مواجهة “كورونا” في السودان.. كيف يستجيب المواطنين لإجراءات قاسية؟
عاين –27 مارس 2020
بهدوء تجمع بائعة المشروبات الساخنة في سوق الخرطوم 2 وسط العاصمة السودانية، “خديجة السيد”، أوانيها استعداداً لمغادرة المكان قبل حلول الخامسة عصراً ومن ثم الثامنة مساءاً الموعد الذي حدده السلطات السودانية من يومين لحظر التجوال في شوارع العاصمة كإجراء احترازي ضد تفشي فايروس كورونا.
في هذا السوق يتحلق عشرات السودانيين يومياً حول بائعات الأطعمة والشاي ويجلسون على كراسي وثيرة تحت ظلال الأشجار وطلب المشروبات الساخنة من البائعات اللاتي يتخذن من المكان سوقاً يحلب لهن دخول مالية نسبية لمجابهة منصرفات عائلتهن، لكن “خديجة” تقول لـ(عاين)، “بالكاد كنا خلال اليوم الذي يبدأ منذ وقت مبكر من الصباح حتى حلول المساء نجمع ما يكفي لشراء المواد الغذائية اليومية لأسرانا، منذ يومين قل ما اجمعه للنصف تماما بعد قرار السلطات حظر التجوال وتحديد عملنا بالخامسة من المساء”. ونضيف “كغيرنا من السودانيات والسودانيين نتفهم هذا الامر، فرجال المحلية الذين أتوا لـ أبلغنا القرار في اول يوم كانوا لطفاء على غير العادة، ففي السابق كنا نواجه وكما هو معلوم بكشات ومنع للعمل من ذات السلطات ونواجه كذلك جبايات تفوق دخولنا المحدودة”.
ولم تستثن قرارات حكومية احترازية لمواجهة فايروس كورونا احداً في السودان، وسرت منذ ليل الثلاثاء قرارات فرض حظر التجوال في جميع مدن البلاد من الثامنة مساءاً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي بجانب إغلاق للمطارات وحظر للسفر بين مدن السودان يسرى من مساء اليوم الخميس، وكانت الحكومة قد اتخذت من قبل اجراءات احترازية مشابهة بمنع التجمعات في المدن وإغلاق المدارس والجامعات بعد اعلان وزارة الصحة السودانية حالة وفاة بالمرض الخميس الماضي.
احوال ما بعد الحظر
في الموانئ البرية، وحركة السفر بين الخرطوم والولايات التي يسرى قرار ايقاف نشاطها اعتبارا من الخامسة من صباح الغد، ونشطت حركة المسافرين بين الخرطوم وولايات البلاد الاخرى، ورصدت (عاين) حركة المسافرين من ولايات شمال وجنوب دارفور والولاية الشمالية، إلى الخرطوم، وبالعكس، وشهد الميناء الرئيسي في العاصمة زحاما كبيرا للمسافرين الذين ارتبطت مصالحهم المباشرة بالولايات.
وتقول المواطنة مريم محمد عيسى، من ولاية شرق دارفور إنها ذهبت إلى العاصمة الخرطوم بغرض العلاج وعندما ارادت العودة قررت الحكومة وقف السفر بين الولايات بشكل مفاجئ وانها بحثت عن شتى طرق السفر حتى تتمكن من العودة لكنها فشلت وهي تنتظر من غير جدوى، في الوقت الذي نفد كل مصروفها مضيفة أن المئات أمثالها تقطعت بهم السبل وهم في حيرة من أمرهم.
وشهدت محلية مروي بالولاية الشمالية، كثافة عالية في عدد الباصات الناقلة للمواطنين في اليوم الآخير، حيث بلغ معدل حوالي بصين لكل قرية من قرى مروي، في وقت ارتفعت التذاكر بشكل مضاعف، حيث بلغت التذكرة 850 جنيها.
وتذمر عدد من الركاب من غلاء أسعار التذاكر ، ما عدوه استغلالا لحوجة المواطنين للسفر، وقال المواطن صديق الحاج لـ(عاين)، إنه أتى قبل اسبوع الى قريته في الشمالية لقضاء مناسبة زواج لأحد أقربائهم، وأوضح أن التذكرة وقتها من الخرطوم الشمالية لم تتجاوز ال450 جنيها، منوها إلى أن مبرر ندرة الجاز ليس مقنعا لزيادتها للضعف نسبة لبقاء الندرة في حالتها منذ ذلك الوقت، وعبر عن استيائه مما أسماه جشع شركات الترحيلات. وأضاف أن بعض سائقي الباصات لا يكتفون بالذاكرة الغالية فقط وإنما يسعون لزيادة أرباحهم عن طريق شحن المسافرين من الطريق بدون تذاكر.
ومن جانبها، وصفت المواطنة عفاف محمود، معاناتها في إيجاد تذكرة سفر بأنها اضطرت للذهاب للقرية المجاورة لقريتهم نسبة لعدم وجود تذاكر في الباصات المتاحة لقريتهم، وكشفت أن بعض المواطنين ظنوا أن آخر يوم للسفر وفقا للقرار الأخير هو يوم الأربعاء دون علم بأن القرار يبدأ تنفيذه في السادسة من مساء الخميس.
بينما أبدى المواطن علام محجوب، ارتياحه بقرار حظر السفر بين الولايات بسبب فيروس الكورونا، موضحا أنه قرار سليم من وجهة نظره، وأضاف:”الحكومة تأخرت كثيرا في ذلك”، وثمن الجهود الحكومية المحاولة للحيلولة دون مرض الكورونا بالبلاد، ولكنه عاد وأكد أن القرار رغم ايجابياته.
ورصدت (عاين)، نشاطا كثيفا لدوريات المرور في نقاط التفتيش على طول طريق شريان الشمال، الأمر الذي بدأ استعدادا لبدء تنفيذ القرار مساء اليوم الخميس، كما شهدت الاستراحات الممتدة على طول الطريق كثافة في البصات السفرية والمسافرين، حيث يجمع الطريق كل المسافرين من محليات الدبة ومروي ودنقلا وحلفا البرقيق وكرمة وعبري، في ظل ارتفاع مفاجئ للوجبات السريعة في الاستراحات والكافتيريات، الأمر الذي اشتكى منه المواطنون.
وفي السياق، يشير مدير الشرطة بالولاية الشمالية، اللواء شرطة محمد إبراهيم عوض الله، إلى التنسيق الذي يتم بين الولاية الشمالية والولايات المجاورة لقفل نقاط العبور وتنفيذ قرار منع السفر لخارج الولاية، مضيفاً أن نسبة تنفيذ القرار بلغت 100%، قبل ان يؤكد استقرار الأحوال الأمنية بالولاية الشمالية خاصة بعد تنفيذ قرار حظر التجول ومنع السفر من الولاية إلى ولايات البلاد الأخرى.
وقال عوض الله لوكالة السودان للانباء، إن نسبة تنفيذ قرار حظر التجول في يومه الثاني بلغ 99% بمحليات الولاية المختلفة، مشيداً باستجابة المواطنين الكبيرة وتفهمهم لمقتضيات القرار. وأوضح أن قوات الشرطة ستواصل حملات التوعية والتبصير بخطورة جائحة كورونا، وأضاف أن الهدف من هذه الحملات تبصير المواطنين بأهمية الالتزام الصارم بقرار الحظر وخطورة التجمعات وعدم الخروج في ساعات الحظر إلا للضرورة القصوى. وأكد أنه لم ترد أية بلاغات جنائية أو مرورية أثناء ساعات الحظر، محييا وعي المواطنين وتعاونهم مع قوات الشرطة بإتباع الإرشادات وتنفيذ قرار الحظر.
الفاشر- حذر وتشديد
في ولاية شمال دارفور غربي السودان، أعلنت الحكومة تشديد الإجراءات الاحترازية التي تتخذها للحد من انتشار فيروس كورونا، لتشمل منع التعدين وإغلاق جميع المطاعم بمدينة الفاشر بجانب تفريغ الاسواق من الباعة الجائلين ومنع العمل جزئيا في العيادات الخاصة والتي حددت بان لايزيد عن استقبال عشرة مرضى في اليوم الواحد.
وطالبت حكومة شمال دارفور بعثة اليوناميد لمنح منسوبيها من المدنيين اجازات مفتوحة بجانب دعوتها لبرنامج الغذاء العالمي لاتخاذ تدابير احترازية لتقليل الزحام اثناء عمليات توزيع الغذاء للمحتاجين في المخيمات. وجاءت هذه القرارات في خضم ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية يواجهها سكان ولاية شمال دارفور لاسيما خدمات المياه والكهرباء بجانب حصولهم علي الخدمات الصحية من مختلف المرافق حيث قفز سعر كيلو لحم الضان الي 500 جنيه والبقر 400 في ظل انعدام كامل لغاز الطبخ من المستودعات واصطفاف الالاف من السيارات امام المحطات للحصول علي الوقود.
وأفاد صاحب مطعم- محمد عامر- شبكة (عاين) بان القرارات الاحترازية التي اصدرتها الحكومة برغم جدواها لكنها ادت الى ضرر المئات من الاسر داخل مدينة الفاشر بسبب قفل مطاعمهم.فيما تقول بائعة القهوة والشاي في سوق المدينة “سليمة” لـ(عاين) انها تعول اسرتها المكونة من عشرة افراد والان لا تستطيع اطعامهم وان ظروفها سيئة للغاية.
نيالا – حياة معطوبة
وسيط بيع الاراضي السكنية في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، احمد ابو سكين يقول لـ(عاين)، ان حركة تجارة الاراضي توقفت بشكل ملحوظ وتأثرت مباشرة بالاجراءات الحكومية للحد من انتشار كورونا، الى جانب قلة الطلب في الاراضي وفرة العرض الأمر الذي تسبب مباشرة في تراجع اسعار الاراضي.
أما تاجر المواشي جمعة أرباب، يقول إن السوق تراجع بشكل كبير في البيع والشراء مع زيادة كبيرة في اسعار العلف الأمر الذي تسبب في خسائر كبيرة للتجار وتابع اذا استمر الأوضاع بنفس المعدل سيكون النتيجة كارثية بلا شك بحسب قوله
الشرطة – المواطن يستجب
وفي الخرطوم، تقدر شرطة العاصمة السودانية استجابة السودانيين لحظر التجول في البلاد لليوم الثاني بـ90% قبل ان تثني على مواطني ولاية الخرطوم بالتعاون والتعامل مع اجراءات حظر التجوال الصحي المفروضة من اللجنة العليا للطوارئ الصحية.
وقال الناطق باسم شرطة الخرطوم، عمر عبد الماجد، عبدالماجد في تصريح لــ وكالة السودان للانباء، أن هناك بعض الحالات الطفيفة التى لم تستجب للحظر وأن قوات الشرطة تتعامل معها كل حالة على حدا، منهم من يحتفظ بهم في نقاط الارتكاز ويتم انذارهم بعدم التكرار. وأبان الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة أن كل من له عمل ضروري أو مهم يعمل في وقت الحظر عليه أن يستخرج تصريحاً من الجهات المعنية.و فيما يتعلق بنهاية فك الحظر قال هذه موجهات وتقديرات اللجنة العليا للطوارئ الصحية ،وقال أن لجنة أمن ولاية الخرطوم ناشدت المواطنين الإلتزام بحظر التجوال و التجمعات خاصة الليلية و الإلتزام بها..