صراع مكتوم بين مكونات الانقلاب العسكري في السودان

10 مارس 2022

منذ انقلاب 25 أكتوبر الماضي، يواصل آلاف السودانيين الخروج في تظاهرات سلمية، فيما يتصاعد الخناق على الانقلابيين، وسط نذر بانهيار اقتصادي وشيك، في وقت رفضت فيه الحاضنة السياسية للانقلاب- قوى اعلان الحرية والتغيير الميثاق تضم حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام جوبا- ما وصفته بانفراد المكون العسكري بالسلطة.

ومؤخراً وفي أكثر من مناسبة دعا كل من رئيس مجلس السيادة الإنقلابي ونائبه للعودة للحوار، الأمر الذي يعتبر تغيراً في اللغة التي إتسمت في السابق بالتعنت والتمترس في المواقف.

لم يكن يتوقع رئيس مجلس السيادة الانقلابي، عبد الفتاح البرهان، العزلة غير المسبوقة التي قوبل بها انقلابه. فحتى بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، على الانقلاب، فشلت مكوناته في اختيار رئيس وزراء يمكن الاتفاق عليه.

وعقدت الهيئة القيادية لقوي الحرية والتغيير “الميثاق الوطني”، وهي قوة سياسية داعمة للانقلاب، اجتماعا السبت الماضي، ناقش الأزمة الاقتصادية التي عزاها لغياب التوافق حول اختيار رئيس الوزراء.

وفي 25 أكتوبر الماضي، أطاح القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بالحكومة الانتقالية. تشكلت عقب ثورة شعبية اطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير 2019.

وخسر السودان بسبب انقلاب 25 أكتوبر، استثمارات تقدر بأكثر من 35 مليار دولار، في مجالات الزراعة والصناعات المتكاملة وغيرها، بحسب وزير الاستثمار والتعاون الدولي في حكومة “حمدوك”.

كما جمدت واشنطون مبلغ 700 مليون دولار كان من المتوقع توجيهها لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، كما أوقفت مؤسسات تمويل دولية الخطط الرامية لدعم الاقتصاد السوداني.

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، تقود لجان المقاومة الحركة الاحتجاجية الرافضة لانقلاب “البرهان” تحت شعار (لا تفاوض لا شراكة لا شرعية)، كما بادرت الأيام الماضية بإعلان جدول التظاهرات لشهر مارس. في وقت أكدت فيه استمرار الاحتجاجات عن طريق المواكب والوقفات الاحتجاجية حتى إسقاط الانقلاب.

وتسبب الانقلاب في توقف مفاصل الحياة في البلاد تماماً، وباتت نذر الضائقة الاقتصادية تلقي بظلالها على المواطنين، مع تراجع مضطرد في قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.

الصمت والخوف: الحياة تحت سطوة قوات الدعم السريع في دارفور

وعلى الرغم من الإدعاء، بأن العلاقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تعمل بتجانس، إلا أن تكوين الأخيرة والطريقة التي تشكلت بها، مع تنامي الطموح السياسي الراغب في مزيد من السلطة الذي ظل يبديه قائدها، يُنبي عن صدام مؤجل بين  القوتين العسكريتين.

ويعتبر القيادي والمحلل السياسي، صديق أبو فواز، أن الصراع داخل مكونات الانقلاب أمر متوقع، مشيراً إلى أنه صراع مصالح  ونفوذ.

صديق ابو فواز: صراع نفوذ داخل مكونات الانقلاب والمواجهة بين الدعم السريع والجيش متوقعة

ولفت أبو فواز، في حديث لـ (عاين) إلى أن الصراع بين الجيش ممثلاً في قادته الموالين للحركة الإسلامية وبين الدعم السريع “تم ترحيله”، موضحاً بأن  لجنة البشير الأمنية استولت على السلطة بواسطة إبن عوف ثم البرهان الذي إدعى وقوفه إلى جانب الثورة.

وشدد بالقول “هذه كذبة كبيرة”، موضحاً أن من كان جزءاً من النظام لا يُمكن أن يشارك في  إسقاطه.

ويرى أبو فواز أن “حميدتي” كان جزءاً من مرحلة الإطاحة بالبشير، الأمر الذي مثل إلتقاء النقيضين: ما تبقى من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن الصراع بينهما سيستمر إلى أن يقصي أحد الطرفين الآخر.

وأوضح أبو فواز، أن اتفاقية جوبا لسلام السودان، تم التوقيع عليها بهدف إنشاء وتكوين قاعدة سياسية جديدة بدلاً عن قوى الحرية والتغيير، مشيراً إلى أن الحاضنة السياسية للإنقلاب فشلت في تسويقه محلياً ودولياً.

"سلام جوبا" على محك دمج الجيوش

ونقلت تقارير صحفية إعلان قوى الحرية والتغيير “الميثاق الوطني” رفضها سيطرة المكون العسكري على السلطة، ودعت المجلس المركزي بتحالف الحرية والتغيير لإجراء تفاوض حقيقي لإنهاء الأزمة  في السودان.

من جهة أخرى، يعتبر أبو فواز، أن محاولة قادة الانقلاب استمالة زعماء القبائل والإدارات الأهلية وبعض الطرق الصوفية، من أجل دعم الانقلاب، محاولة فاشلة، جربها من قبلهم شموليون كثر. كما قلل من جدوى ذلك، لافتاً إلى أنه لا يوجد نظام يمكن أن يستمر وهو يرتكز على الجهل وتوظيف الفقر.

من جانبه، يقول المحلل السياسي أمين مجذوب إسماعيل: “إن الذي حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر، يعتبر تغييراً كبيراً، نتج عنه إبعاد الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الممثلة في قوى الحرية والتغيير ” المجلس المركزي”.

وأوضح متحدثاً لـ (عاين) أن قوى الحرية والتغيير “الميثاق الوطني” مثلت الحاضنة الجديدة للقوى التي تحكم البلاد في أعقاب “الخامس والعشرين من أكتوبر”، لافتاً

محلل سياسي: الأحزاب السياسية والطرق الصوفية والإدارات الأهلية التي دعمت الإنقلاب غير قادرة على مصارعة الشارع الذي تقوده لجان المقاومة.

إلى أن الأحزاب السياسية والطرق الصوفية والإدارات الأهلية التي دعمت الإنقلاب لم يكن لها القدرة على مصارعة الشارع الذي تقوده الآن لجان المقاومة.

وأكد إسماعيل، أن لجان المقاومة والمكون العسكري هما الفاعلين الرئيسين في الوقت الراهن، مع عدم وجود أي تأثير من الأحزاب السياسية بما فيها القوة الحرية والتغيير “الميثاق الوطني”.

عزلة النظام الجديد

وأوضح إسماعيل، أن هذه الوضعية أحدثت نوعاً من العزلة المضروبة على النظام الجديد، مشيراً إلى أن كل الكوادر التي كان من المتوقع أن تشارك في تكوين الحكومة الجديدة، أحجمت بسبب أن أي خطوة تُفضي لمشاركتها في تكوين الحكومة لن تجد قبولاً في الشارع.

فيما يرى الصحافي والمحلل السياسي، ماجد محمد علي، أن المجموعات التي مثلت الحاضنة السياسية لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، كانت تلتقي منذ البداية حول هدف رئيسي يتمثل في تغيير مهام المرحلة الانتقالية بشكل كامل، بحيث تبسط سيطرتها على مؤسسات الحكم الانتقالي من أجل الوصول في نهاية الفترة الانتقالية إلى إنتخابات ينتج عنها حكومة خاضعة للعسكريين بزي مدني صوري.

وأوضح علي أن هذه المجموعات التي ساهمت في حدوث الانقلاب غير منسجمة بالكامل بسبب التنافس على القيادة ومراكز النفوذ في أجهزة الدولة ، كما تتنافس من أجل الاستحواذ على الموارد مثل الذهب وغيره.

وأضاف أن التنافس المشار إليه يظهر تناقضاً في المواقف من قضايا تتعلق بالسياسة الداخلية والخارحية، بحيث يظهر الانقلاب نفسه بلا توجه محدد ودون رؤية متفق عليها بين المجموعة الانقلابية.

وفي السياق، قال مصدر مقرب لحركات الكفاح المسلح لـ(عاين)، إن هناك خلاف وصراع ما بين حركات الكفاح المسلح حول النفوذ.

وأشار في حديث لـ(عاين)، إلى أن أغلب الحركات المُسلحة تقوم على بنية عشائرية، فعلى سبيل المثال فإن حركة العدل والمساواة، هي حركة شبه أسرية، يسيطر عليها عبد العزيز عشر نور، وهو الأخ الأصغر لجبريل إبراهيم وزير المالية في حكومة الانقلاب، موضحاً أن جبريل إبراهيم يأتي في المرتبة الثانية من ناحية السيطرة الفعلية على الحركة.

ولفت المصدر، إلى أن الصراع داخل حركة العدل والمساواة يتمحور حول محاولات الانفراد بالقرار من قبل عبد العزيز عشر ذو التأثير الكبير على قرارات جبريل إبراهيم.

وبالنسبة لحركة تحرير السودان التي يقودها مناوي، يؤكد المصدر أيضاً على وجود خلافات- دون توضيح اكثر.

نظرة مغايرة

من جانبه، يرى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي، محمد المهدي الحسن، إن الانقلاب على الحكومة الانتقالية كان فكرة المكون العسكري لإعتبارات تخصه، مشيراً إلى إلى أنه وحتى الآن، فإن ما يقوله العسكريون كتبرير للانقلاب ليس مُقنعاً لأحد.

ولفت الحسن، في حديث لـ(عاين) إلى أن بعض  أطراف السلام وافقوا على الانقلاب، إلا أنهم لم يكونوا جزءاً منه، مشيراً إلى أن هذه القوى المُشار إليها ظنت أن الانقلاب سيجعلها تستأثر بالسلطة مع المكون العسكري بالشكل الذي يُمكنها من تحقيق أهدافها. كما أن هذه القوى، والحديث للحسن، اعتقدت أن الانقلاب سيمكنها من إقصاء قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” من مُعادلة الحكم، مشيراً إلى أن ذلك التقدير كان ينم عن قصر نظر وعدم معرفة بتعقيدات الواقع السياسي.

ولفت الحسن  إلى أن المكون العسكري وأطراف السلام الذين أيدوا الانقلاب توصلوا إلى أن الأوضاع الراهنة لا يمكن أن تمضي للأمام، كما أنهم توصلوا إلى أن الانقلاب لن يجد شرعية وأن السودانيين لن يقبلوا به كأمر واقع.

قيادي بحزب الأمة: لانقلابيون تغيرت نظرتهم للأوضاع وبدأوا في محاولة إيجاد مخرج سياسي للأزمة.

كما يشير الحسن إلى أن الذين أيدوا الانقلاب أدركوا  بمرور الزمن، أن استحقاقات السلام لا يمكن أن تتحقق في ظل الانقلاب، خاصة في أعقاب توقف المساعدات الدولية وتدهور الوضع الاقتصادي.

وأضاف ” أطراف السلام لديهم إلتزامات يجب القيام بها ولا يمكن تحقيقها في ظل شُح الموارد الذاتية، مع إستحالة الحصول على مساعدات دولية في ظل الانقلاب”.

وتابع “أن الذين أيدوا الانقلاب تبين لهم  أنهم أُستصحبوا  في إنقلاب ضد مصالحهم، كما أكتشفوا أن العساكر تخلوا عنهم عندما إنفردوا بالسلطة”.