أديب، في حديث مع (عاين) إلى أن المادة 11 (3 ) تنص على أن يرأس مجلس السيادة الواحد والعشرون شهراً الأولى من مدة الفترة الانتقالية من يختاره الأعضاء العسكريون بالمجلس.
على أن يرأس المجلس عضو مدني يختاره الخمسة المعينون من قِبل قوى الحرية والتغيير في فترة الثمانية عشر أشهر المتبقية من الفترة الانتقالية والتي تبدأ في 17 من شهر مايو 2021. موضحاً أن التعديل الذي جرى في الوثيقة الدستورية لم يُغير في مدة الفترة الإنتقالية، على أن يبدأ حساب التسعة وثلاثون شهراً من تاريخ التوقيع على اتفاق سلام جوبا.
تضاعف المدة
ولفت أديب، إلى أن ذلك يعني أن حساب الفترة الإنتقالية يبدأ على خلاف الحقيقة في 3 أكتوبر 2020 مما يعني أن فترة رئاسة العسكريين تبدأ من ذلك التاريخ وتستمر 21 شهراً، الأمر الذ يخلق تعارضاً مع ما بقي سارياً من النص الدستوري الذي يشير الى تاريخ محدد يبدأ فيه سريان رئاسة العضو المدني. موضحاً أن ذلك أدى لتضاعف فترة الرئاسة العسكرية لتجاوزها الفترة المقررة في المادة الدستورية.
وأشار أديب، إلى أن الوثيقة الدستورية عدلت مرة واحدة لإدخال الاحكام المتعلقة بسلام جوبا، موضحاً أن التعديل الذي وقع على الوثيقة غير دستوري. وأوضح أديب، أن الوثيقة الدستورية لا ينبغي تعديلها إلا بواسطة المجلس التشريعي بأغلبية الثلثين وفقاً للمادة 78، مشيراً إلى أن سلطة تعديل الدستور سلطة تأسيسية فرعية أو مشتقة يعمل على تحديدها الدستور نفسه.
اتفاق مسبق
“إن تعديل الوثيقة الدستورية، أثر على المواعيد المحددة لنقل رئاسة المجلس” يقول أديب، ويضيف: “يبدو أن هنالك إتفاق بين المكونين المدني والعسكري على مواعيد نقل رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، حسب التعديل، لذا فقد مرَ التاريخ المفترض أن يتم فيه انتقال رئاسة المجلس الى المدنيين دون مشكلة .
واعتبر أديب، أن عدم اكمال هياكل السلطة الانتقالية يُعد خللاً في واجبات السلطة الانتقالية. مُشيراً إلى أن القوى المدنية في مجلس السيادة تتحمل المسؤولية الاكبر في الخلل المُشار إليه، لأنها تشكل الوزن الاكبر في الاجتماع المشترك الذي يشرع القانون في غياب المجلس التشريعي، وهي التي المعنية تكوينه، مُشيراً إلى أن مجلس السيادة بصفة خاصة مسؤول عن تأخير تعيين رئيس القضاء.
ومنحت الوثيقة الدستورية صلاحيات المجلس التشريعي إلى اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، إلى حين تشكيله.
“الفترات الانتقالية التي تلي التغيير الثوري تواجه باضطراب مرده صعوبة تحول الثوار والناشطين لرجال دولة” نبيل أديب
وبالعودة للتعديل الذي وقع على الوثيقة الدستورية، قال أديب: إن اللجنة القانونية للحرية والتغيير، أبدت عدم رضاها عن التعديل الدستوري، وأبلغت المجلس المركزي للحرية والتغيير بذلك، كما حاولت حث السلطات المختصة على الاسراع في اكمال هياكل السلطات الدستورية .
وأقر اديب، بأن الفترات الانتقالية التي تلي التغيير الثوري تواجه باضطراب مرده صعوبة تحول الثوار والناشطين لرجال دولة، بالإضافة لعظم المهام التي تواجههم، أخذاً في الاعتبار عمق الإصلاحات المطلوبة واتساعها، إضافة لصعوبات التخلص من آثار النظام السابق.
عقبة كؤود:
يلفت أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، صلاح الدومة، إلى أن كلاً من المكون العسكري في الحكومة الانتقالية زائداً الدولة العميقة المحمية من جهاز الأمن القديم هما اللذين يُعطلا استكمال هياكل السلطة المدنية، واصفاً المكون العسكري في الحكومة الانتقالية بالعقبة الكؤود.
واشار الدومة إلى أن المدنيين في الحكومة الانتقالية مستعدون لتقلد رئاسة مجلس السيادة الانتقالي، موضحاً أن المدنيين استطاعوا الحفاظ على استمرارية الثورة، كما استطاعوا تحقيق اختراقات ملموسة في الجانب الاقتصادي.
وبحسب الدومة تبقى ملفين مهمين على الحكومة الانتقالية تحقيق اختراقات فيهما، هما الجانب السياسي والأمني، موضحاً إمكانية إحداث تقدم فيهما حال تقلد المدنيين رئاسة المجلس السيادي، الأمر الذي سيؤدي لإحداث التعافي المنشود على كافة الأصعدة.